تزايدت حالة الغموض حول هوية الجهة التي نفذت الهجوم المروع على مطار عدن الدولي، الأربعاء الماضي، وذلك في أعقاب إدانة حوثية رسمية متأخرة، نسبت العملية إلى من أسمتها "الآيادي الآثمة".
وبعد 3 أيام من الهجوم الصاروخي الذي أودى بحياة 26 شخصاً، بينهم 3 من موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومراسل تلفزيوني، أدانت السلطات الحوثية، على لسان وزارة حقوق الإنسان في حكومة الجماعة غير المعترف بها دولياً، الهجوم ووصفته بـ"العمل الإرهابي الجبان".
وحمّل الحوثيون التحالف السعودي الإماراتي مسؤولية الهجوم الدامي، باعتباره "خطّط ودعم مباشرةً جماعات إرهابية"، لم تسمها، لاستهداف منشأة مدنية (مطار عدن) والمدنيين الآمنين بداخله.
وفيما تمسكت الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً بأن الهجوم حصل بعدة صواريخ باليستية حوثية، ذكرت وزارة حقوق الإنسان التابعة للحوثيين، أن الهجوم نُفّذ بـ"عبوات ناسفة وصواريخ ليتبع الانفجار الأول إطلاق نار كثيف".
ويبدو أن الاتهام الحوثي قد استند إلى اللقطات المتلفزة التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تباعاً عقب الحادثة، وأظهرت سماع إطلاق أعيرة نارية من قبل جنود ومدرعة عسكرية كانت تحاول الفرار من أعمدة دخان تتصاعد في مدرج المطار.
ولم يتوقف البيان الحوثي، الذي نشرته وكالة "سبأ" التابعة في نسختها التابعة للجماعة، عند نفي مسؤوليتها وتحميل التحالف السعودي ما حدث، بل دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى القيام بواجبهما الإنساني ومسؤوليتهما القانونية والأخلاقية في الضغط على دول التحالف ومن وصفتهم بـ"مرتزقتها وعملائها والجماعات المسلحة الموالية لها"، لإيقاف الأعمال الإجرامية التي تستهدف الأمن والاستقرار في مختلف المحافظات.
كذلك طالب البيان الأمم المتحدة بإلزام المكونات التي أنشأتها دول التحالف في محافظة عدن، بتحييد الأماكن المدنية وتأمين المواطنين وفقاً لقواعد وأحكام القانون الإنساني الدولي، في اتهام ضمني للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً.
إدانة "مثيرة للسخرية"
ووصف مصدر حكومي يمني الإدانة الحوثية بأنها مثيرة للسخرية، وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "إذا كانت المليشيا ترى أن ما حدث عمل إرهابي جبان، فلماذا اكتشفت ذلك في ثالث أيام المجزرة وبعد أن ندد العالم أجمع؟".
وذكر المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الإنكار الحوثي جاء بعد التأكد أن الهجوم قد طاول الطواقم الإنسانية للجنة الدولية للصليب الأحمر ومقتل 3 منهم، فضلاً عن إصابة 3 آخرين، من يرتكب هذه الأعمال الشريرة لن يكون غريباً عليه أن يراوغ بهذا الشكل السافر".
وعلى الرغم من تأكيد الحكومة الشرعية أن المؤشرات الأولية تؤكد وقوف الحوثيين خلف الحادثة، لكن التصريحات السعودية التي نسبت الهجوم إلى "قوى الظلام"، دون إشارة صريحة إلى الحوثيين، كما ورد في تغريدات السفير محمد آل جابر، تشير ضمناً إلى يقين سعودي بوقوف جهة مجهولة وراء الهجوم على الحكومة.
وأكدت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، أن هوية الفاعل "لا يمكن الجزم بها بإطلاق التُّهم دون الإمساك بدليل مادي"، لافتة إلى أن "بقايا المقذوفات التي يفترض التحريز عليها في مدرج المطار أو صالة الاستقبال، هي التي ستحدد الجهة المنفذة بشكل فوري، حيث سيتم معرفة من هي الجهة التي تمتلك صواريخ متوسطة المدى إذا كانت الشظايا تشير إلى ذلك، كما سيتم معرفة موقع المنفذين بالدقة إذا كانت بعض المقذوفات هي لقذائف هاون".
مصادر أمنية لـ"لعربي الجديد" هوية الفاعل "لا يمكن الجزم بها بإطلاق التُهم دون الإمساك بدليل مادي"
وأبلغ وزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك، في وقت متأخر من ليل الجمعة، عدداً من سفراء الدول الكبرى ودول الاتحاد الأوروبي، أن التحقيقات الأولية والدلائل المادية تؤكد بشكل قاطع أن مليشيا الحوثي هي الجهة المتورطة بالهجوم.
وكانت قيادات أمنية وعسكرية رفيعة في الحكومة الشرعية، فضلاً عن ممثلين من قوات التحالف، قد عرضت في اجتماع لها مع رئيس الحكومة معين عبد الملك، أول أمس الخميس، تقريراً أولياً عمّا أُنجز في أعمال التحقيق وتحريز وتجميع بقايا المقذوفات لتحديد نوعية الصواريخ المستخدمة في الهجوم وأمان إطلاقها وسقوطها، واتهمت الحوثيين بالمسؤولية الكاملة.
وخلافاً للجنة الرئاسية التي أعلنت شروعها بالتحقيق في الهجوم، بناءً على توجيه رئاسي، كانت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان، هي الجهة الحقوقية الوحيدة التي نفذت نزولاً ميدانياً للتحقيق في حادثة استهداف المطار، وسقوط عشرات الضحايا من المدنيين.
وقالت اللجنة المدعومة من مجلس حقوق الإنسان الأممي، في بيان اطلع عليه "العربي الجديد" أنها عاينت أماكن سقوط المقذوفات والأضرار المادية وحجم الدمار الذي تعرض له المطار، ومقابلة عدد من الشخصيات وأخذ إفاداتهم حول ما حدث، وعلى رأسهم مدير أمن المطار، عبد الله كرعون.
ووفقاً للبيان، فقد قام فريق اللجنة، ممثلاً برئيس اللجنة الوطنية، القاضي أحمد المفلحي والعضو صباح العلواني، بمعاينة مكان الواقعة وأخذ عينة من بقايا المقذوفات التي استهدفت المطار لعرضها على خبير عسكري لتحديد نوعها، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
وأظهرت لقطات جديدة نُشِرَت أخيراً، عاينها "العربي الجديد"، أن الانفجار الثالث كان أخف من الانفجارين الأول والثاني، وتزامن مع ظهور طابور من السيارات المدرعة، سوداء وبيضاء اللون، أمام الطائرة التي تقل أعضاء الحكومة، لنقلهم إلى القصر الرئاسي.
وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن القوات السعودية أخرجت رئيس الحكومة، معين عبد الملك، وعدداً من الوزراء عبر مخرج الطوارئ في مؤخرة الطائرة، فيما أظهرت اللقطات عدداً من ركاب الطائرة وهم يهرولون مسرعين من السلم الرئيسي لها إلى سيارات مدرعة كانت مركونة بالقرب منه.
وتناقلت وسائل إعلامية يمنية وجود قتلى من قوات حماية الواجب السعودية في الهجوم الصاروخي، لكن قوات التحالف السعودي الإماراتي لم تؤكد رسمياً حدوث خسائر بشرية في صفوفها.