بعد انفراجة نسبية مفاجئة في ملف الناشطين ومعتقلي الرأي قبل أسبوعين في الجزائر، بعثت أملاً في مكانية غلق هذا الملف، عادت المحاكم الجزائرية مجدداً لإصدار إدانات وأحكام وُصفت بالقاسية في حق عدد من النشطاء البارزين، بتهم مختلفة تخصّ النشاط السياسي، والتعبير عن الآراء والمواقف، والمشاركة في تظاهرات الحراك الشعبي.
وأصدرت محكمة الجنايات الابتدائية لمجلس قضاء أدرار جنوبي الجزائر حكماً بالسجن في حق أحد أبرز الناشطين والمناضلين المدافعين عن البيئة والمناهضين للتنقيب عن الغاز الصخري في الصحراء الجزائرية محاد قاسمي، وأدانت المحكمة قاسمي بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بتهمة "إطلاع الغير على معلومات سرية بغير قصد الخيانة والتجسس".
وقاد محاد قاسمي الحراك الجنوبي الشهير عام 2015، ضد قرار الحكومة بدء التنقيب عن الغاز الصخري في منطقة عين صالح جنوبي الجزائر، وبرز خلال هذا الحراك كناشط ميداني مدافع عن البيئة، إضافة إلى نشاطه السياسي في تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وحركة "بركات" التي عارضت ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة عام 2014، قبل أن يبرز كأحد الوجوه البارزة والنشطة في الحراك الشعبي.
وإضافة إلى هذه القضية، يُنتظر أن يحاكم محاد قاسمي، غداً السبت، في جلسة استئناف في قضية ثانية تلاحقه تتعلق بتهم الإشادة بأعمال إرهابية، والتي كان أدين فيها بخمس سنوات سجناً نافذة، أمام محكمة الجنايات الابتدائية في أدرار. وفسّرت هذه الأحكام القاسية ضد محاد قاسمي بأنها انتقام من السلطة ضد مواقفه ونشاطاته السابقة.
وفي السياق نفسه، أدين الناشط المعروف إعلامياً بشاعر الحراك حمود تشكرابي بالسجن لمدة عام ونصف العام، بتهمة التجمهر غير المرخص، وعرض مناشير تمسّ بالوحدة الوطنية، وحمود هو ابن أحد أبرز مناضلي الثورة الجزائرية سعيد تشكرابي.
وأمس الخميس، أعلن رئيس الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس عن احتجازه من قبل مصالح الشرطة داخل محكمة سيدي امحمد وسط العاصمة الجزائرية، برفقة القيادي في الحزب حميد بن حالة، بعد منعه من حضور جلسة محاكمة لعدد من الناشطين ومعتقلي الرأي.
وقال غراس في تصريح صحافي إنه تم منعه من حضور جلسات المحاكمة على الرغم من أنها محاكمة علنية.
وأعلنت عائلة الناشط مرزوق تواتي عن نقله إلى المستشفى بعد تدهور صحته بسبب إضراب عن الطعام يخوضه منذ 16 يوماً، احتجاجاً على ظروف سجنه.
وعبّرت منظمة العفو الدولية، في بيان لها، اليوم الجمعة، عن قلقها من ورود "أنباء عن نقل عاجل للصحافي الجزائري مرزوق تواتي إلى المستشفى بعد إصابته بألم حاد في الكلى"، وأكدت أن "عائلته لم تتمكن من الاتصال به أو الحصول على معلومات حول المستشفى الذي أدخل إليه"، وطالبت السلطات الجزائرية بـ"توفير الرعاية الصحية الملائمة له، وإبلاغ عائلته بمكان وجوده".
ودعا حزب "العمال" اليساري في بيان له صدر اليوم السلطات العليا إلى "تجنيب بلادنا مأساة أخرى، ووضع حدّ لمعاناة المعتقلين وعائلاتهم، بإعطاء أوامر بالإفراج الفوري واللامشروط عن جميع معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين"، متسائلاً في السياق نفسه "عن مغزى إبقاء المئات من الموقوفين من النساء والرجال بنفس التهم في السجن، ما يستدعي مجدداً المطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين بسبب نشاطاتهم أو آرائهم السياسية".
وكان تقرير الخارجية الأميركية حول وضعية حقوق الإنسان في العالم في 2021 قد أشار إلى وضعية الجزائر، وأكد وجود ما وصفها بحالات "توقيف وحبس فاعلين سياسيين تعسفياً، ومشاكل خطيرة تتعلّق باستقلالية وحياد السلطة القضائية، والتدخل غير القانوني في الحياة الخاصة للمواطنين، واعتقالات غير مبررة للصحافيين، وفرض الحكومة الرقابة على المواقع الإلكترونية".
وانتقد التقرير التعديلات الأخيرة في قانون العقوبات، ووصفها بأنها تمثل "قيوداً خطيرة على حرية التعبير والإعلام، وقوانين قمعية حول تنظيم وتمويل وسير المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني".
وكان ملف معتقلي الرأي قد شهد انفراجة مفاجئة نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، إذ كانت السلطات الجزائرية قد أفرجت عن عدد كبير من الناشطين ومعتقلي الرأي الموقوفين في السجون ممن صدرت في حقهم أحكام وملاحقات فضائية بسبب نشاط ومواقف سياسية، ومشاركتهم في تظاهرات الحراك الشعبي.
وفي الثالث من إبريل/ نيسان الجاري، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بمناسبة شهر رمضان عن "تدابير رحمة" بحق 70 من معتقلي الرأي الموقوفين في السجون، بسبب ما وصفتها الرئاسة بقضايا تتعلق بـ"الإخلال بالنظام العام"، وكان بين المفرج عنهم ناشطون بارزون، على غرار الصحافي عبد الكريم زغيليش، والمدون زكي حناش، والناشط إبراهيم لعلامي، والناشط في الحراك الشعبي لزهر زوايمية، وكلهم تمت متابعتهم بتهم سياسية تخص المساس بالوحدة الوطنية، وعرض منشورات على "فيسبوك" .