استبعدت مراكز التقدير الاستراتيجي في تل أبيب أن تفضي الاتصالات التي تجريها حركة "حماس" بنظام الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، والهادفة للتوصل إلى تفاهمات بشأن تأمين الحدود المشتركة بين قطاع غزة وشمال سيناء، إلى إحداث تحول استراتيجي على طابع العلاقات بينهما. ونوه "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة"، والذي يعد أوثق مراكز البحث الإسرائيلية صلة بدوائر صنع القرار في تل أبيب، إلى أن الاستخبارات المصرية وضعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في صورة اتصالاتها بحركة "حماس"، وقدمت تقديراً حول دوافع "حماس" للتقارب مع مصر، زاعمة أن هذا التحول يعبر عن "عدم رغبة الحركة في إنهاء الخلاف مع حركة فتح، وأنها معنية بعدم وضع حد للانقسام الداخلي وأن "كل ما يعنيها هو ضمان بقاء إمارتها في غزة"، على حد تعبير المركز.
وفي تقدير موقف نشره موقعه، أمس الثلاثاء، أوضح المركز، الذي يرأس مجلس إدارته الوكيل السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، أن التقارب "التكتيكي" بين مصر وحركة "حماس" لن يؤثر على طابع العلاقة الاستراتيجية بين نظام السيسي وإسرائيل. وأشار المركز إلى أن التنسيق الأمني والتعاون الاستخباري والتكامل العملياتي بين الجيشين المصري والإسرائيلي تطور بشكل كبير، مشيراً إلى أنه وصل إلى حد قيام سلاح الطيران الإسرائيلي بتنفيذ غارات ضد أهداف للجهاديين داخل سيناء، بضوء أخضر من السيسي.
ونوه المركز إلى أنه لا يوجد لدى السيسي أي استعداد لخسارة العلاقة مع إسرائيل بسبب التعاون مع "حماس"، مشيراً إلى أن نظام الحكم في القاهرة يحتاج إلى التعاون الأمني الإسرائيلي في سيناء، وبدرجة أكبر معني بالحفاظ على المساعدة الإسرائيلية لضمان تطوير علاقات نظامه مع الولايات المتحدة، لا سيما بعد صعود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وأشار المركز إلى أنه في حال أسفر التقارب المصري الحمساوي "التكتيكي" إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة "فإن هذا التطور يمثل مصلحة أمنية لإسرائيل أيضاً، ما دام الأمر لا يمثل تهديداً للأمن الإسرائيلي". ولفت إلى أنه في الوقت الذي وصفت حركة "حماس" اللقاءات بين ممثليها والأجهزة الأمنية المصرية بـ "تغيير دراماتيكي"، فإن الجانب المصري حرص على عدم المبالغة في تقدير دلالات هذه اللقاءات، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام الواقعة تحت تأثير النظام في القاهرة تواصل الهجوم على "حماس".
وعزا المركز حكمه إلى أن التحول في العلاقة بين مصر والحركة هو تحول تكتيكي، بسبب إدراك قادة الاستخبارات المصرية "طابع الرابط التنظيمي الذي يربط حماس بجماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنت عنها السلطات المصرية كتنظيم إرهابي". ونوه إلى أن الاستخبارات المصرية تأخذ بعين الاعتبار طابع العلاقة الوثيقة التي تربط "حماس" بكل من قطر وتركيا وإيران، وهي دول تنظر إليها القاهرة كدول "متآمرة". وأشار إلى أن الأمن المصري "لا يصدق ما تدعيه حماس من أنها تحافظ على مكانة مستقلة، ولا تتبع تعليمات جماعة الإخوان المسلمين، وأنها تتصرف تماماً مثل حركة النهضة في تونس". واستدرك المركز أن الاطمئنان إلى التوجهات المصرية لا يعفي إسرائيل من القلق من أن تسفر أية إجراءات جديدة بشأن تشغيل معبر رفح إلى تهديد الأمن الإسرائيلي بشكل غير مباشر. وأشار إلى أنه في حال سمحت مصر بدخول مواد البناء، لا سيما الحديد والإسمنت، إلى قطاع غزة من دون قيود، فإن حركة "حماس" يمكن أن تستخدمها في بناء الأنفاق الهجومية.
يذكر أن التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي للعام 2017 حذر من تداعيات التحديات "الجمة" التي يتعرض لها نظام عبدالفتاح السيسي في مصر، والتي تهدد استقراره. وأشار التقدير، الذي صدر عن "مركز أبحاث الأمن القومي" في نهاية مؤتمره السنوي الأسبوع الماضي، إلى أن إسرائيل ستتأثر سلباً في حال تم تهديد استقرار نظام السيسي بسبب "العوائد الاستراتيجية" التي تجنيها من العلاقة مع هذا النظام. وأشار إلى أن أكثر ما يدعو للقلق على استقرار نظام السيسي هو أن "يحدث انقسام داخل قيادة الجيش والنظام"، مشيراً إلى أنه من غير المستبعد أن تسارع مراكز نفوذ في الجيش والنظام إلى تحميل السيسي المسؤولية عن الفشل الاقتصادي والأمني.