إسرائيل و"حزب الله"... احتمالات المواجهة في ضوء أزمات بيروت وتل أبيب

14 يوليو 2023
دورية لليونيفيل على الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية، الأربعاء (جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

تغيَر الزمان والقدرات العسكرية، والحسابات الداخلية والخارجية لكل طرف، لكن التوتر الحاصل بين "حزب الله" في لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي، عند الحدود اللبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتزامن مع ذكرى حرب تموز 2006 أو حرب لبنان الثانية كما تسميها إسرائيل، يعيد إلى الذاكرة بعض مشاهد الحرب.

تحركات على الحدود لعناصر "حزب الله"، سبقت اختطاف جنود إسرائيليين في ذلك العام، بهدف إبرام صفقة تبادل أسرى لاحقاً كما أعلن الحزب بعد رفض الاحتلال التجاوب مع مطالب تسريح عدد من الأسرى.

تسارعت التطورات على الأرض، وفي نهاية المواجهة التي استمرت 34 يوماً، ظهر حجم الدمار جلياً في الجنوب اللبناني عدا عن الخسائر البشرية، كما كانت الخسائر كبيرة في صفوف دولة الاحتلال. ذاكرة، قد تلجم أي حرب قريبة، لدى إعادة حسابات الطرفين، واستذكار ما كان.

واليوم يتشابه المشهد، ليس بشكله ولكن بجوّه العام، وبالأحداث المتتالية على الحدود: انفجارات، إطلاق نار، نصب خيام من قبل "حزب الله" ومطالبته بوقف بناء دولة الاحتلال جانباً من الجدار الحدودي على أراض لبنانية في قرية الغجر.

احتمالات الحرب بين إسرائيل و"حزب الله"

في ضوء التطورات والتوترات الأخيرة، رأى محلل الشؤون العسكرية في موقع "والاه" الإسرائيلي أمير بوحبوط، أن خطأً واحداً عند الحدود من أحد الطرفين، يُفسّر بشكل خاطئ من الطرف الآخر، قد يقود إلى حرب بين اسرائيل و"حزب الله".

وقال إنه بعد مرور 17 عاماً على حرب لبنان الثانية، لا يزال الجيش الإسرائيلي، يدير حملة علنية وسرية ضد الحزب بشأن موقع الخط الحدودي. ويومياً يقوم جيش الاحتلال بقيادة قائد المنطقة الشمالية أوري غوردين، بعمليات هندسية واسعة لإقامة عائق حدودي متطوّر.

وأضاف بوحبوط أن الجيش الإسرائيلي "يستعد لاحتمال فشل الجهود الدبلوماسية لإزالة الخيام، ويتجهز لتوجيه رد عسكري لإزالتها، والتي لا تشكّل تهديداً في هذه المرحلة، لكنها أحرجت حكومة وجيش إسرائيل لأن وسائل إعلام لبنانية هي التي كشفت الأمر".

وخلص بوحبوط إلى أن "حجم النيران التي سيطلقها حزب الله باتجاه الجبهة الإسرائيلية (في حال نشوب مواجهة) لن يترك خياراً للمستوى السياسي، سوى إصدار الأوامر من اليوم الأول، لإرسال قوات برية من الجيش النظامي وجيش الاحتياط إلى داخل لبنان من أجل السيطرة على مواقع إطلاق الصواريخ الكثيرة".

بن غفير: لا يمكن السكوت عن الاستفزازات لا في غزة ولا لبنان

 

وفي السياق، دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، أمس الخميس، إلى تحرك إسرائيلي ضد "حزب الله". وقال بن غفير لإذاعة "103" المحلية الإسرائيلية: "يجب الرد في كل مكان، لا يمكننا السكوت عن الاستفزازات وخرق الحدود وعبور الخطوط الحمراء، لا في غزة ولا على الحدود الشمالية" في إشارة إلى الحدود اللبنانية.

