- الإدارة الأميركية تواجه تناقضاً في محاولة دعم إسرائيل وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة، مما يعرض بايدن لانتقادات بالضعف أو التواطؤ.
- تزايد الدعوات لإزاحة نتنياهو من السلطة كحل للأزمة، مع تقرير استخباراتي أميركي يشير إلى خطر بقائه في منصبه، وسط انتقادات دولية لإسرائيل بسبب استخدام التجويع كسلاح حربي ضد سكان غزة.
الرئيس الأميركي جو بايدن ملتصق بإسرائيل، لكنه إلى حدّ بعيد متنافر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. علاقته مع زعيم الليكود مشوبة منذ زمن بالشكوك وشبه انعدام الثقة. بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، احتضن البيت الأبيض الدولة العبرية وحربها على غزة وخصّها بعناية واهتمام وسخاء لم يجاريه فيها أحد من أسلافه.
نتنياهو البارع في المناورة حتى مع وليّ النعمة، اغتنم فرصة هذا الاندلاق ليستأثر بإدارة الحرب ويحولها إلى حرب إبادة وتجويع ونزوح ومشاريع ترحيل. انفلات نتنياهو تحت الغطاء الأميركي، أثار مشاكل للمرشح بايدن المهتز وضعه في عام انتخابي حاسم وربما خطير. انعكس ذلك في انتخابات التصفية الحزبية، التي كشفت أن الرئيس لا يحتمل مقاطعة كتلة انتخابية من الديمقراطيين والعرب والمسلمين في ولايات حساسة قد تكون نتائجها حاسمة في ترجيح الكفة في الانتخابات العامة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
وتفاقمت المحاذير أكثر مع تمادي نتنياهو في المشاكسة وعرقلته لمشاريع الهدنة، فضلا عن الرفض القاطع لوقف النار، في حين بقيت الإدارة الأميركية في موقف من يحاول جمع الماء بالزيت. من جهة تصرّ على مواصلة تموينها لماكينة الحرب الإسرائيلية. ومن جهة ثانية تزعم أنها عازمة على وصول المساعدات الغذائية لأهل غزة. تضارب بدا معه بايدن أكثر فأكثر كمستضعف او كمتواطئ. فلا هو في وارد وقف دعمه للحرب ولا هو بقادر على لجم نتنياهو وضبطه.
المخرج كان، في اعتقاد بعض المقربين من البيت الأبيض ومن إسرائيل، إزاحة نتنياهو من موقع القرار. ثم أخذ هذا الاحتمال دفعة زخم عندما قام الوزير الإسرائيلي في حكومة الحرب بني غانتس قبل أسبوعين بزيارة لواشنطن خلافا لرغبة رئيسه، الذي قيل إنه أبلغ سفارته في واشنطن "بعدم تسهيل مهمة غانتس". تردّد آنذاك همس بأن مهمته كانت أبعد من مجرد تشاور بشأن الحرب والتباينات بخصوصها، وإلّا كان يفترض أن تحصل بموافقة رئيس الحكومة. وتعزز هذا الاعتقاد بمستوى اللقاءات التي أجراها الوزير على مدى يومين، بدءاً بنائبة الرئيس كامالا هاريس (نيابة عن الرئيس)، ثم مع وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
ثم توالت الإشارات منذ مطلع هذا الأسبوع. يوم الاثنين الماضي عرض كبار مسؤولي وكالات الاستخبارات الأميركية (السي أي إيه، ومخابرات وزارة الدفاع، إف بي أي، وكالة الاستخبارات الوطنية...)، التقرير السنوي المتعلق بالتقييمات الاستخباراتية للمخاطر والتهديدات الدولية أمام لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ.
أثناء التداول بمضمون التقرير وردت إشارة وعلى غير عادة، تفيد بأن "بقاء نتنياهو في موقعه كرئيس لحكومة التحالف، بخطر". طرحت أكثر من علامة استفهام، حول هذه الفقرة وتوقيتها الذي تقاطع مع تلميحات ومستجدات تصب في هذا الاتجاه. وكان آخرها في حركة رئيس حزب "تكفا حداشاة" (أمل جديد) الوزير جدعون ساعر، الذي أعلن فك تحالفه مع حزب غانتس وبما حمل على الاعتقاد بأن نقلته قد تكون الخطوة الأولى في انفراط حكومة نتنياهو، وبما يؤدي إلى انتخابات يستبعد فوز نتنياهو فيها.
رافق ذلك تصريح مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل حول "استخدام إسرائيل تجويع سكان غزة سلاحاً حربياً"، والذي أدلى به قبل ساعات من لقائه، أمس الأربعاء، مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن. وعندما سُئل هذا الأخير عن التصريح تجاهل السؤال، مكتفياً بالتنويه بالتسهيلات الإسرائيلية في قضية المساعدات الانسانية. وقال بلينكن في لقاء مع الصحافة، الأربعاء، إن "الطحين دخل إلى القطاع وبما يكفي لستة أشهر"، ولفت في كلامه الذي افتتحه ببيان عن الرصيف البحري "الذي سيأخذ بعض الوقت لإنجازه"، أنه كان ليناً على غير عادة في مطالباته لإسرائيل لتقوم بدورها في هذا المجال.
كما استوقف تشديده على أن "التزام الإدارة بتمكين إسرائيل من الدفاع عن نفسها وضمان أمنها مسألة ثابتة ومستمرة". وبدا هذا التذكير خارج السياق، وهو ما طرح المزيد من علامات الاستفهام حول ما إذا كان يتقاطع هو الآخر مع أجواء التغيير، أو ما إذا كان من مستلزمات التوليف لما هو قادم في إسرائيل وبعلم الإدارة.
عبارة بوريل أقرب تعبير عن الواقع القائم في غزة وسط الإجراءات المبتورة وفوضى العراقيل المفتعلة
وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى الدعوات التي تتحدث عن "حاجة إسرائيل إلى استراتيجية جدية"، كما يقول دانيس روس، المبعوث الخاص سابقا للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والذي يعمل حاليا مستشاراً في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، الذي يعتبر بمثابة اللوبي الفكري لإسرائيل. وهو من المقرّبين من الحكومات الإسرائيلية وبالذات من نتنياهو، ويدرك أن مثل هذا التوجه الجديد (الذي يتضمن العمل بحل الدولتين) لا يقوى نتنياهو على النهوض به.
يبدو أن الإدارة الأميركية تمكنت من تأجيل الهجوم على رفح "وإلى ما بعد شهر رمضان"، وفق ما ذكرت معلومات معروفة بمصادرها الموثوقة. لكن المؤكد أكثر أن عبارة بوريل أقرب تعبير عن الواقع القائم في ظل الإجراءات المبتورة وفوضى العراقيل المفتعلة والتي تتحاشى واشنطن الدخول في تفاصيلها ومسؤولياتها حتى الآن، بانتظار المستجدات إذا صحت المؤشرات.