مع بقاء أقلّ من أسبوعين على انتهاء التمديد الثاني للهدنة في اليمن في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كثّفت الدبلوماسية الأميركية تحركاتها مساندة لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، من أجل تمديد الاتفاق مدة إضافية جديدة، لإبقاء الهدنة الهشّة بين الأطراف اليمنية قائمة. كما حضر ملف تمديد الهدنة في اللقاء بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي على هامش أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكد بلينكن خلال اللقاء، وفق بيان الخارجية الأميركية، على دعم الولايات المتحدة للمجلس. كما ناقش بلينكن مع العليمي الحاجة إلى تمديد الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة بحلول الثاني من أكتوبر.
وأعلنت جماعة الحوثيين، أول من أمس الأحد، أنها تدرس كل ما قُدّم أو سيُقدم بشأن الهدنة، وستتخذ القرار المناسب. وقال المجلس السياسي للحوثيين إن "توسيع مزايا الهدنة وتعزيزها في الجوانب الإنسانية، وفي مقدمة ذلك صرف الرواتب لكل موظفي الدولة وفتح المطارات والموانئ وفتح الطرق، سيساعد على مناقشة أي أفكار جادة في هذا الإطار"، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" بنسختها التي يديرها الحوثيون.
في المقابل، قال مصدر حكومي، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة اليمنية لا تزال تؤكد موقفها من الهدنة، وتطالب في لقاءاتها مع المسؤولين الدوليين والمبعوث الأممي بالضغط على الحوثيين لتنفيذ بنودها، وأبرزها إنهاء الحصار على مدينة تعز قبل نقاش أي تفاصيل أخرى تخص توسعة الهدنة.
الحكومة اليمنية تطالب بإنهاء حصار تعز قبل نقاش أي تفاصيل أخرى تخص توسعة الهدنة
وتنتهي الهدنة في 2 أكتوبر المقبل، وسبق تمديدها مرتين، حيث بدأت في 2 إبريل/ نيسان الماضي لمدة شهرين. وينصّ اتفاق الهدنة على وقف كلّي لإطلاق النار، بالإضافة إلى بنود إنسانية، منها السماح بدخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وإطلاق رحلات تجارية من مطار صنعاء، وفتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى. وكل البنود نفذّت ما عدا البند الأخير.
وتزامنت التحركات الدولية خلال الأيام الماضية، بشأن تمديد الهدنة، مع زيارة رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام إلى طهران، حيث عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين إيرانيين، من بينهم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان. وقبل ذلك، كان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قد زار إيران، وقال، في 5 سبتمبر/أيلول الحالي، إنه التقى كبار المسؤولين الإيرانيين، وناقش الجهود المبذولة لتمديد وتوسيع الهدنة في اليمن والديناميات الإقليمية الحالية.
ولمّح المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ، الخميس الماضي، إلى موافقة الأطراف على تمديد الهدنة، في ختام جولته التي شملت الإمارات والسعودية وسلطنة عمان. وقال ليندركينغ، في بيان نشرته الخارجية الأميركية، إنه "لمس إجماعاً خلال لقاءاته على أن الهدنة في اليمن لا تزال الفرصة الأمثل لتحقيق السلام، ودعمهم اتفاقية موسّعة تشمل دفع الرواتب وفتح الطرق ونقل الوقود عبر الموانئ وتوسيع الرحلات من مطار صنعاء".
وقال البيان الأميركي: "على الحوثيين وقف الإجراءات التي تعرض الهدنة للخطر". وطالب جماعة الحوثيين بأن "يتعاونوا مع الأمم المتحدة ويدعموا اتفاقية هدنة موسعة ستجلب فوائد جديدة لملايين اليمنيين، من بينها إيصال الأموال إلى عشرات الآلاف من الموظفين الذين عملوا مدة طويلة من دون أجر".
وسبق أن أعلن ليندركينغ قبلها بأيام أن "الهدنة يجب تمديدها 6 أشهر بعد الثاني من أكتوبر، بهدف تحقيق مزيد من المكاسب للشعب اليمني"، على عكس المرات السابقة التي كانت تمدّد فيها شهرين في كل مرة.
من جهته، دعا مجلس الأمن الدولي، الإثنين في 12 سبتمبر الحالي، الحكومة اليمنية والحوثيين إلى "تكثيف المفاوضات والتحلّي بالمرونة"، للاتفاق على هدنة موسّعة تؤدي إلى "وقف دائم لإطلاق النار"، وتكثيف المشاركة مع المبعوث الأممي في جميع مراحل المفاوضات، وتجنّب وضع الشروط.