بدوره، أكد الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصر الله في كلمة له في مناسبة الذكرى السنوية الـ17 لحرب تموز، مساء أول من أمس الأربعاء، أن لدى "شباب المقاومة توجيهاً بالتصرف إذا وقع اعتداء إسرائيلي على الخيمة المنصوبة عند الحدود الجنوبية" في الغجر، متابعاً أن "ما يجري في الجنوب اللبناني ليس ترسيماً للحدود البرية بل عمل لاستعادة الأراضي التي يحتلها العدو الإسرائيلي". وشدّد على أنه "نستطيع استعادة الجزء اللبناني من قرية الغجر من الاحتلال الإسرائيلي وهذه الأرض لن تترك".

من جهتها، اعتبرت نائبة مدير المكتب الإعلامي لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" كانديس أرديل أن "أي وجود أو نشاط غير مصرّح به على الخط الأزرق أو بالقرب منه يمثل مصدر قلق، ويمكن أن يزيد التوتر وسوء الفهم، إضافة إلى ذلك، فإن أي أعمال على الخط الأزرق أو قريبة منه تعتبر حساسة، ولهذا نطلب من كل طرف إبلاغنا عن الأعمال المخطط لها حتى نتمكن من التنسيق لتجنب سوء الفهم أو التوترات"، مؤكدة في حديثٍ مع "العربي الجديد": "نواصل العمل للحفاظ على الاستقرار غير المسبوق الذي يتمتع به جنوب لبنان منذ عام 2006".

لكن ثمة عوامل تغيّرت اليوم، قياساً بما كان عام 2006. "حزب الله" نفسه لم يتوقع حجم الرد الإسرائيلي في حينه، وهذا باعتراف نصر الله نفسه في أكثر من مناسبة.

أما دولة الاحتلال فلا تزال تجر خلفها نتائج حرب لم تتوقعها أيضاً، ويلاحقها تقرير لجنة "فينوغراد"، التي أقيمت بعد الحرب، وأشارت الى إخفاقات كثيرة وكبيرة في سلوك المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي وحسابات خاطئة. وذكر أن رئيس الوزراء في حينه إيهود أولمرت تسرّع في الذهاب إلى الحرب، متحملاً مع مسؤولين آخرين مسؤولية "الفشل الذريع" فيها.

مع هذا تغنت دولة الاحتلال مراراً بأنها رغم ما حدث استعادت الردع على الحدود الشمالية، وتنعّمت بسنوات طوال من الهدوء النسبي. واعتبر المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي، في مقال كتبه في موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الخميس، أن تحركات "حزب الله" قرب الحدود تعبّر عن "ابتزاز سياسي لتحقيق أهداف عسكرية".

وبرأيه، فإن "حزب الله" يفسر الأزمة السياسية الداخلية في إسرائيل على أنها حالة ضعف، ويسمح لنفسه بالقيام "بخطوات استفزازية"، تتصاعد في الآونة الأخيرة، وأن "إقامة الخيام قرب الحدود دلالة على وجود أهداف عسكرية بالتنسيق مع إيران".

وبحسب بن يشاي، فإنّ "نصرالله، لأسباب لبنانية داخلية، منها المأزق السياسي والأزمة الاقتصادية المستمرة في البلاد، له مصلحة، حسب التقديرات الإسرائيلية في معركة لعدة أيام ضد الجيش الإسرائيلي، لتحسين وضعه في الساحة اللبنانية".

وقال "إن إسرائيل ليست لديها مصلحة في منح نصر الله مراده في بداية الصيف الحالي"، مضيفاً أن مسؤولاً كبيراً قال لموقع "يديعوت أحرونوت" إن "وقته (أي وقت التعامل مع حزب الله) سيحين، وليس في المستقبل البعيد".

