إشارات السيسي عن "الإخوان": رسائل لتركيا وليبيا

23 سبتمبر 2021
أشار السيسي إلى إمكانية قبوله بفكر "الإخوان" (أنجيلا ويس/فرانس برس)
+ الخط -

أثارت الكلمة المرتجلة التي صرّح بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في معرض ردّه، في 11 سبتمبر/أيلول الحالي، على جلسة نقاشية خلال مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية المصرية، بعد إشارته إلى إمكانية قبوله لفكر جماعة "الإخوان المسلمين"، التي أشار إليها بـ"الفكر المتواجد منذ 90 عاماً"، إذ تفاعل القيادي البارز في "الإخوان" يوسف ندا مع الخطاب، عبر رسالة بعنوان "مصر إلى أين"، مطالباً بإنهاء معاناة السجناء السياسيين في مصر، فيما اعتبرت مصادر خاصة أن رسالة السيسي خارجية، أكثر منها داخلية.

استبعدت مصادر قيام السلطات المصرية بتخفيف أو الإفراج عن أعضاء جماعة "الإخوان" في السجون

وخلال كلمته في إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، قال السيسي إن "المجتمع على مدى 90 عاماً، يتم صبغه بفكر محدد"، مضيفاً أنه "بالمناسبة، أنا لست مختلفاً مع هؤلاء، ولكن بشرط أن يحترم مساري ولا يتقاطع معي ولا يستهدفني". وتابع: "هذا هو فكره (في إشارة إلى الإخوان)، لن أقول إني سأحترم فكره، إنما سأقبل به، ولكن لا يفرضه عليّ ولا يضغط عليّ به، ولا يحول مسار فكره تجاهي، ليس عليّ أنا، إنما على مصر والمجتمع".

وتحدثت "العربي الجديد"، مع أطراف عدة، للوقوف على حقيقة ما وصف بـ"رسائل السيسي" خلال كلمته، والجهات المقصودة منها. وفي هذا السياق، قالت مصادر مصرية خاصة، إن حديث السيسي خلال المؤتمر لا يعني إمكانية عقد مصالحة مع جماعة "الإخوان" وأعضائها، وفتح الباب مجددا لعودتهم إلى الحياة السياسية المصرية، أو السماح لهم بالعمل السياسي أو حتى عقد صفقة سياسية معهم. وأضافت المصادر أن الرسالة كان المقصود بها أطرافا أخرى، هي ليست موجهة إلى الجماعة بالمرّة، ولكن هي موجهة لدول تتواجد فيها الجماعة وتربطها بها علاقات بأشكال مختلفة، وهذه الدول شرعت مصر أخيراً في مصالحات وإعادة إحياء علاقات معها، وفي مقدمتها تركيا بالطبع، على حدّ تعبير المصادر.

وأوضحت المصادر أن "رسالة السيسي للأطراف التي خاطبها، مفادها بأن علاقاتهم بالجماعة لن تكون عائقاً أمام عودة العلاقات مع مصر، شرط أن تلتزم تلك الدول بعدم خروج أي تحريض من أراضيها ضد النظام المصري أو التأثير السلبي على الأوضاع المصرية من جانب أفراد الجماعة وقياداتها". وحول إمكانية أن ترتبط رسالة السيسي بحملة تخفيف أو إفراجات عن أعضاء جماعة "الإخوان" في السجون المصرية خلال الفترة المقبلة، أكدت المصادر صعوبة ذلك، مضيفة أن "ملف الإخوان المسلمين بالنسبة للسيسي ربما يكون مغلقاً، هو يدرك جيداً أن اللحظة التي سيسمح فيها بتسهيلات لهم سيكون بقاؤه في الحكم على المحك". ولفتت إلى أن "ملف السجناء سيظل الورقة التي يمسك بها السيسي ليضمن السيطرة على الجماعة ووضعها دائماً تحت ضغط وساعية لكسب رضاه، مع إمكانية تخفيف المعاناة المعيشية داخل السجون، أو إطلاق سراح من تنتهي مدة سجنهم وفقاً للأحكام الصادرة بحقهم، وهذا بالطبع بعيد عن قيادات الصفوف الأولى".

