أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، اليوم الثلاثاء، بأن دولة الاحتلال الإسرائيلي قررت المثول أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، في أعقاب الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا، وتتهمها فيها بعمليات إبادة جماعية، كما تطالب بوقف الحرب على قطاع غزة.
وقال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، للصحيفة حول الخطوة "الاستثنائية"، إن "دولة إسرائيل وقّعت على الوثيقة ضد الإبادة الجماعية منذ عشرات السنوات، وبالتأكيد لن نقاطع الجلسة. سنمثل فيها وسنتصدّى للدعوى العبثية التي تشكّل مؤامرة دموية (أي ضد إسرائيل)"، وفق زعمه.
وسبقت القرار الإسرائيلي بالمثول أمام المحكمة نقاشات مكثّفة في إسرائيل، بعضها بمشاركة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. وأقيمت عدة جلسات في الأيام الأخيرة، للتباحث في كيفية التعامل مع القضية، في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي، ووزارة القضاء.
وقال هنغبي: "لقد عانى الشعب اليهودي أكثر من أي أمّة أخرى جراء الإبادة الجماعية. لقد ذُبح ستة ملايين من شعبنا بوحشية لامتناهية. وتم استخدام وحشية مشابهة ضد مواطني إسرائيل في مذبحة 7 أكتوبر. لكن المختلف هذه المرة أن بمقدورنا الدفاع عن أنفسنا أمام من يريدون إبادتنا. إن الادعاء الذي لا أساس له ضد حق الضحية في الدفاع عن نفسها، هو وصمة عار، ونتوقع من جميع الدول المتحضّرة التماهي مع موقفنا هذا".
وبعد تصريحات هنغبي، أكد المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية الثلاثاء أن إسرائيل ستمثل أمام محكمة العدل الدولية. وقال المتحدث إيلون ليفي في مؤتمر صحافي عبر الإنترنت: "ستمثل دولة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لدحض اتهام فرية الدم السخيف الذي توجهه جنوب أفريقيا".
وأضاف ليفي: "نؤكد لقادة جنوب أفريقيا أن التاريخ سيحكم عليكم، وسيحكم عليكم بلا رأفة". وسرد ليفي سلسلة مزاعم وصفها بـ"الإجراءات" التي اتخذها جيش الاحتلال لتقليص الضرر الذي يلحق بغير المقاتلين.
وادعى ليفي أن "حماس تتحمل المسؤولية الأخلاقية الكاملة" عن الحرب التي بدأتها، والتي "تشنها من داخل وتحت المستشفيات والمدارس والمساجد والمنازل ومنشآت الأمم المتحدة". وأضاف، دون الخوض في تفاصيل، أن "جنوب أفريقيا متواطئة في جرائم حماس ضد الإسرائيليين"، وفق ادعائه.
إلى ذلك، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن المناقشات في الدعوى نفسها قد تستمر ما بين أربع وست سنوات، وأن الجهد الإسرائيلي الحالي يهدف إلى إجهاض صدور أمر مرحلي يفرض على إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة.
كما ستلجأ إسرائيل إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية من أجل تجنيد دول ضد جنوب أفريقيا، وضد الخطوة التي تقوم بها في إطار الدعوى.
وزعمت "يديعوت أحرونوت" أن "لدى إسرائيل ادعاءات قضائية ذات وزن نوعي لرد الدعوى، أحدها أنه لا خلافات في الأطر الدولية بأن إسرائيل لم تقم بإبادة جماعية في غزة، وحتى أن جنوب أفريقيا لم تدّع ذلك في الماضي، وكذلك ليس مطلوباً من إسرائيل الرد على ادعاء كهذا".
ولم يتضح بعد من سيمثل إسرائيل أمام المحكمة وما إذا سيكون دبلوماسياً أو خبيراً قانونياً، أو ربما مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً.