وخلص بن يشاي إلى أن جيش الاحتلال "لن يسمح لحزب الله بالاستفادة من ضبط النفس الإسرائيلي لفترة طويلة أخرى". وكان بإمكان جيش الاحتلال على الحدود، الأربعاء الماضي، قتل اللبنانيين الذين اقتربوا من الحدود، لكنه اختار وسائل أخرى لإبعادهم من دون مقتلهم، وسط ترجيحات بأنهم من "حزب الله".

كما يمكن للاحتلال، من الناحية العملية على الأقل، استهداف خيام "حزب الله" المنصوبة عند الحدود لكنه لم يفعل، ربما لأنه غير معني بالتصعيد حالياً، وفضّل أن يركن إلى قنوات دبلوماسية، خصوصاً أن "حزب الله" ليس وحده في مطالبه بوقف العمل في الجدار الحدودي في مقابل إخلاء الخيام، وإنما أيضاً يطالب لبنان الرسمي أيضاً بعد التعدي على أراضيه.

وقد تفضّل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وكذلك المستوى السياسي، عدم المغامرة وخوض حرب جديدة غير محسوبة، لا سيما في ظل الانقسام الإسرائيلي الداخلي، فضلاً عن انشغالها في الساحة الفلسطينية من قبل، في عدوانها على جنين ومخيمها ومساعيها "لاستعادة الردع" في الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً في شمالها، وقبل ذلك عدوانها على قطاع غزة، وتحديداً استهدافها قادة في حركة "الجهاد الإسلامي".

"اليونيفيل": نواصل العمل للحفاظ على الاستقرار غير المسبوق

 

يضاف إلى هذا كله، إدراك الاحتلال بأن قدرات "حزب الله" العسكرية تعززت بشكل كبير على مختلف الأصعدة، ما يجعله قادراً على قصف إسرائيل بآلاف الصواريخ يومياً.

صورة "حزب الله" في لبنان

كما تشير بعض التقديرات الى أن "حزب االله" يحاول تحسين صورته وتعزيز مكانته في لبنان في ظل الأزمة السياسية التي تجتاح لبنان، من خلال إبداء قدر أكبر من المسؤولية تجاه البلاد. ورغم إدراكها لتنامي قدرات "حزب الله" العسكرية بدعم من إيران، راهنت إسرائيل على مر السنوات الماضية بأن التنظيم الغارق في الأحداث السورية لن يقوى على فتح جبهة جديدة.

كما أن إيران لن تكون معنية ببدء التنظيم بحرب كبيرة لن تشكّل دفاعاً مباشراً عنها وقد تدّخر ذلك الى مرحلة قد تهاجمها فيها إسرائيل. ومن حسابات إسرائيل التي تجعلها تتأنى في فتح جبهة جديدة، الدعوات الداخلية في الجيش وجيش الاحتياط، لإبداء العصيان وعدم الامتثال للخدمة العسكرية، طالما لم توقف حكومة بنيامين نتنياهو التشريعات الرامية لتقويض القضاء.

هذا عدا عن الاحتجاجات الواسعة التي باتت تشهد مواجهات عنيفة. وفي ظل هذا الانقسام حذّرت أوساط عديدة من أن الحرب الأخطر على دولة الاحتلال هي الحرب الأهلية، التي تمثّل جائزة "للأعداء".

لكن "حزب الله" لا يمكن أن يعوّل على ما يعتبرها حالة ضعف إسرائيلية، فمعادلات الحرب مختلفة، ويمكنها إعادة توحيد صفوف الإسرائيليين ولو إلى حين، مثلما حدث في فترة العدوان الأخير على جنين، حين سارعت المعارضة لتأييد الخطوة العسكرية. "حزب الله" وإسرائيل يعيان جداً أن أي مواجهة ستترتب عليها عواقب وخيمة، خصوصاً في وضع يواجه فيه خصوصاً لبنان، وإسرائيل بدرجة أقل، أزمات داخلية. من جهة أخرى، فإن أي حدث صغير يتراكم فوق التطورات الأخيرة وغيرها قد يشعل الوضع في لحظة.