إرهاب المستوطنين يهجّر قرى الأغوار الفلسطينية

03 سبتمبر 2024
من عمليات هدم سابقة نفذها الاحتلال في خربة أم الجمال في الأغوار الفلسطينية (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تصاعد هجمات المستوطنين**: شهدت الأشهر الأخيرة تصاعدًا في هجمات المستوطنين بالضفة الغربية، مستهدفة الأغوار الفلسطينية بهدف تفريغها من الوجود الفلسطيني.
- **تزايد التهجير والمضايقات**: منذ أكتوبر الماضي، تم تهجير 27 تجمعًا بدويًا، منها 10 في الأغوار، مع إقامة بؤر استيطانية جديدة وهجمات على الأهالي، مما أدى إلى نزوح العديد من الأسر.
- **خطط الاحتلال لتفريغ الأغوار**: تهدف إسرائيل إلى إنشاء مثلث استيطاني كبير في الأغوار، مما يهدد بتهجير 6 تجمعات رئيسية، بدعم من جهات حكومية وجمعيات استيطانية.

تصاعدت هجمات المستوطنين بالضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، مستهدفة بشكل خاص الأغوار الفلسطينية في محاولة لتنفيذ خطط إسرائيلية قديمة لتفريغ المنطقة الزراعية والرعوية الواسعة من الوجود الأصلي الفلسطيني.

قبل أسابيع، هجّر المستوطنون أهالي خربة "أم الجمال" البدوية في الأغوار الشمالية، وقضوا على وجودها تماماً، لكنهم لم ينتظروا أكثر من 48 ساعة لبدء مخططات لتهجير تجمعات مجاورة، فقد أغلقوا، بسياج، الطريق الواصل إلى تجمّع الفارسية نبع الغزال، والأراضي القريبة، ومنعوا أهالي تجمّع عين الحلوة من إخراج أغنامهم وأبقارهم من داخل التجمّع، أو الوصول إلى مصادر المياه. ويعيش الفلسطينيون في هذه المنطقة الرعوية معتمدين على تربية الأغنام والرعي. ومن هنا يتعمد المستوطنون قطع مقومات البقاء، بإغلاق مناطق الرعي ومنع وصول مصادر المياه إلى السكان الأصليين.

وما حصل في خربة أم الجمال ليس بحدث منفرد، فهي واحد من 27 تجمّعاً بدوياً هجرت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، بينها 10 في الأغوار الفلسطينية حسب الأرقام الموثقة لدى مديرية النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، وذلك عندما سلطت الحكومة الإسرائيلية عصابات الاستيطان على هذه المنطقة لتنفيذ خطط وضعت قبل عشرات السنين لإفراغ الأغوار من الوجود الفلسطيني.

ورغم صمود تجمّع خربة أم الجمال الواقعة في الأغوار الشمالية بمحافظة طوباس شماليّ الضفة الغربية المحتلة، أمام محاولات إسرائيلية رسمية لاقتلاعه على مدار أكثر من 15 عاماً، إلا أن إرهاب المستوطنين الدائم دفعه إلى النزوح أخيراً.

في مساء 11 أغسطس/ آب الماضي، أقام مستوطنون ومعهم قطيع أغنام بؤرة استيطانية مكونة من خيام، قرب الخربة المنكوبة، ومنها بدأوا هجمات على الأهالي، في نهج مشابه تماماً لعمليات تهجير استهدفت عشرات التجمعات والقرى الرعوية الفلسطينية.

يقول محمود كعابنة، وهو رب أسرة من بين 14 هجرت قسراً من خربة أم الجمال، إن ما حصل بعد إقامة البؤرة الاستيطانية الجديدة لم يكن له مثيل خلال السنوات الماضية، رغم أنه اعتاد هجمات أسبوعية تقريباً من المستوطنين، بدأت قبل عام تقريباً وتتكرر كل يوم سبت. لكن الهجمات الأخيرة كانت مختلفة، من اقتحام البيوت، إلى محاولات سرقة قطعان أغنام يملكها السكان.

