أثار إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اعتزامها ترشيح سفير الولايات المتحدة في تونس دونالد بلوم لمنصب سفير فوق العادة في باكستان من دون الكشف عن خلفه تساؤلات حول مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وسط مخاوف من توتر غير معلن مع واشنطن.
وذكرت وكالة "رويترز" بنسختها الإنكليزية، أول من أمس الأربعاء، أنّ بايدن عيّن الدبلوماسي المحترف دونالد بلوم ليكون أكبر دبلوماسي لإدارته في باكستان، مع تصاعد الوضع المتقلب في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية من البلاد.
وبلوم دبلوماسي محترف يتمتع بخبرة واسعة في المنطقة، وشغل منصب السفير الأميركي في تونس منذ عام 2019، في موقع دبلوماسي أميركي مهم في شمال أفريقيا، وتمثل مصالح خارج حدود البلاد، بما في ذلك ليبيا المجاورة.
وتساءل مراقبون حول نوايا الرئيس بايدن عدم تعيين سفير في تونس انطلاقاً من تصعيد الموقف الأميركي الرافض لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، فيما اعتبر مناصرون لسعيّد أنّ الرئيس وراء إبعاد بلوم؛ بسبب ما وصفوه بالتدخل الأميركي في الشأن الداخلي، معتبرين الاستغناء عنه "انتصاراً للسيادة التونسية".
وعلّق الخبير الدبلوماسي عبد الوهاب الهاني عبر صفحته على "فيسبوك" قائلاً "فوضى العَبث الدّبلوماسي. عندما تعلَّق الأمر بالاحتجاج لدى سفير الولايات المُتَّحدة، وهي الوظيفة التي تقع ضمن مشمولات مُوظَّف مُتوسِّط بوزارة الخارجيَّة مُكلَّف بالإجراءات الرَّدعيَّة والمُعاملة بالمِثل، سارع الدِّيوان الرِّئاسي إلى توريط رئيس الجمهوريَّة بالاستقبال وبالصَّوت والصُّورة"، مضيفاً "عندما تعلَّق الأمر باستقبال موفدة الإدارة الأميركيَّة وإقناعها بالخطوات الملموسة لعودة الديمقراطيَّة ومن ثمّ ضمان تعليق قرار تعليق المساعدات العسكريَّة لتونس، ارتأى هُواة الدِّيوان والمُحيط الرِّئاسي عزل رئيس الجمهوريَّة وحصره في مقابلة مُهينة لتونس ولا تسمن ولا تغني"، في إشارة إلى مقابلة سعيد مع الأمين العام لجامعة الدُّول العربيَّة أحمد أبو الغيط، على اعتبار أن تونس الرئيس المباشر للجامعة.
في مقابل ذلك، قال الإعلامي التونسي أنور المغراوي، عبر صفحته في "فيسبوك"، إنّ تعيين السفير الأميركي بتونس دونالد بلوم سفيراً فوق العادة في باكستان هو رسالة واضحة بأنّ "أميركا رفعت يدها من الإسلام السياسي في تونس".
إلى ذلك، تداولت عشرات الصفحات الداعمة للرئيس سعيد خبر ترشيح السفير الأميركي ليكون في باكستان، باعتباره نجاحاً في إبعاده وإقصائه من تونس بحسب تدويناتهم. وأرفق أنصار سعيد خبر ترشيح بلوم بتعليقات مثل: "القيصر قيس سعيد يطيح بالسفير الأميركي دونالد بلوم بالضربة القاضية"، و"قيس سعيد يكسب جولة ويجبر بايدن على إبعاد السفير".
وأوضح المحلل السياسي والرئيس السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية برئاسة الجمهورية طارق الكحلاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ "إصدار البيت الأبيض بلاغاً أعلن فيه ترشيح دونالد بلوم لمنصب سفير فوق العادة لدى باكستان، لن ينفذ اليوم بل خلال المدة المقبلة"، مشيراً إلى أنّ "السفراء يخضعون لموافقة الكونغرس وبالتالي لن يتسلم بلوم مهامه الجديدة إلا بعد ذلك".
وأكد الكحلاوي أنه "لا علاقة لترشيح بلوم بما يروج له حول قطع العلاقات بين تونس والولايات المتحدة وتوترها"، مرجحاً أن "يكون ذلك في إطار الحركة العادية مع عدد من السفراء الآخرين"، موضحاً أنّ "سحب سفير من بلد ما أو استدعاءه يتم بشكل واضح". ولفت إلى أنّ "إعلان تعيين بلوم في إسلام أباد يُعدّ بمثابة الترقية له، بنقله نحو موقع أكثر حساسية وذي أولوية بالنسبة للولايات المتحدة بعد الانسحاب العسكري من أفغانستان وآثاره السلبية، وتعويل واشنطن اليوم على تحالفها مع باكستان، في إطار استتباعات استراتيجية كبرى".
وبيّن المحلل السياسي التونسي أنه "من العادي ألا يتم الإعلان الآن عن المرشح لخلافة بلوم في تونس، حيث يمكن أن يستغرق الأمر فترة، مقارنة باستعجال تعيين سفير في باكستان". وأوضح أنه "ليس من التقاليد والأعراف تعيين السفير الجديد مباشرة وفي نفس الوقت"، مبيناً أن" بلوم ما زال يقوم بوظيفته في تونس".
ورجّح أن "يتم تعيين سفير بمواصفات محددة تتماشى والوضع الحالي ومتطلبات المرحلة، وبمعايير تمكنه من العمل في تونس"، متوقعاً أنّ "السفير القادم سيكون في حجم بلوم وربما بخبرة أكبر وتجربة أوسع"، بحسب قوله.