شروط مسبقة للهدنة
وتضع الأطراف اليمنية شروطاً لتمديد الهدنة الأممية، وتتبادل الاتهامات في عدم تنفيذ البنود المتفق عليها. ففي الوقت الذي تتهم الحكومة اليمنية الحوثيين بعدم فتح الطرق في تعز ضمن البنود الرئيسة للهدنة، تطالب جماعة الحوثيين بتوسيع الهدنة لجهة إنهاء القيود المفروضة على السفن وفتح وجهات جديدة لرحلات صنعاء، بالإضافة إلى تسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها.
ومن طهران، أعلن محمد عبد السلام عن شروط لقبول الجماعة باستمرار الهدنة، وهي: تطبيق بنود الاتفاق، رفع الحصار عن الموانئ والمطارات، إيقاف الحرب، ودفع رواتب الموظفين من قبل الحكومة الشرعية.
في المقابل، قال رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، خلال لقائه وزيرة الخارجية الهولندية ليسجي شرينماخر في عدن يوم الجمعة الماضي، إن "الحكومة ملتزمة بإعلان الهدنة والتعاطي الإيجابي مع كافة المساعي الأممية والدولية لإحلال السلام والاستقرار بموجب مرجعيات الحل السياسي". وأشار عبد الملك إلى أن "تثبت وقف إطلاق النار يحتاج ضغطاً لإلزام الحوثيين بالوفاء بتعهداتهم بموجب إعلان الهدنة، وخصوصاً فتح طرق تعز، ودفع رواتب الموظفين من عائدات موانئ الحديدة".
وتبرز الرغبة الدولية بتمديد الهدنة من دون شروط مسبقة، والتي تسعى إلى منع أي تصعيد يمكن أن يهدد إمدادات الطاقة في السعودية كما حدث مطلع العام الحالي. ويأتي ذلك في الوقت الذي تعيش فيه أوروبا أزمة في الطاقة نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا، بالرغم من استياء الأطراف اليمنية من عدم تحقيق الهدنة أهدافها.
مكاسب حوثية من التهديدات
ويلّوح الحوثيون بالتصعيد العسكري بين الحين والآخر. والخميس الماضي، استعرضوا حشوداً من القوات الأمنية التابعة للجماعة في العاصمة اليمنية صنعاء، ضمن عدد من الاستعراضات التي نفذت خلال الأسابيع الماضية مع بدء التمديد الأخير للهدنة في 2 أغسطس/ آب الماضي. واستطاعوا تحقيق مكاسب بذلك، ومنها الإفراج عن سفن محتجزة، الأسبوع الماضي، من دون الالتزام بإجراءات الحصول على تصاريح رسمية.
طالب المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن الحوثيين بوقف الإجراءات التي تعرض الهدنة للخطر
وقال مصدر حكومي، لـ"العربي الجديد"، إن الشرعية اليمنية تعرضت لضغوط دولية وإقليمية للسماح لسفن المشتقات النفطية بالدخول إلى ميناء الحديدة، تنفيذاً لطلب أممي من دون الالتزام بالآلية المقررة للتفتيش ونيل التصاريح اللازمة، بعد إجبار الحوثيين التجار المستوردين مخالفة تلك الآلية.
وتتم عملية استيراد وإدخال الوقود إلى الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وفق آلية حكومية يمنية أممية مشتركة في جيبوتي، أنشأتها الأمم المتحدة في عام 2015، لضمان الامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 2216، بالإضافة إلى آلية حكومية يمنية بدأت منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، ويحصل مستوردو النفط بموجبها على تصاريح رسمية.
وكانت جماعة الحوثيين قد اتهمت "التحالف" السعودي بحجز 14 سفينة، وتوعد رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط التحالف الذي تقوده السعودية باتخاذ رد مناسب، إذا لم يستجب لمطالبهم ويسمح بدخول سفن الوقود من دون أي شروط. وقال المصدر الحكومي إن "ذلك التهديد أثار مخاوف من عودة التصعيد واستهداف السعودية، وهو ما سيؤثر على إمدادات الطاقة في العالم في ظلّ الأزمة الحالية، وزاد من الضغوط على الحكومة اليمنية للسماح للسفن المحتجزة بالدخول".
ويرى الحوثيون أن الهدنة القائمة ببنودها الحالية ليست الهدف الأساسي لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية. وقال نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً جلال الرويشان: "لا نراهن على الهدنة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للشعب اليمني، والقبول بالهدنة أتى لتأكيد النيّة الصادقة نحو السلام". وأضاف: "من غير الممكن القبول بحالة اللاحرب واللاسلم التي يدفع إليها تحالف العدوان"، وفق ما نقلت وسائل إعلام حوثية.
