إجراءات إسرائيلية لما بعد التسوية: عسكرة مستوطنات الشمال ومسح غابات لبنان لمراقبة أفضل
يعمل الاحتلال على إنشاء مواقع ونقاط عسكرية جديدة قرب المستوطنات
إقامة سرايا قتالية داخل المستوطنات ومرافقة المستوطنين لدى عودتهم
خشية إسرائيلية من إعادة حزب الله تشجير المنطقة وتحويلها لغابات
في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، ومعها زيارة مبعوث الرئيس الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت وتل أبيب، بدأت المستوطنات والبلدات الإسرائيلية القريبة من الحدود الاستعداد لفترة ما بعد التسوية، وكذلك يفعل جيش الاحتلال على طول خط المواجهة. وستحمل فترة ما بعد الحرب تغييرات واضحة داخل المستوطنات وحولها، لبث شعور بالأمان لدى السكان الذين ما زالوا يرفضون العودة إليها بعد تركها قبل أكثر من عام، إذ يعمل جيش الاحتلال على إنشاء مواقع ونقاط عسكرية جديدة قرب المستوطنات والبلدات الإسرائيلية على طول الحدود بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، كما يستعد لإقامة سرايا قتالية للانتشار داخل المستوطنات ومرافقة المستوطنين لدى عودتهم إلى منازلهم المتروكة والمدمّرة.
ويعيد جيش الاحتلال ترتيب الإجراءات الأمنية في المنطقة، وبدأ في الأسابيع الأخيرة بإزالة جدران خرسانية ومواقع إطلاق النار التي جرى نشرها على طول الطرقات في منطقة خط المواجهة، وشكّلت جزءاً من "المشهد الرمادي"، على حد تعبير موقع واينت العبري، الذي أشار إلى شروع الجنود بترك المباني العامة في مناطق المستوطنات التي تم إخلاؤها. وبالمقابل، يجري العمل بالتعاون مع السلطات المحلية على صياغة مفهوم الأمن في المستوطنات والبلدات القريبة من الحدود.
وساق الموقع العبري مستوطنة شلومي التي تركها أكثر من سبعة آلاف من سكانها منذ بداية الحرب مثالاً على ما يحدث في المنطقة الشمالية. فقد أقامت السلطة المحلية هناك، في الأيام الأخيرة، مواقع إطلاق نار ومواقع دفاعية دائمة "تغلّف" المستوطنة في مواجهة لبنان، من أجل استخدام القوات التي سيتم استدعاؤها عند انطلاق أي إنذار. كما ستقوم قوة عسكرية بحجم سرية واحدة بحماية المستوطنة. وتعمل السلطة المحلية في شلومي على نشر ثلاثة عطاءات أمنية، جرى إعدادها في الأشهر الأخيرة، للقيام بمشاريع تعزز الأمن والأمان، من ضمنها إنشاء شبكة كاميرات واسعة النطاق، يتم تفعيلها من خلال مركز يعمل على مدار الساعة، وإقامة وحدات مقاتلين تكتيكية تقوم بجولات على مدار اليوم من أجل الدفاع عن المستوطنة، كما تعمل على إقامة قوة مسلّحة متأهبة، تتكون من 60 مقاتلاً متطوعاً من سكانها.
وقال غابي نعمان، رئيس السلطة المحلية في شلومي، إن هذه العناصر إلى جانب عناصر أخرى جرت المصادقة عليها من قبل قيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال وهيئة الأركان.
ولفت الموقع العبري إلى أن قادة كبار في جيش الاحتلال يكررون، في الآونة الأخيرة، تصريحاتهم بأنه بات بإمكان سكان المنطقة الشمالية العودة إلى منازلهم، إلا أن ذلك غير مدعوم بموقف واضح من قبل المستوى السياسي. وقال نعمان: "من أجل العودة إلى منازلنا يجب حدوث العديد من الأمور المهمة والوجودية، وواحدة منها أن يموضع الجيش الإسرائيلي نفسه في شمالي شلومي، في أعلى الجبل.. بما في ذلك في الجانب اللبناني، من أجل منع أي تسلل. وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نتوقع أن ينتشر أيضاً داخل شلومي نفسها وليس من خلفنا. والأمر الثالث هو استكمال نصب الوسائل التكنولوجية الدفاعية من أجل خلق شعور بالأمان ومظهر يعبّر عن ذلك".
ويرى جيش الاحتلال أهمية القيام بمهام "صيانة" يومية من منطقة رأس الناقورة وحتى "هار دوف" (منطقة مزارع شبعا المحتلة)، من أجل ضمان بقائها "نظيفة"، كما يرى أنه بدون الوجود الفعلي للقوات سيكون من الصعب ضمان الأمن لسكان خط المواجهة. وزعم الموقع العبري أنه بعد الأيام الماطرة، بات بالإمكان رؤية النباتات التي ترتفع من جديد في المكان، والتي يجب إزالتها بشكل مستمر.
وتخشى إسرائيل من أنه في حال سحب قواتها من جنوب لبنان سيطالب حزب الله بإعادة تشجير المنطقة كما كانت وتحويلها إلى منطقة غابات تساعد على الاختباء والتخفي، ما سيشكل نوعاً من حجب الرؤية بالنسبة لجيش الاحتلال الذي قد يواجه صعوبة في مراقبة ما يحدث. وتشير تقديرات جيش الاحتلال إلى أن التهديدات للبلدات الحدودية بسبب صواريخ حزب الله لا تختلف كثيراً عن العديد من المدن والبلدات الأخرى التي يستهدفها القصف الصاروخي يومياً، مثل نهاريا وعكا والكريوت (شمال شرقي حيفا).
من جانبها، أفادت القناة 12 العبرية بأن جيش الاحتلال بدأ يهيئ الأرضية لاتخاذ قرارات من قبل المستوى السياسي، في ظل الحديث عن تسوية محتملة، وتصريحات هوكشتاين في بيروت بأن هذا هو الوقت لاتخاذ القرارات. وأضافت أن الجيش لا يتوقف للحظة عن ممارسة ضغط عسكري على حزب الله، ويقوم بعمليات على خط بلدات أكثر عمقاً، تبعد مسافة نحو ستة كيلومترات عن الشريط الحدودي. ويزعم الجيش الاسرائيلي أن حزب الله يخفي في هذه المناطق الكثير من الوسائل القتالية والأسلحة، التي تشكّل تهديداً حقيقياً لإسرائيل. وأضافت القناة أن الجيش لا يدلي بتفاصيل حول هذه المواقع من أجل الحفاظ على السريّة، ولكنه يؤكد أن المنطقة التي يعمل بها تشكّل تهديداً لكريات شمونة، وأحد معاقل حزب الله.
ويرى المسؤولون في جيش الاحتلال أن ممارسة ضغط عسكري كبير على حزب الله يهيئ الأرضية أمام المستوى السياسي الإسرائيلي لتوقيع اتفاق مع لبنان، إضافة إلى اقتناع جهات في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأنه كان بالإمكان التوصّل إلى تسوية حتى قبل الانتخابات الأميركية، والأرضية جاهزة لذلك الآن أيضاً. ونقلت القناة عن مصدر مطّلع قوله: "مهمتنا هي خلق الظروف الأفضل للمستوى السياسي. نحن نسجّل إنجازات كبيرة، وفي نهاية المطاف سيتوجّب على المستوى السياسي التوصّل إلى تسوية. وصول عاموس هوكشتاين (إلى المنطقة) لا يأتي من فراغ. نحن، أي القوات، نقود إلى نضوج الشروط"، أي للتوصل إلى تسوية.