ولفت الكحلاوي إلى أنّ "هناك عدة معطيات استراتيجية تجعل من تونس ذات أهمية للولايات المتحدة الأميركية من حيث موقعها في البحر المتوسط وقربها من ليبيا".
وحول عدم استقبال سعيّد مساعدة وزير الخارجية الأميركية يائيل لمبرت، التي تزور تونس منذ ثلاثة أيام، ذكّر الكحلاوي بأنّ "سعيّد لم يستقبل أيضاً وزير الخارجية الألماني"، مشيراً إلى أنّ "دلالات ذلك يمكن تفسيرها بتركيز الرئيس على المسألة الاقتصادية والمالية، مفسحاً المجال للحكومة للعمل والتحرك، كما يمكن تفسيره بتفاديه الاحتكاك بالأطراف الخارجية في انتظار مرور موجة الضغط بالابتعاد عن التعاطي المباشر معها".
وبيّن أن "الولايات المتحدة الأميركية في حالة ترقب، وبصدد المتابعة الدقيقة لما يحدث في تونس"، مشيراً إلى أن "الكونغرس بصدد ترقب تقرير الخارجية الأميركية، فواشنطن لن تقطع مساعداتها عن تونس، ولكن بشروط، في نفس الوقت سيتواصل الضغط الأميركي من خلال جدول زمني واضح وإجراء حوار مع مختلف الشركاء".
وأوضح أنّ "الموقف الأميركي يقوم على ترقب إجراء انتخابات، ورغم رفضهم الاستفتاء، فإنهم يترقبون أن يكون الانتقال بشكل تشاركي"، مشدداً على أن "تصريح السفير الأميركي على هامش نشاط اقتصادي أمس الخميس يؤكد أن الدعم لتونس سيتواصل، ولكن بشكل مشروط بتواصل الحكومة التونسية مع الشركاء الماليين الآخرين لإنجاز إصلاحات في تونس".
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، خلال حديث مع "العربي الجديد"، "أنه لا يمكن اعتبار ترشيح بلوم لتمثيل إدارة بايدن في إسلام أباد نجاحاً للدبلوماسية التونسية أو إبعاداً أو طرداً له، بقدر ما يفسر بتوجهات السياسة الخارجية الأميركية التي تعتبر نقل هذا الدبلوماسي المحنك نحو وجهة تعد ذات أولوية لدى واشنطن".
وتابع "تعيين بلوم عند الحليف الباكستاني من ورائه تجديد لنقطة ارتكاز بالغة الأهمية على المستوى الأمني والاقتصادي والدبلوماسي على الحدود الشرقية مع أفغانستان لتعويض تبعات الانسحاب العسكري من كابول ولتقوية إطلالة حدودية لشرطي العالم على الشرق الأوسط".
وبيّن المؤدب أنّ "نقل بلوم لا يمثل انتصاراً لسعيّد ولا انحساراً للعلاقات الثنائية بين البلدين، بل يمكن تفسيره بقراءة واشنطن للواقع التونسي التي قد تستدعي شخصية في نفس حجم وخبرة بلوم وربما أكثر من أجل ضمان مصالحها والمحافظة على مكانتها بالمنطقة".
وأكد أنّ العلاقات التونسية الأميركية باتت مختلفة عما قبل 25 يوليو/ تموز، إذ يطغى عليها التوتر والقلق والتعامل الحذر من قبل الجانب الأميركي، بعد الإجراءات "الاستثنائية" التي أعلنها سعيّد.
وأشار إلى أنّ "عدم استقبال سعيد للدبلوماسية الأميركية لا يمكن اعتباره موقفاً معادياً أو مناكفاً لواشنطن في وقت كان يمكن أن يحقق من وراء استقبالها نقاطاً إيجابية من خلال رفع اللبس والغموض حول مستقبل العلاقات بين البلدين".
وتعد الولايات المتحدة من أبرز الداعمين لتونس قبل الثورة 2011 وبعدها، إذ تزايد الدعم الأميركي بحسب المؤشرات في إطار سعي البيت الأبيض لدعم الانتقال الديمقراطي في البلاد.
ووفق إحصائيات نشرتها الإدارة الأميركية، في وقت سابق، وأشارت إليها مجدداً رسالة أعضاء الكونغرس الأخيرة إلى وزارة الخارجية الأميركية، فقد خصصت الولايات المتحدة منذ عام 2011 أكثر من 1.4 مليار دولار لدعم الانتقال الديمقراطي بتونس. وفي عام 2019 وقَّعت الولايات المتحدة وتونس اتفاقية ثنائية للأهداف التنموية، وذلك لمدة خمس سنوات، لتوفير ما يصل إلى قرابة 335 مليون دولار، كدعم إضافي لزيادة فرص العمل في القطاع الخاص.
وبلغ حجم دعم العسكري الأميركي لتونس خلال عام 2016 نحو 20 مليون دولار لـ"تعزيز قدرة البلاد في مواجهة الإرهاب"، حسب ما أعلنت وزارة الدفاع التونسية سابقاً، وقد تلقت تونس القيمة نفسها من المساعدات عام 2014، فيما استمرت المساعدات إلى السنة الحالية.
مساعدة وزير الخارجية الأميركية: نتطلع إلى العودة السريعة إلى النظام الدستوري
وبحسب السفارة، فإن لامبرت أجرت زيارة إلى تونس وليبيا أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس الماضي، والتقت خلالها بمسؤولين حكوميين تونسيين، كان من بينهم وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، عثمان الجرندي.