قبل 13 عاماً عندما ثار المصريون في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، من أجل 3 مطالب أساسية (عيش - حرية - عدالة اجتماعية)، كانت القضية الفلسطينية في قلب هذه الثورة، ولكن بعد مرور كل هذا الوقت ومع الانتكاسات التي واجهتها الثورة المصرية، وأخطرها الانقلاب الذي أطاح أول تجربة ديمقراطية في تاريخ البلاد، أعادت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الروح إلى الأحلام الأولى للشباب المصري الذي أشعل ثورة 25 يناير، وأتاحت نظرة جديدة للثورة التي كانت محملة بأحلام مصرية وعربية كبيرة.
"طوفان الأقصى" تحيي أحلام ثورة 25 يناير
"العربي الجديد" تحدثت إلى شخصيات انتمت إلى ثورة 25 يناير، ليقدموا قراءتهم بعد أكثر من عقد على يناير، في ظل المتغير الحالي الكبير، وهو عملية "طوفان الأقصى" وما بعدها.
أستاذ العلوم السياسية عصام عبد الشافي، قال في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "قراءة ثورة 25 يناير، بعد طوفان الأقصى، مهمة للغاية، لأكثر من اعتبار: الأول هو ما حدث من المقارنة الدائمة بين ردود فعل النظام الحاكم في مصر الآن، وردود فعل النظام الحاكم بعد ثورة يناير، حيث كانت هناك أحداث مباشرة تعرض لها قطاع غزة عام 2012، وبادر الرئيس الراحل محمد مرسي في ذلك التوقيت بإرسال رئيس الوزراء (هشام قنديل) ووفود رسمية وشعبية لنصرة غزة، حيث دخلوا القطاع، وتمّ الإعلان مباشرة وبصوت واضح أن (غزة ليست وحدها) في ذلك التوقيت وخلال أقل من أسبوع".
عصام عبد الشافي: نهوض الشعوب العربية وسعيها نحو التغيير يدفع إلى تغيير معادلات العلاقة مع إسرائيل
وأضاف عبد الشافي أن "الاتصالات الداخلية والخارجية والإقليمية آنذاك بدأت فوراً لوقف الصراع من جانب الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما في ذلك الوقت، لكن الأمر الآن مختلف، حيث إن الحرب امتدت لأكثر من 100 يوم لم يتدخل خلالها النظام المصري الحاكم بصورة مباشرة لاحتواء الأزمة ومنع تفاقمها أو حتى فكّ الحصار المفروض على قطاع غزة وإدخال المساعدات بالشكل المطلوب".
وتابع أستاذ العلوم السياسية: "الاعتبار الثاني، هو موقف إسرائيل من النظم السياسية في مصر بعد الثورة مباشرة، حيث قامت بكل السياسات والإجراءات، واستخدمت كل أدواتها الذاتية والإقليمية والدولية لإسقاط النظام في مصر، لذلك جاء الترتيب لانقلاب 2013 (إطاحة مرسي)".
وأضاف: الآن هناك علاقة تعاون استراتيجي بين النظام الحاكم في مصر والكيان الصهيوني. ولفت إلى أن "الحديث عن الثورة وإعادة قراءتها يحتاج التأكيد على أن نهوض الشعوب العربية وسعيها نحو التغيير وتمكنها من مفاصل الحكم تدفع إلى تغيير معادلات العلاقة مع هذا الكيان، الذي يمثل الخطر الأكبر والأول".
وأكد عبد الشافي أنه "بعد ثورات الربيع العربي كان خطر يتهدد إسرائيل، وكانت تعتقد يقيناً بأن الشعوب العربية ترفض وجودها، فإذا وصلت إلى الحكم شخصيات مؤيدة من شعوبها بفعل الثورات، فإنه لا وجود لها في المنطقة، والأمر يرتبط بموقع القضية الفلسطينية من المدافع الأول عن القضية، وهي الشعوب، سواء من إجراءات المقاطعة أو التفاعل الإلكتروني". واعتبر أنه "إذا ما تمكنت هذه الشعوب من تثبيت نظم حكم تُعبّر عن إرادتها، فإن كل المعادلات ستتغير في القضية الفلسطينية في ظل اعتبارها القضية الأولى لكل العرب والمسلمين".
