ويكاد وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ياعلون، يحرص في كل مناسبة، على لفت الأنظار إلى أنّ الاعتبار الأساسي، الذي يوجّه السياسة التركية، هو ضمان تعزيز قوّة التنظيمات الإسلاميّة السنيّة. ولم يتردد ياعلون خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في واشنطن أخيراً، مع وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، وفي كل المقابلات التلفزيونية التي أجريت معه، في وصف أردوغان بـ"عراب التنظيمات الإرهابيّة" في المنطقة. ويستند إلى ما يزعم بأنه "معلومات استخباريّة"، ليدّعي أن أردوغان قد سمح لحركة "حماس" بنقل مقرّ قيادتها في الخارج عملياً إلى اسطنبول.
وفي مسعى إلى زعزعة مكانة تركيا في حلف شمال الأطلسي، يتساءل ياعلون: "كيف يمكن التسليم بأن تسمح دولة عضو في الحلف لعضو المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، بإدارة عمليات الحركة الإرهابيّة من إحدى مدنها؟".
ويحذر ياعلون من أن تركيا أردوغان تهدّد استقرار المنطقة والعالم، من خلال دعمها "التنظيمات الإرهابيّة"، مدعياً بأنّ العاروري، من مقر إقامته في إسطنبول، يدير كلّ عمليات المقاومة، التي تستهدف إسرائيل في الضفّة الغربيّة وانطلاقاً منها. وهناك في إسرائيل من يلفت نظر الأميركيين إلى أنّ ذاكرتهم قصيرة، وأن سلوك أردوغان ليس مفاجئاً أو طارئاً، إذ يشيرون إلى رفضه عام 2003 السماح للطائرات الأميركيّة بالانطلاق من قواعد جويّة تركيّة لضرب الجيش العراقي.
وتلعب مراكز التفكير، المرتبطة بمؤسّسة الحكم في تل أبيب، دوراً رئيسياً في التحريض على تركيا ورئيسها. وفي خلاصة دراسة صادرة عن "مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة"، الذي يديره دوري غولد، كبير المستشارين السياسيين لنتنياهو، يرد أن تركيا أصبحت "الداعم الرئيسي للتنظيمات الإرهابيّة في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وعلى رأسها "حماس" و"جبهة النصرة".
وتنوّه الدراسة، التي نشرها المركز على موقعه في الثاني من الشهر الحالي، إلى أنّ تركيا نجحت في تعزيز علاقة كلّ من حركة "حماس" بـ"جبهة النصرة"، بهدف "تعزيز حضور التنظيمات الإسلاميّة السنيّة". ويأتي هذا الزعم على الرغم من الفروق الكبيرة التنظيميّة وتجاهل حقيقة أن "حماس" خاضت في غزة مثلاً، صراعاً مع تنظيمات جهاديّة مماثلة لـ"جبهة النصرة".
ولم تفت الدراسة الإشارة إلى أنّ أردوغان يعرّض الجهود الكبيرة، التي استثمرها الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة، في دعم السلطة الفلسطينية للخطر، مشيرةً إلى أنّ "حماس خططت للانقلاب على السلطة الفلسطينيّة من تركيا".
وفي الوقت ذاته، يبرز توجّه إسرائيلي لضرب ثقة الغرب بالمؤسّسات التركية من خلال إثارة الشكوك حولها، في مسعى إلى وقف المؤسّسات المقابلة في الغرب التعامل معها. على سبيل المثال، باتت إسرائيل تحرّض على القطاع المصرفي التركي، وتتهم المصارف التركية بأنها "تُستخدم في تبييض أموال التنظيمات الإرهابية".
وفي هذا الإطار، ينقل المعلّق العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، في تقرير نشرته الصحيفة بتاريخ الثالث والعشرين من الشهر الماضي، عن محافل أمنيّة إسرائيليّة، قولها إنّ حركة "حماس" تحوّل أموالاً لناشطيها في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، بغية دفعهم إلى تنفيذ عمليّات ضد أهداف إسرائيليّة.
ومن الواضح أن ما يغري إسرائيل على التحريض على القطاع المصرفي التركي، هو نجاحها في دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على البنك العربي، بحجّة أنّه استُخدم لنقل الأموال لناشطي "حماس" الذين نفذوا عمليات قُتل فيها مستوطنون يهود، يحملون الجنسيّة الأميركيّة.
وينشغل القضاء الأميركي، في الوقت الحالي، في مناقشة دعوى كبيرة ضد بنك "أوف تشاينا"، أكبر البنوك الصينية بحجّة أنّ حركة "حماس" استخدمته أيضاً لنقل الأموال إلى ناشطيها. ووصل الأمر إلى حدّ انتقال دوائر الحكم في إسرائيل إلى تحريض الغرب على تبنّي الحلول الأكثر إيلاماً لتركيا. فبعد أن أعلن نتنياهو تأييده قيام دولة كرديّة في شمال العراق، باتت النخب اليمينيّة تروّج إلى أنّ الحلّ الأمثل، الذي يضمن استقرار العراق وسورية والمنطقة بأسرها ويقضي على خطر تنظيم "داعش"، يتمثّل في إقامة دولة قوميّة للأكراد، ليس فقط في العراق، بل في سورية وتركيا أيضاً.
وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون"، يوم الجمعة الماضي، عدّد الباحث البارز في "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، كوبي ميخال، العائدات "الإيجابيّة الهائلة" التي سيتمتّع بها الغرب، في حال سمح بإقامة الدولة الكرديّة القوميّة.
ومن الواضح أنّ اختيار إسرائيل استراتيجيّة الهجوم المباشر على تركيا، وتحديداً رئيسها، جاء بعد أن توصّلت القيادة الإسرائيليّة إلى استنتاج مفاده أنّه يستحيل إصلاح العلاقة مع أنقرة، في ظلّ حكم حزب "العدالة والتنمية". وقد عزا نائب وزير الخارجيّة الإسرائيلي، تساحي هنغبي، شعوره باليأس من إمكانيّة وقف تدهور العلاقات مع أنقرة، إلى التحوّلات الكبيرة التي حدثت في تركيا، مستنتجاً، في منشور على موقعه الشخصي، أنّ توقف الجيش التركي عن تأدية دور حامي العلمانيّة، أفقد إسرائيل القدرة على مواصلة استغلال التعاون الاستراتيجي مع الأتراك.