"اختلفت طبيعة ووتيرة المضايقات، فأكثر ما أرقنا اقتحامهم للبيوت، وانتهاك حرمتها، لا يمكن أن نقبل ذلك وفي داخلها النساء والأطفال، فضلاً عن محاولتهم سرقة مصدر رزقنا. كدنا نفقد الأغنام بلمح البصر. يقتحمون التجمع صباحاً ومساءً، لا نستطيع النوم، وفي المقابل لا أحد يدعمنا من الجهات الرسمية"، يضيف كعابنة لـ"العربي الجديد".

سكن محمود كعابنة في هذه الخربة منذ 25 عاماً، وخلالها هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بيوت عائلته ثلاث مرات، وفي كل مرة كان يعاود سكان التجمّع البناء مجدداً، متحملين غرامات باهظة في أحيان كثيرة. لكن هجمات المستوطنين الإرهابية أوجدت خطراً دائماً على السكان، وحرمتهم المياه والمراعي بشكل كامل، وهو ما لم يستطع كعابنة وباقي عائلات الخربة تحمله.

يشير رئيس مجلس قروي المالح والمضارب البدوية مهدي دراغمة في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن المستوطنين تعمدوا سلك الطريق نحو بؤرتهم من بين مساكن الفلسطينيين، ما يعني المرور ليلاً ونهاراً من التجمّع، وترويع الأهالي والسكان على مدار الساعة.

الصورة
من عملية هدم سابقة نفذتها سلطات الاحتلال في خربة أم الجمال في الأغوار الفلسطينية (إكس)
من عملية هدم سابقة نفذتها سلطات الاحتلال في خربة أم الجمال في الأغوار الفلسطينية (إكس)

وتواجه تجمّعات مجاورة المصير نفسه، إذ بدأ المستوطنون المسلحون بأسلحة نارية وبيضاء، بالحضور بشكل دائم عند مدخل تجمّع عين الحلوة، وتهديد الفلسطينيين بالقتل والذبح، وفق دراغمة.

"تجمّع الفارسية نبع الغزال لا يستطيع سكانه الاستمرار دون بقاء متضامنين أجانب ونشطاء سلام معهم، وبعض التجمعات الأخرى يبيت سكانها بأحذيتهم؛ وأخرى يبيت أطفالها ونساؤها أحياناً في الجبال خشية هجوم متوقع"، هكذا أحال المستوطنون حياة السكان، وفق وصف دراغمة.

6 تجمّعات مهددة في الأغوار الفلسطينية

حول خطورة سيطرة المستوطنين على تجمّع أم الجمال، يقول مسؤول ملف الاستيطان في محافظة طوباس والأغوار الشمالية معتز بشارات لـ"العربي الجديد"، إن ذلك ارتبط بالسيطرة على نبعي مياه رئيسيين في المنطقة، هما نبع أم الجمال وعين الحلوة، وهما يخدمان أربعة تجمّعات، جنباً إلى جنب مع إغلاق مراعي المواشي والهجمات المتواصلة. وقال بشارات إن "كل ذلك يهدد بتهجير 6 تجمعات في المنطقة ذاتها".

وتهجير هذه التجمعات الواقعة بين مستوطنتي "مسكيوت" و"روتم" ومعسكر جيش الاحتلال المسمى "الناحل"، بالإضافة إلى تثبيت البؤرة الاستيطانية وتوسيعها، يعني إنشاء مثلث استيطاني كبير وربما مدينة استيطانية كبيرة في المنطقة وليس مجرد مستوطنات متفرقة، حسب بشارات. فيما يؤكد دراغمة أن التجمعات السكانية الفلسطينية البدوية الـ19 التي تقع تحت مسؤولية المجلس القروي الذي يترأسه؛ كلها مهددة وتعيش في ظروف مشابهة، من حيث مضايقات المستوطنين التي تتزايد، ومنع الرعي خارج نطاق التجمعات، ومنع التزود بالمياه الكافية. وتمتد هذه التجمعات المهددة على مساحة 200 كيلومتر مربع، على السفوح المطلة على نهر الأردن والحدود الفلسطينية الأردنية.