واتهمت جنوب أفريقيا في طلبها الذي قدمته لمحكمة العدل الدولية لإقامة دعوى ضد إسرائيل، بـ "إبادة شعب وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة ضد الإبادة الجماعية" وفق ما أعلنته المحكمة يوم الجمعة الماضي.
ويُعد طلب المحكمة أحدث خطوة من جانب جنوب أفريقيا، التي تنتقد الحرب الإسرائيلية بشدة، لتكثيف الضغوط بعدما صوت مشرعوها الشهر الماضي لمصلحة إغلاق السفارة الإسرائيلية في بريتوريا وتعليق جميع العلاقات الدبلوماسية إلى حين الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة.
وبحسب إعلان المحكمة، أكّدت جنوب أفريقيا أن "أفعال إسرائيل وأوجه تقصيرها تحمل طابع إبادة، لأنها مصحوبة بالنية المحددة المطلوبة لتدمير فلسطينيي غزة كجزء من المجموعة القومية والعرقية والإثنية الأوسع" أي الفلسطينيين.
وقالت جنوب أفريقيا في دعواها إن "إسرائيل تسببت بضرر جسيم وغير قابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني" و"انخرطت، وتنخرط، وتخاطر بمزيد من الانخراط في أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني".
وردت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان جاء فيه: "جنوب أفريقيا تتعاون مع جماعة إرهابية تدعو إلى تدمير إسرائيل... شعب غزة ليس عدو إسرائيل التي تبذل الجهود للحد من وقوع الضرر على المدنيين" وفق ادعائها.
مخاوف إسرائيلية من قرار في محكمة العدل
وتخشى إسرائيل، بخاصة على المستوى الأمني والنيابة العامة، أن تنسب محكمة العدل الدولية لها تهم الإبادة الجماعية جراء حربها على قطاع غزة والمجازر التي ترتكبها هناك بحق الشعب الفلسطيني.
وأشارت صحيفة "هآرتس" العبرية، أمس الاثنين، إلى أن خبيراً قانونياً كبيراً، لم تسمّه، يتعامل مع هذه القضية، حذّر في الأيام الأخيرة عدداً من كبار المسؤولين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، على رأسهم رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، من أن ثمة خطراً حقيقياً من أن تصدر المحكمة أمراً يلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة، وأنّ إسرائيل ملزمة بقرارات المحكمة.
وبدأ الجيش الإسرائيلي والنيابة الإسرائيلية الاستعداد من أجل التعامل مع الشكوى المقدمة ضد إسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن خبراء في القانون الدولي أن الإجراء قد يؤدي إلى تثبيت الادعاءات بشأن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، وبالتالي سيقود ذلك إلى عزلها دولياً ومقاطعتها أو القيام بخطوات تصعيدية ضدها.
وأوضح البروفيسور إلياف ليبليتش، خبير القانون الدولي من جامعة تل أبيب، في حديثه لصحيفة "هآرتس"، أنه في هذه المرحلة تطلب جنوب أفريقيا من محكمة العدل تخفيفاً مؤقتاً، في شكل إعلان بأنه يجب على إسرائيل وقف القتال بشكله الحالي، والعمل ضد التصريحات التي تحرّض على الإبادة الجماعية.
وأضاف: "تدّعي جنوب أفريقيا أمرين رئيسيين: أن إسرائيل لا تعمل على منع التصريحات التي تدعو إلى الإبادة الجماعية، وأنها تقوم بأعمال تشكل إبادة جماعية. ووقع هذه الأمور صعب للغاية على آذان إسرائيل، ولا تنبغي الاستهانة بتأثيرها. ولذلك يجب الرد على هذه الاتهامات بجدية".
كما ترى خبيرة القانون الدولي في جامعة حيفا، شيلي أفيف يني، والتي تحدّثت للصحيفة نفسها، أنه لا ينبغي الاستخفاف بشكوى جنوب أفريقيا، إذ إن لمحكمة العدل ثقلاً كبيراً في صياغة القانون الدولي، وقراراتها تؤثر على تصورات المجتمع الدولي".