إشارات أميركية حول حلحلة ممكنة في أوكرانيا

31 مارس 2022
هل تم تزويد بوتين بمعلومات مغلوطة عن العمليات في أوكرانيا أم أن للأمر قراءة أخرى؟ (Getty)
+ الخط -

منذ بداية الحرب، والحديث الأميركي حولها ينطلق من تحميل أوزارها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، باعتباره مخطِّطها وصاحب قرارها والمشرف عليها؛ ولكن الأربعاء، اختلفت اللهجة.

البيت الأبيض والبنتاغون كشفا في الوقت نفسه خلال الإحاطة الصحافية اليومية، عن معلومات استخباراتية تفيد بأن بوتين جرى وضعه في العتمة، من خلال "تزويده بمعلومات مغلوطة" عن مجريات العمليات الروسية في أوكرانيا، مما أدى إلى "فشل استراتيجي" أثار "غضبه" على عدد من معاونيه ووزارة الدفاع، حيث وضع بعض كبار ضباطه قيد الإقامة الجبرية.

تردد أخيراً كلام مشابه، في سياق الحديث عن التعثر الميداني الروسي نتيجة "التخبط والقصور اللوجيستي، وفوضى التنسيق بين القطاعات العسكرية، وضعف معنويات الجنود"، وغير ذلك. لكن لم يسبق خلال هذه الحرب، أن جرى تمرير معلومات للاستخبارات المركزية من صنف هذا الخلل القيادي ومستواه في الكرملين. وما عزز الرواية أن موسكو لم تدحضها حتى الآن. وبذلك، بدت أقرب إلى التصديق، خاصة وأنها جاءت في أعقاب تراجعات روسية، ولو جزئية، من شرق العاصمة كييف وشمالها، وضعتها موسكو والقيادة الميدانية في خانة "نهاية المرحلة الأولى" للحرب، رغم استمرار القصف والمواجهات.


لا يُستبعد أن تكون الحرب قد شارفت على الدخول في مسار مختلف. لكن كل الاحتمالات تبقى مرتبطة بالرد على السؤال المحيّر الأساس في واشنطن: بوتين إلى أين؟

في ضوء هذا المشهد الملتبس، جرى تحميل معلومات الـ"سي آي إيه" أكثر من تفسير.

فهي قد تكون ملغومة وسربتها موسكو عن عمد للتضليل بهدف شراء الوقت، والتحضير للخطة "ب" من حربها. حسب هذه القراءة، من الصعب القبول بأن أحداً في القيادة العسكرية أو من بين المعاونين قد يكون تجرأ على تضليل رئيس حازم في نظام صارم. كذلك من غير السهل أن يجري تزويد رئيس مثل بوتين جاء من خلفية استخباراتية، بمعلومات غير صحيحة، خصوصاً إذا كانت ميدانية، لا تقبل التحوير.

في اعتقاد آخرين، أنه ليس من المستبعد أن تكون القصة تخريجة جوانية، لحجب خطأ حسابات بوتين، ورفع الملامة عنه في حرب مكلفة ومحرجة لدولة بحجم روسيا، كشفت، ليس فقط، عن أعطاب في المذهب العسكري الروسي؛ بل أيضاً عن ضعف كفاءة الآلة العسكرية الروسية، التي جرى تجديدها في السنوات الأخيرة وبأكلاف باهظة.

لكن ثمة من لا يستبعد أن يكون انكشاف هذا الخلل، ديباجة أو مدخلاً لتراجع الكرملين، وسعيه لتقليل الخسائر عن طريق الدخول في عملية مساومة تؤدي إلى مخرج مناسب، تحت ضغط أن "حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر". وكان من اللافت، في هذا الصدد، أن يقول الناطق الرسمي في البنتاغون، جون كيربي، الأربعاء، إن هذا الانكشاف "قد يؤثر على مقاربة الرئيس بوتين للمفاوضات" باتجاه الحل السياسي. وربما لم يكن صدفةً أن تأتي ملاحظته هذه بعد يوم من قول وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، في تعقيبه على جولة المفاوضات الروسية الأوكرانية أمس في إسطنبول، إن الجولة دخلت طريق "التقدم الملموس". وصبّ في هذا المجرى ما طرحه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قبل يومين، من أن بلاده على استعداد للقبول بوضعية البلد المحايد. وفي ذلك استجابة لأحد مطالب موسكو.

كل ذلك أعطى جرعة أمل بحصول حلحلة تتدرج من تراجع بدأت طلائعه، ولو بشكل غير واضح، إلى تهدئة ثم وقف إطلاق نار، تبدأ بعده رحلة مفاوضات طويلة، ومليئة بالعقبات والتعقيدات والشروط. وقد أعربت إدارة بايدن أكثر من مرة عن "دعمها" للتفاوض، مع ترك حرية التصرف بالأرض للجانب الأوكراني، في إشارة إلى عدم ممانعتها تخلي أوكرانيا عن منطقة دونباس الشرقية لروسيا، مع كلام عن صيغة انتقالية لشبه جزيرة القرم والاعتراف بضمها في النهاية إلى روسيا.

في ضوء المعطيات الراهنة، يبدو مثل هذا الأمل أقرب إلى الوهم. لكن المؤشرات الأولية وما كشفته معلومات الأربعاء، لا يُستبعد معها أن تكون الحرب قد شارفت على الدخول في مسار مختلف، كما لمّح إليه البنتاغون. لكن كل الاحتمالات تبقى مرتبطة بالرد على السؤال المحيّر الأساس في واشنطن: بوتين إلى أين؟

المساهمون