يعكس قرار مجلس الوزراء المصري، الخميس الماضي، إسقاط الجنسية عن غادة نجيب، زوجة الفنان هشام عبدالله، المقيمين بالخارج والمعروفين بمواقفهما الإعلامية ضد النظام، عدداً من المستجدات على صعيد أدوات التنكيل والعقاب المعتادة التي تستخدمها الأجهزة وشخصيات بارزة في دائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لقمع المعارضين، وبخاصة المقيمون خارج مصر. وقد تمتد هذه الأدوات لتشمل المعارضين في الداخل، إذا استمر الصمت الحقوقي والدولي واسع النطاق على تلك الممارسات غير الدستورية والمنافية لأبسط حقوق الإنسان، طالما لا ينتمي هؤلاء المعارضون إلى منظمات، أو جمعيات، أو تيارات تملك القدرة على حشد الضغوط الأجنبية على النظام.
وصدر القرار في أعقاب حملة شنتها غادة عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي على الضابط النافذ أحمد شعبان، مدير مكتب مدير المخابرات عباس كامل والمقرب لنجل السيسي ضابط المخابرات محمود، والذي يعتبر المحرك الأساسي لإدارة المشهد السياسي والإعلامي المصري. وعلى الرغم من ذلك فهو يصب انتقامه دوماً على كل من يجرؤ على تناول سيرته، أو الحديث عن علاقاته ونشر صوره، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما فعلته غادة، بتسليط الضوء على توجيهاته المستمرة للإعلاميين الموالين للسلطة بالهجوم عليها، وعلى زوجها وعدد من النشطاء المقيمين في قطر وتركيا.
استند القرار إلى أن غادة سورية الجنسية في الأصل وأنها تقيم بصورة عادية خارج البلاد
واستند القرار إلى أن غادة سورية الجنسية في الأصل -أي تحمل جنسية غير المصرية وبالتالي لن تكون بدون جنسية عند إسقاط المصرية عنها- وأنها تقيم بصورة عادية خارج البلاد -على الرغم من أن هذا الأمر ليس من موجبات إسقاط الجنسية بذاته- وأنه قد صدر ضدها حكم جنائي في جريمة إضرار بأمن الدولة من جهة الخارج. وكانت غادة قد أحيلت غيابياً، في أغسطس/آب 2018 مع زوجها و26 متهماً آخرين، إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ، على ذمة اتهامها في القضية رقم 1102 لسنة 2017، والمعروفة إعلامياً بـ"إعلام الإخوان" والتي تقتصر وقائعها على أحداث حصلت خارج البلاد. وكان تحريك القضية يهدف فقط إلى إصدار أحكام ضد هؤلاء المعارضين، لتسهيل إدراجهم على قائمة الإرهابيين داخل البلاد، بما يتيحه ذلك من وضعهم على قوائم ترقب الوصول والتحفظ على أموالهم وأملاكهم في مصر، ومنع تجديد جوازات سفرهم أثناء إقامتهم خارج البلاد.
وفي 31 يناير/كانون الثاني 2019، بعد محاكمة صورية لم تتعد استعراض اتهامات النيابة، قضت الدائرة 14 إرهاب بمحكمة جنايات الجيزة، بالسجن 5 سنوات لكل من غادة وهشام لإدانتهما مع باقي المتهمين في القضية. ورغم صدور هذا الحكم منذ عامين تقريباً، وتماثل موقف غادة مع المئات من المدانين الموجودين خارج مصر منذ 2013، إلا أن دخولها في مواجهة دعائية مع أحمد شعبان كان العامل الوحيد الذي أدى في الآونة الأخيرة إلى إخراج ملفها لدى الأمن الوطني والمخابرات العامة، والبحث عن طريقة للتنكيل بها وهي خارج البلاد. وقد استقر الأمر على إسقاط الجنسية المصرية عنها، ما يعني معاملتها كأجنبية وعدم تجديد جواز سفرها، ومعاملتها لاحقاً لدى دخولها مصر كسورية فقط، ما يتطلب الحصول على تصاريح مختلفة تزيد تعقيداتها الإدارية في الفترة الأخيرة، وستصاحبها تلك الصعوبات حتى إذا تغير النظام المصري.
