أظهرت دراسة جديدة أجرتها "الجمعية الأميركية لأبحاث الرأي العام"، أن استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز استطلاع عدة، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية وانتخابات الكونغرس في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عانت من مكامن خلل وأخطاء بلغت مستوى غير مسبوق منذ 40 عاماً، وأخفقت في تقييمها لهامش التأييد على المستوى الوطني، الذي كان يحظى به كلا المرشحين للرئاسة، الرئيس السابق دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي، الرئيس الحالي جو بايدن.
وعلى الرغم من أن مسألة إخفاق استطلاعات الرأي المرتبطة برئاسيات 2020 الأميركية، قد تداولتها تقارير عدة، إلا أن حجم الدراسة، التي شملت 2850 استطلاعاً، يؤكد أن هذه الأزمة أصبحت منهجية، وقد تمتد إلى سنوات ودورات انتخابية عدة لاحقة، وقد يكون مسببها الأول هو ترامب. أما سياسياً، فتعيد الدراسة التذكير بالانقسام العميق في المجتمع الأميركي، والذي غذّاه وأجّجه وصول الأخير إلى السلطة، كما تذكر بأن هذه المشكلة التي ستكون محل اختبار جديد في خريف العام المقبل، موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، ستنعكس سلباً على الحزب الديمقراطي، الذي اعتمد في دورتين رئاستين (2016 و2020)، على أرقام الاستطلاعات، التي ضخمت من حجم التأييد له، وهو ما ثبت عدم دقته، لا سيما حين خسرت هيلاري كلينتون أصوات المجمع الانتخابي لصالح رجل الأعمال الجمهوري، ترامب، قبل أعوام.
يترقب المتابعون استطلاعات الانتخابات النصفية في 2022
وبحسب ما خلصت إليه الدراسة، فإن استطلاعات الرأي العام الأميركية عانت في 2020 من أخطاء بمستوى غير مسبوق، هو الأعلى منذ 40 عاماً من تلك التي أجريت على المستوى الوطني، ومنذ 20 عاماً على الأقل، على مستوى الولايات. وشملت الدراسة 2858 استطلاعاً، بما فيها 529 حول سباق الرئاسة على المستوى الوطني، و1572 على صعيد الولايات. ووجدت الدراسة أن هذه الاستطلاعات بالغت في تحديد هامش التأييد بين ترامب وبايدن بحدود 3.9 نقاط في التصويت الوطني، و4.3 نقاط في تصويت الولايات. وأكدت الدراسة أن الاستطلاعات أخفقت في التوصل إلى الرقم الحقيقي من التأييد الذي كان يحظى به ترامب في كل الولايات تقريباً، حيث كان المعدل الحقيقي 3.3 في المائة أعلى مما تنبأت به. وتقدم بايدن على ترامب في النهاية، ولكن بفارق أمكن الحديث معه عن منافسة شرسة، ومتقاربة جداً، بين الرجلين، وليس تقدماً "متيناً" للمرشح الديمقراطي. وعانت الاستطلاعات المتعلقة بانتخابات الكونغرس وانتخابات حكّام الولايات من الخلل ذاته.
وقال جوش كلينتون، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة فاندبرلت، الذي أدار الدراسة، لصحيفة "واشنطن بوست"، تعليقاً على التقرير، إنه "كان هناك خطأ منهجي لجهة المبالغة في التنبؤ بحجم الدعم للديمقراطيين"، موضحاً أن الخلاصة تنطبق على كل أنواع الاستطلاعات، سواء تلك التي أجريت بالهاتف أو عبر الإنترنت أو غير ذلك، وسواء تلك التي تضمنت اسم ترامب، أو التي لم تتضمنه.
وكانت الجمعية قد أجرت دراسة مماثلة في 2016، بعد انتخابات الرئاسة التي شهدت المنافسة بين كلينتون وترامب. ووجدت حينها، أن استطلاعات الرأي التي سبقت تلك الانتخابات نجحت في التنبؤ بفوز وزيرة الخارجية السابقة بالتصويت الشعبي، لكنها أخفقت في تقييم الوضع على صعيد الولايات، ما جعل كلينتون تخسر أكثرية أصوات المجمع الانتخابي.