إيران على خط الهدنة
ودخلت إيران على خطّ تمديد الهدنة في اليمن بالتزامن مع وصول مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني إلى طريق مسدود خلال الأيام الماضية. وزار وفد الحوثيين التفاوضي إيران، ومن ثم لبنان، للقاء زعيم "حزب الله" اللبناني حسن نصر الله. وقال الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي، في مقابلة مع قناة "الجزيرة" الإنجليزية في 15 سبتمبر: "يجب رفع الحصار عن اليمن أولاً شرطاً أساسياً لنجاح جهود التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وتعزيز المفاوضات بين اليمنيين"، داعياً إلى "وقف التدخلات الخارجية في الشأن اليمني، وترك مسألة رسم ملامح المستقبل في البلد لليمنيين أنفسهم".
في المقابل، اعتبرت الحكومة اليمنية زيارة الحوثيين إلى طهران ولقاء قيادات في "حزب الله" تكريساً لتبعية الجماعة لإيران. وقال وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني إن الزيارة (الحوثية) "هي لتلقي التوجيهات بخصوص موقفها من الهدنة، وتؤكد عدم امتلاك المليشيا قرار الحرب والسلم، وتحركها كأداة لتنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة".
الباحث عدنان هاشم: إيران تستغل المخاوف الدولية على أمن الطاقة لاستعراض نفوذها في المنطقة
وأضاف الأرياني، في تصريح نقلته وكالة "سبأ" الرسمية، أن "مليشيا الحوثي تواصل تكريس تبعيتها وانقيادها الأعمى خلف نظام إيران". وطالب المجتمع الدولي "باتخاذ موقف واضح وحازم من التدخلات الإيرانية في الشأن اليمني، والضغط على الحوثيين للانخراط بجدية وحسن نية في جهود التهدئة وإحلال السلام".
ورأى الباحث في الشؤون الخليجية الإيرانية عدنان هاشم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "إيران تستغل المخاوف الدولية على أمن الطاقة والمساعي لعدم معاودة استهداف السعودية من خلال سعيها لتثبيت الهدنة الجارية، وبما يبرز علاقتها المتميزة مع الحوثيين، لاستعراض نفوذها في المنطقة". ولم يستبعد الباحث "أن تستخدم طهران الحوثيين للضغط من أجل تحقيق تقدم في المفاوضات النووية مع واشنطن، التي تعثرت أخيراً، بالإضافة للتقدم في المحادثات التي تهدف للتقارب مع السعودية، مستغلة الحاجة الدولية لإبقاء إنتاج السعودية النفطي غير مهدد بالتوقف إذا ما حدث تصعيد".
وصنعت الهدنة حالة من الهدوء، وخصوصاً في التوقف الكلّي للغارات الجوية. في المقابل، لم يستهدف الحوثيون بالمسيّرات والصواريخ السعودية والإمارات، بالإضافة إلى توقف التصعيد المستمر في القتال بين الأطراف اليمنية للتقدم في مناطق جديدة، لكن الهدنة لم تخلُ من المناوشات والخروقات المستمرة.
ورأى المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات، ماجد المذحجي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك فرصة لتمديد الهدنة لأنها مرتبطة بحاجة دولية وإقليمية لها، أكثر من كونها رغبة محلية، على الرغم من أنها أيضاً حاجة للسكان اليمنيين". وأضاف أن الإرادة السياسية لدفع الهدنة متصلة بالفاعلين السياسيين الدوليين والإقليميين. وتوقّع المذحجي "الاتجاه نحو الهدنة لكن من دون أن تكون محطة سلام حقيقية"، معتبراً أن "الموضوع أشبه بإدخال الحرب في الثلاجة، أي تسكين الصراع وخفض وتيرته أكثر من كونه وضع حد نهائي له".
في غضون ذلك، أكد المتحدث باسم "التحالف" السعودي في اليمن العميد تركي المالكي، مساء أول من أمس الأحد، أن "تحالف دعم الشرعية يبذل مساعٍ حثيثة أمام تعنّت الحوثيين لإطلاق جميع الأسرى ولمّ شمل العائلات".
وجاء كلام المالكي، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، غداة اتهام الجماعة (على لسان رئيس لجنة شؤون الأسرى لدى الجماعة عبد القادر المرتضى) للحكومة بـ"عرقلة إحراز تقدم في الملف".
وقال المالكي إن "تعنّت الحوثيين في محادثات عمّان الأخيرة أفشل جهود إطلاق جميع أسرى الحرب"، وذلك بعد إعلان الحكومة اليمنية، في 29 أغسطس/آب الماضي، تعليق مفاوضاتها مع الحوثيين في العاصمة الأردنية عمّان ردا على هجوم حوثي في تعز. وأضاف المالكي أن "التحالف عرض على الحوثيين زيارة أسراهم ولم يجد منهم الجدية والعزيمة الصادقة".
وجاء كلام المالكي تزامناً مع تأكيد حكومي يمني على الاستعداد لـ"تبادل كافة الأسرى مع الحوثيين من دون انتقائية"، بحسب هادي هيج، رئيس مؤسسة الأسرى والمحتجزين في الحكومة اليمنية.