وقال مصدر حكومي مطلع على الملف إن طلب إسقاط الجنسية، في الأوضاع الطبيعية، يصدر من وزارة الداخلية، بناء على تقارير الأمن الوطني، مع تقرير من الأمن القومي بالمخابرات العامة فقط في حالات المواطنين ذوي الأصول أو الجنسية الفلسطينية، والمنتمين لحركات سياسية إسلامية خارج البلاد. لكن القرار الخاص بغادة نجيب صدر رأساً من مكتب عباس كامل، نظراً لحملة التشهير التي شنتها ضد شعبان. وأضاف المصدر أنه لا يمكن قياس حالة غادة نجيب على حالات أخرى مماثلة، بما في ذلك المدانون في نفس القضية الخاصة بإعلاميي "الإخوان" والمعارضين في الخارج، لأن الغالبية العظمى منهم يحملون الجنسية المصرية وحدها، وهو ما يمثل عقبة أمام رغبة النظام الحقيقية في إسقاط الجنسية عنهم. لأن إسقاط الجنسية عن المتهمين المطلوبين، والموجودين خارج البلاد من هذه الفئة، سوف يؤدي تلقائياً إلى سقوط حق القاهرة في المطالبة بملاحقتهم كمواطنين مطلوبين لمحاكم مصرية. وسيمنحهم هذا القرار الفرصة للحصول على جنسية أي دولة أخرى، أو اللجوء لدول لا تربطها بمصر اتفاقيات تسليم أو تعاون قضائي، ما يعني إنهاء فرصة السلطة استعادتهم إلى الأبد.
دخول غادة في مواجهة دعائية مع أحمد شعبان أدى إلى إخراج ملفها لدى الأمن الوطني والمخابرات العامة
وأوضحت مصادر أن التنكيل بغادة يمكن أن يتكرر مع فئة وحيدة من المعارضين الموجودين خارج البلاد، وهم الذين حصلوا على جنسيات أجنبية أياً كان نوعها، مع صدور أحكام جنائية ضدهم أو عدم إخطارهم السلطات المصرية بحصولهم على الجنسية الأخرى، حتى إذا كانت الدولة الأخرى تسمح بازدواجية الجنسية، ولا تتطلب بالضرورة التنازل عن المصرية. أما المتجنسين بجنسيات أجنبية تشترط التنازل، وتنازلوا بالفعل أو تقدموا بطلب التنازل، فهم في مأمن من اتخاذ إجراءات ضدهم، ولكن ربما يجدون صعوبة لاحقاً في استعادة الجنسية المصرية، حتى إذا تم هذا في أوضاع سياسية أخرى. علماً بأن بعض المناصب والأعمال في مصر يشترط لشغلها الاحتفاظ بالجنسية المصرية وحدها.
وكشفت المصادر أن صدور القرار ضد غادة نجيب يتزامن مع مناقشات موسعة حول المقترح الذي طلبت دائرة السيسي دراسته -وكشفت عنه "العربي الجديد" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي- بإسقاط الجنسية المصرية عن المتهمين بالانتماء لجماعات إرهابية، وتوقيع عقوبات اقتصادية واجتماعية عليهم وذويهم، بحرمانهم من بعض المزايا المتاحة لباقي المواطنين، مثل الضمان الاجتماعي والتموين الحكومي. وذكر أن هناك أفكاراً متقدمة تدرس حالياً بإسقاط الجنسية كعقوبة تكميلية، وليست كقرار صادر من مجلس الوزراء، عن المدانين في جرائم بعينها، مثل الإضرار بالدولة من الخارج والداخل والانتماء لجماعات محظورة، مع إجراء تعديل على الدستور للتغطية على العيوب الدستورية المتوقع أن تتضمنها النصوص التشريعية المقترحة، خاصة بعد تعثر إصدار مشروع مشابه في خريف 2017 لعيوب دستورية واضحة. وأشارت إلى أنه من الممكن إعادة التداول في هذا المقترح بمجلس النواب الجديد، مع الوضع في الاعتبار إمكانية امتداده ليشمل تعديل مادة الجنسية في الدستور، وسط الموجة الثانية المنتظرة من التعديلات على دستور 2014.