يخاطب السيسي أطرافاً دولية كتركيا وليبيا والاتحاد الأوروبي ومنظمات الضغط الحقوقية

من جهتها، اتفقت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، تابعت التفاعلات التي خلّفها حديث السيسي خلال إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، مع الطرح الخاص بعدم توجيه الرسالة لإخوان مصر، قائلة إن "هناك أطرافاً أخرى بخلاف تركيا يسعى السيسي لإرساء مبادئ التواصل معها"، مضيفة "هناك على سبيل المثال إخوان ليبيا، في وقت يسعى فيه السيسي لفتح علاقات واسعة مع الأطراف الليبية، وبالطبع الإخوان هناك ممثلون بقوة، ويلعبون دوراً كبيراً في الغرب، ممثلاً في رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، فيما تسعى القاهرة لتوسيع نفوذها هناك بحثاً عن رضا أميركي ومزايا اقتصادية". ورأت المصادر أن الأطراف التي خاطبها السيسي "يبدو أنها التقطت الرسالة، وربما يكون البيان الصادر عن المجلس الأعلى للدولة الليبية موقعاً من المشري، والذي يرحب فيه بالاتفاقيات التي وقّعها رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة مع الحكومة المصرية، ردّاً من جانب الإخوان في ليبيا على رسالة السيسي".

واستبعدت المصادر الغربية أن يكون السيسي مستعداً لبدء حوار مع جماعة "الإخوان"، مشيرة إلى أن رسائله في مجملها تخاطب أطرافاً أخرى غيرهم، ومن بين هذه الأطراف أيضاً الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية، ومنظمات الضغط الدولية التي تتهمه بممارسة انتهاكات بحق معارضيه وإيداع نحو 60 ألف سجين سياسي لديه. ولفتت إلى أن "الحكومات الغربية تعلم جيداً أن ما يتم الحديث عنه وتحقيقه على الأرض من إصلاحات في مجالات حقوق الإنسان وحرّية التعبير في مصر ضعيف للغاية، وجميعها يأتي تحت ضغوط كبيرة من جانب الحكومات الغربية والمنظمات الدولية".

وأصدر المجلس الأعلى للدولة الليبي، مساء الجمعة الماضي، بياناً رسمياً، أبدى فيه "ترحيبه ومباركته لمذكرات التفاهم والاتفاقيات الموقّعة بين حكومة الوحدة الوطنية وجمهورية مصر العربية الشقيقة، متطلعين إلى مزيد من التعاون المشترك الذي يخدم مصالح البلدين ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة"، وهو البيان الذي تسبب في هجوم بعض الأطراف في غرب ليبيا ضد المشري، وقيادة حزب "العدالة والبناء" (إخوان ليبيا)، بدعوى توظيفهم مصالح الدولة الليبية لخدمة مصالح الجماعة بتسوية خلافات مع الرئيس المصري.

أبرز التفاعلات مع إشارات السيسي، جاءت من القيادي البارز في جماعة "الإخوان المسلمين"، يوسف ندا، عبر رسالة عنونها بـ"مصر إلى أين"، قال خلالها "أسئلة كثيرة فرضها الحديث الإعلامي لرئيس النظام بتاريخ 11 سبتمبر 2021 بمناسبة الإعلان عن مشروع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، جاء فيه بالعامية أنه مش مختلف مع الفكر إلي بقى له 90 سنة، لكن بشرط يحترم مساري ولا يتقاطع معي ولا يستهدفني، هو فكره كده، مش حقول بحترمه لكن هقبل به، بس ميفرضهوش علّي، مش أنا كشخص أنا كدولة".

وأضاف ندا في رسالته: "العالم كله يعلم أن جماعة الإخوان المسلمين، لم تفرض فكرها على أحد طوال الـ90 سنة الماضية، وأن القناعة بهذا الفكر كانت بإذن الله هي الدافع لخدمة الوطن والبذل والعطاء لشعبه والصبر على المحن والمظالم التي وقعت وتقع على أفرادها طوال تاريخها". وحدد ندا ما يمكن توصيفه بشرط لبدء حوار مع النظام المصري، قائلاً إن "فتح الحوار مع رئاسة النظام المصري حالياً كما توحي رسالته، يوجب إنهاء معاناة المسجونين من الرجال والنساء ومعاناة أسرهم، حتى لا تبقى مع المشروع الجديد لحقوق الإنسان وكأنها رهانات على الصبر وتحمّل نتائجه، ولتكن بداية عمل الإستراتيجية الوطنية الجديدة هي تنفيذ ما نصّت عليه المادة 241 من الدستور المصري". وتنص المادة التي أشار إليها ندا، على أن "يلتزم مجلس النواب في أول انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور بإصدار قانون العدالة الانتقالية الذي يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية". وشدّد ندا على أن "صحائفنا بيضاء والوطن أحب إلينا من نفوسنا، وتعلمنا في السياسة أن وضع الشروط المسبقة يفسد الحوار، ولذلك أقول إن الباب مفتوح، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً".

 

المساهمون