وللقضاء على هذه التجمعات المتبقية، دفع الاحتلال بإقامة البؤر الاستيطانية الرعوية التي بدأت بالانتشار بتسارع في الضفة بعد عام 2015. وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد أقيمت خمس بؤر إضافية في الأغوار الفلسطينية بعد شنّ الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

توفر هذه البؤر ومجموعات المستوطنين المسلحين القائمين عليها، نوعاً من تبادل الأدوار مع جيش الاحتلال والجهات الرسمية التابعة له كالإدارة المدنية المسؤولة عن التراخيص والبناء والهدم في المناطق المصنفة (ج) وفق اتفاق أوسلو، وهي مناطق تتبع إدارياً وأمنياً للاحتلال، ولا تملك السلطة الفلسطينية وفق الاتفاق أي صلاحيات إدارية فيها، وتبلغ مساحتها أكثر من 60% من الضفة، ومنها معظم الأغوار التي تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية.

وخلال سنوات طويلة أصدرت الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال إخطارات لهدم وترحيل عشرات التجمعات في الضفة، بينها 47 في مناطق الأغوار كافة، ومنها 23 في الأغوار الشمالية حيث خربة أم الجمال؛ لطالما أراد الاحتلال تنفيذ خطته بترحيل هذه التجمعات، إضافة إلى تجمعات شرق القدس ومسافر يطا جنوب الخليل، وتجميع سكانها في مناطق محصورة لا تفيهم احتياجاتهم من المراعي، وتنهي طبيعة حياتهم البدوية، وفي المقابل تفرغ مساحات شاسعة من الفلسطينيين.

لكن وفقاً لبشارات، فإن جيش الاحتلال لم يستطع على مدار سنوات طويلة إفراغ تجمعات كاملة في الأغوار الفلسطينية كما هو الحال الآن، بل كان يقتصر الأمر على الرحيل الفردي، وتقليص عدد السكان في التجمعات، وقد رفع الفلسطينيون آلاف القضايا في محاكم الاحتلال أدت إلى وقف أوامر الهدم إلى حين انتهاء المحاكمات. ووصل عدد القضايا كما يقول بشارات إلى 1876 قضية في الأغوار الشمالية وحدها، لكن لم تؤدِّ أي منها إلى الحصول على رخصة بناء واحدة، ما يشير إلى النيات الحقيقية لإبقاء الملفات معلقة إلى حين نضج الظروف لتنفيذ التهجير.

ويرى المختص بشؤون الاستيطان سهيل السلمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال يريد الأغوار الفلسطينية فارغة من سكانها، ولذا نشر الاستيطان الرعوي لإجبار الفلسطينيين على عدم الرعي خارج حدود تجمعاتهم، بما يعني تكلفة عالية لتربية الأغنام التي تُعَدّ شريان الحياة في المنطقة، فضلاً عن الخشية من قتل تلك الأغنام أو سرقتها، وخشية الناس على حياتهم. وقال السلمان إن "وظيفة الاستيطان الرعوي ملاحقة الرعاة الفلسطينيين وسرقة أغنامهم وإطلاق النار عليهم".

وتلقى مليشيات المستوطنين دعماً من أطراف بارزة في حكومة الاحتلال الحالية، أبرزها الوزيران المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، إضافة إلى جهات رسمية إسرائيلية أخرى وجمعيات استيطانية تحشد التمويل لتوسيع هجمات المستوطنين وبناء المزيد من بؤر الإرهاب، لتنفذ بالقوة خطة إفراغ الأرض، وتهيئ الظروف لحكومة الاحتلال لتطبق خطتها القديمة بضمّ مساحة هائلة من الأرض بلا سكان.

المساهمون