بدوره، قال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، المحامي خلف بيومي، إن "ثورة 25 يناير ستظل من أهم إنجازات الشعب المصري، والتي استطاع من خلالها أن يغير نظاماً ظل جاثماً على صدره 30 عاماً، وستظل ذكراها محفورة في أذهان الشعب، ولن يستطيع أحد أن يمحو ذلك من تاريخ مصر، ومن حق الشعب في كل عام أن يحتفل بها ويرنو إلى تكرارها مرة أخرى، في ظل حكم عسكري لم يجلب على الشعب إلا الفقر والضنك وضيق الأفق السياسي".
عمار فايد: حال النظام الإقليمي العربي في طوفان الأقصى، أعاد النقاش حول أسس شرعيته
ولفت إلى أنه "في ذكرى ثورة 25 يناير، يعيش الشعب أحداثاً جساماً تتمثل في طوفان الأقصى، وما حققه من كسر صنم آخر قريب من مصر، وهو دولة الاحتلال الإسرائيلي، لأن صور الشهداء والاعتقالات يجب أن يسعى الشعب بكل ما أوتي من قوة إلى محوها".
رفض للواقع البائس
من جهته، قال الباحث في العلوم السياسية، الدكتور عمار فايد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا شك أن طوفان الأقصى أضفى على ذكرى الثورة هذا العام روحاً جديدة، فالكثيرون، حتى بين أبناء الثورة، صارت لديهم شكوك حول احتمالات تجددها وأشكال وتجليات هذا التجدد، ويفترض الكثيرون أن الشعوب ارتضت الأمر الواقع الذي فرض بالقوة، وأنها باتت مستعدة لمنح هذا الواقع فرصة كي لا تتورط شعوب المنطقة في مزيد من الاضطراب والصراع، لكن حال النظام الإقليمي العربي في طوفان الأقصى، أعاد النقاش حول أسس الشرعية وما لديه ليقدمه لشعوبه، على مستوى الواقع وحتى على مستوى الخيال والشعار".
وتابع فايد: "يظهر الواقع العربي عاجزاً ومخزياً إلى القدر الذي يعيد طرح السؤال نفسه الذي فجّره البوعزيزي (في تونس) قبل سنوات، حول جدوى الحياة التي يعد بها هذا النظام الإقليمي… إن كان أصلا يعد بأي حياة!". وشدّد على أن "الفقر والقهر ليسا فقط ما هيمن على خيال جماهير الثورة ودفعها للتمرد، حيث كانت فلسطين، وخصوصاً حروب غزة وحصارها، وقبلها احتلال العراق، محركات للغضب والرفض والبحث عن كرامة عربية مُهانة، والآن مجدداً في مصر، كما أن التدهور الاقتصادي المديد، ووطأة القمع الشامل العنيد، يزكيان رماد الغضب في هدوء لكن بإصرار واتصال، فإن العجز المصري والضعف العربي إزاء ما يجري في غزة يضيف المزيد والمزيد من التقدم الواثق نحو المصير المحتوم… هذا الواقع البائس يجب أن يتغير".
وأضاف: "الارتباط بين الواقعين مباشر إلى درجة حرص الأنظمة عموماً على التماهي مع الشعوب في تضامنها مع غزة كي تمتص من غضبها الذي لن ينفجر إلا في وجه حكامها، وفي المقابل يسارع الغرب بخطط الدعم الاقتصادي لمصر والأردن بصورة خاصة لتجنب لحظة التدهور التي قرّبها الطوفان أو أعاد التذكير بأنها حاضرة ومحتملة مهما بدا الواقع دائماً وسرمدياً ولا يتصور تغيره".