وفي الانتخابات الماضية، لم تخرج الدراسة بخلاصات نهائية حول أسباب الإخفاق، تساعد في اعتماد منهجية جدية للعمل. وعلى بعد 15 شهراً من الانتخابات النصفية للكونغرس، والتي تعد مفصلية لأجندة بايدن، وجدت الدراسة أن استطلاعات الرأي التي أجريت خلال العام الماضي قبل نوفمبر، تنبأت بقدرة الديمقراطيين على تعزيز أغلبيتهم في مجلس النواب، وهو ما لم يحصل. وبالنسبة إلى انتخابات مجلس الشيوخ، أصابت 66 في المائة فقط من الاستطلاعات لجهة تحديد اسم الفائزين.
واستبعد جوش كلينتون أن يكون المواطنون من المؤيدين لترامب قد كذبوا في استطلاعات الرأي، وهي فرضية جرى التداول بها كثيراً، لتحديد أسباب إخفاق الاستطلاعات. ومقارنة بـ2016، حين ذهبت معظم أصوات المترددين في النهاية إلى ترامب، فإن الأميركيين كانوا أقل تردداً في العام الماضي، لا سيما مع التصويت المبكر بسبب كورونا. كما أن استطلاعات العام الماضي صحّحت بعض الشيء منهجية عملها، لجهة الأخذ بالاعتبار المستوى التعليمي الجامعي، في دراسة السلوك الانتخابي للأميركيين. والتصحيح سرى أيضاً على مستوى الأعراق، إذ تمثلت الأقليات بشكل عادل في كل استطلاعات الرأي التي أجريت قبيل انتخابات 2020.
وظلّ التفسير الأكثر إقناعاً للإخفاق، بحسب الدراسة، هو أن الجمهوريين الذين حدّدوا أسماء مرشحيهم للاستطلاعات، قد صوّتوا بشكل مختلف عن أولئك الذين امتنعوا عن الكشف عن أسماء مرشحين. ويفسر ذلك تقدم بايدن في الاستطلاعات، في ولايات يتصدر فيها البيض عدد السكان، وريفية أكثر، وقليلة الكثافة السكانية، بنسبة فاقت بكثير النسبة التي حظي بها أخيراً مع انتهاء السباق.
استطلاعات الرأي عانت في 2020 من أخطاء غير مسبوقة
كما أن التقرير أشار إلى دور الناخبين الجدد في العام الماضي كأحد أسباب هوامش الخطأ الكبيرة. إذ كان هناك 22 مليون ناخب إضافي مصدقة أسماؤهم في عام 2020 مقارنة بـ2016. واعتبر التقرير أنه "ليس من الواضح ما إذا كانت المشاكل التي واجهت استطلاعات الرأي في العام الماضي، ستبقى إلى 2022 أو 2024"، وأن ما سيحصل في العام المقبل (الانتخابات النصفية)، قد لا يساعد على تحديد وجود خلل طويل الأمد (في استطلاع السلوك الانتخابي للأميركيين).
أما في ما يتعلق بـ"عامل ترامب"، فلفت جوش كلينتون إلى أنه "إذا لم يعد اسم الرئيس السابق على بطاقة الاقتراع، فقد تحل المشاكل نفسها بنفسها"، مذكراً بأن استطلاعات الرأي المرتبطة بالانتخابات النصفية التي جرت في 2018، كانت أفضل من 2016، ثم جاءت انتخابات 2020، وعادت المشكلة نفسها. وبرأيه، فإن ذلك ترك هامشاً كبيراً من الشك بشأن ما إذا كان كل ذلك يتعلق بوجود ترامب في المنافسة. وقال: "لا نعلم ما إذا كان كل ذلك ظاهرة خاصة بالانتخابات الرئاسية، حين يكون هناك مرشحون يرددون دائماً: لا تثق بالإعلام، لا تثق باستطلاعات الرأي، ما يحول استطلاعات الرأي (بنظر المواطنين) إلى فعل سياسي".