وتنص المادة السادسة من الدستور على أن "الجنسية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية. والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه، ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية"، وبالتالي فهي لا تجيز بذاتها إسقاط الجنسية كعقوبة خاصة إذا كان حاملها لا يحمل غيرها. ومنذ ثلاث سنوات وشهرين أقرت الحكومة مشروع قانون، أعده وزير العدل السابق حسام عبدالرحيم، يسمح لمجلس الوزراء بإسقاط الجنسية عن المصري المتمتع بها وحدها، أو مع جنسية أخرى "في حالة صدور حكم قضائي يثبت الانضمام إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، أياً كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة".
ولم يكن المشروع يوقع قرار إسقاط الجنسية كعقوبة تكميلية للأحكام القضائية الصادرة بالإدانة في قضايا الإرهاب، أو العنف أو الاغتيال أو التخابر، بل إنه يتحدث عن الانضمام إلى الجماعات والجمعيات والهيئات في الداخل والخارج. وهذا يعني عدم ضرورة حدوث اعتداءات إرهابية، أو أعمال عنف، أو أي فعل مادي من الأساس، لتصبح الحكومة قادرة على إسقاط الجنسية عن بعض مواطنيها. ويكفي بالتالي أن تصدر محكمة ما، أياً تكن درجتها القضائية، نصاً في صورة حكم قضائي يثبت صفة "الانضمام" على الشخص المرغوب في إسقاط جنسيته.
وتنطوي هذه الأفكار التي تتجدد الآن على مخاطر ونوايا واضحة للتنكيل بالمعارضين والتضييق على الحريات. لكنها تتجاهل عدداً من العقبات الواقعية، فإسقاط الجنسية عن المحبوسين قد يزيد من بطلان استمرارهم في محبسهم. وفي هذه الحالة قد يحق للسجين "عديم الجنسية" التقدم إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشكوى رسمية قد ينتج عنها ترحيله من مصر. كما قد يصبح من حق السجين، أو بعض السجناء، نيل حق التقدم بطلب اللجوء السياسي إلى أي دولة ملتزمة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي ينص في مادته 15 على حق كل إنسان في جنسية. ولا يعالج قانون الجنسية المصري تلك الحالة التي تجاهلها واضعوه منذ 42 عاماً. فالمادة 16 من هذا القانون تحصر إسقاط الجنسية بالمصري الأصيل (الذي اكتسب الجنسية بالولادة) على 10 حالات، جميعها مرتبطة بوجوده في الخارج وعمله لحساب جهات أجنبية، أو دول معادية، أو منظمات صهيونية، أو إذا كان مقيماً في الخارج واكتسب جنسية أجنبية من دون استئذان وزارة الداخلية المصرية. ولذلك تضمن المشروع السابق مناقشته عام 2017 تنظيماً للآثار المترتبة على إسقاط الجنسية، لتحصر الأمر على الشخص المعني وحده، من دون امتدادها إلى أولاده أو زوجته. ولم تتطرق المادة إلى الآثار المترتبة على إسقاط الجنسية عن المصري المقيم في مصر، ما إذا كانت ستسحب منه بطاقة هويته، أو سيتم ترحيله، أو سيمنع من مباشرة حقوقه الاقتصادية والسياسية.