إخفاق أفغانستان يلاحق بايدن في أصعب لحظات رئاسته

29 سبتمبر 2021
تبين الإفادات أن بايدن كان على علم بتوصية عدم الانسحاب في أواخر أغسطس ( فرانس برس)
+ الخط -

أعادت شهادة وزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان الأميركية مارك ميلي وقائد قوات المنطقة الوسطى كينيث ماكينزي، أمس الثلاثاء، أمام "لجنة القوات المسلحة" في مجلس الشيوخ، تسليط الأضواء على التناقضات والمغالطات في سردية الإدارة الأميركية عن قرار الانسحاب وعن الفوضى والأخطاء المكلفة التي رافقت عملية تنفيذه. 
وتبين إفادة الثلاثاء أن الرئيس بايدن وخلافا لزعمه كان على علم بتوصية العسكريين الذين اقترحوا منذ أيام ترامب عدم سحب كل القوات في آخر أغسطس/آب، كما اقترح الوزيران أوستن وبلينكن عليه نفس التوصية في البداية، إلا أنه مضى في العملية بالموعد الذي حدده.
كما تبيّن أن دفاع أوستن والرئيس بايدن عن ادعاء "الانهيار السريع لم يكن في حسبان أحد"، بدا غير متماسك وقوبل بكثير من الشكوك حتى من جانب الديمقراطيين، إذ من المعروف أن الجهات الاستخباراتية المعنية سرّبت في حينه معلومات تنقض مزاعم الوزير. وكان "المفتش العام المختص بالملف الأفغاني" قد حذر هو الآخر من انتشار الفساد بين قيادات القوات الأفغانية، وهو يهدد بانفراطها.

وما لفت أكثر أن التباين كان صارخاً حتى في تقييم عملية الانسحاب بين الجنرال ميلي ووزيره أوستن، إذ رأى الأول فيها "فشلا استراتيجيا يؤذي مصداقية أميركا"، فيما قال الثاني إن "مصداقية أميركا ما زالت متينة".
لكن "الفشل الاستراتيجي" والجدل حوله ليس مشكلة بايدن في الوقت الحالي، فهو بالنهاية حصيلة أخطاء حرب عشرين سنة، بل إن المشكلة تتمثل في أن ملابسات الانسحاب الفاضحة كشفت عن تفاقم فشل قيادي هو آخر ما يحتاجه بايدن في هذه اللحظة التي تواجه فيها رئاسته اختبارا مفصلياً لتحديد مكانها إما في قائمة الرؤساء الذين تركوا بصمات أو في قائمة الرؤساء الذي مروا مرور الكرام. 
وتعد الأجندة الداخلية التي طرحها بايدن بكلفة 4.5 تريليونات دولار هي الأكبر كلفة في تاريخ أميركا، والأهم أنها من الصنف التغييري الذي لم يسبق أن أقدم عليه خلال المائة سنة الماضية تقريباً، سوى اثنين من أسلافه، حيث خصص الشق الأول منها لتحديث البنية التحتية المادية (تريليون دولار) عالق في مجلس النواب، والشق الإنمائي الاجتماعي (3.5 تريليونات دولار) مسدودة طريقه في مجلس الشيوخ. 
أما المحرج للرئيس بايدن والذي يهدد كذلك خسارته للمشروع أو لجزء كبير منه، هو أن الطرف المعرقل في الشقين هو حزبه الديمقراطي، رغم أنه يملك الأكثرية ولو الضئيلة في المجلسين. فيما يصر يساره على تمرير كامل الأجندة، يقف بعض الوسطيين فيه عملياً مع الجمهوريين بزعم أن كلفة المشروع عالية ومن شأنها زيادة المديونية العامة ورفع نسبة التضخم. 
إلا أن أسباب الاعتراض في الواقع أبعد من ذلك، إذ إن ما يطرحه بايدن في مشروعه من تقديمات اجتماعية لذوي الدخل المتدني، هو في حقيقته تحول أو خطوة متقدمة باتجاه النموذج الأوروبي الغربي للنظام الرأسمالي ويقوم في تمويله على زيادة الضرائب بمقدار معقول على كبار الأثرياء والشركات الكبرى.
من هنا تأتي ضراوة الحملة التي يشنها الجمهوريون على هذا التوجه بدعوى أنه يضمر تطبيق "الاشتراكية" في أميركا، حيث تمكن هذا الادعاء من استقطاب ما يكفي من الديمقراطيين لبعثرة الشق الاجتماعي من المشروع والذي قد يذهب الشق الأول بجريرته، وفي ذلك نكسة لو حصلت من شأنها شل إدارة بايدن التي صارت على عتبة استحقاق تمويل العمل الحكومي قبل يوم  الجمعة أول أكتوبر/ تشرين الأول  والذي ربطته بتمويل مشروعها كما بإقرار قانون رفع سقف المديونية العامة من أجل توفير المال اللازم لهذه الاستحقاقات.
وأجرى الرئيس بايدن حتى الآن عدة لقاءات مع المعترضين الديمقراطيين لحثهم على التصويت إلى جانبه، لكن من دون جدوى، وفي أحسن الأحوال لا يبدو أنه قادر على انتزاع أكثر من تنازل جزئي قد لا يرضي "اليسار" في حزبه . 
وجد الرئيس بايدن نفسه في ورطة كبيرة، رغم أن بيده قضية قوية يمكنه تسويقها لو نجح في تمريرها وبما يكفل تعويض خسائره في ملفي كورونا وأفغانستان، لكنه عاجز عن ترجمتها إلى فعل.
وما كانت حيثيات خصومه الجمهوريين وبعض الديمقراطيين أن تقوى على تحديه لو كانت رئاسة بايدن متعافية. وفي السوابق شواهد، حيث استحدث الرئيس فرانكلين روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي على سبيل المثال، نظام الضمان الاجتماعي وحق التأمين ضد البطالة، وسط ظروف كانت فيها مثل هذه الخطوات غريبة، وفي الستينيات جاء الرئيس ليندون جونسون  بمشروع الرعاية الصحية ثم المساعدة الصحية، إضافة إلى إقرار قوانين الحقوق المدنية وفرضها على الكونغرس.
يطمح بايدن بقفزة من هذا العيار، لكن أعطابه شجعت التمرد عليه في الكونغرس، وكذا خوفه أن يهزمه حزبه. جلسة الاستماع اليوم إلى أركان البنتاغون زادت من انكشاف هذه الأعطاب. 

المساهمون