أي دور لبرلمان محدود الصلاحيات في النظام التونسي الجديد؟

31 يناير 2023
صوّت التونسيون لبرلمان جديد وفق دستور 2022 (Getty)
+ الخط -

أعلنت هيئة الانتخابات التونسية، مساء أمس الإثنين، عن النتائج النهائية للدور الثاني للانتخابات التشريعية، والتي أجريت أول من أمس الأحد (أجري الدور الأول من 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي)، ونشرت في المراكز الجهوية قائمة الفائزين بمقاعد في البرلمان الجديد. غير أن تركيبة البرلمان ستكون فقط بـ154 نائباً من أصل 161 نائباً (عدد نواب البرلمان الجديد بعدما كان يضم 217 نائباً)، وذلك لأن 7 دوائر في الخارج لم يُسجل فيها أي ترشيح.

وأعلن رئيس هيئة الانتخابات التونسية، فاروق بوعسكر، مساء أول من أمس، أن العدد الإجمالي للمشاركين في الدور الثاني بلغ 887638 من 7853447 ناخبا، بنسبة 11،3 في المائة، وهي نسبة أولية.

وقال نائب رئيس الهيئة، ماهر الجديدي، إن البرلمان الجديد سيقرر بنفسه استكمال هذه الانتخابات من عدمه، داعياً في تصريح صحافي إلى التفكير في تغيير شروط الترشح بالخارج، في صورة الدعوة إلى استكمال بقية المقاعد.

وسينطلق عمل البرلمان التونسي الجديد، في كل الحالات، في مارس/آذار المقبل، بعد استكمال الطعون، بصلاحيات ضعيفة واختصاصات محدودة في نظام رئاسوي مختل السلطات لفائدة رئيس الجمهورية.

وتمتد ولاية المجلس الجديد 5 سنوات وفق قواعد دستور 2022 الذي صاغه الرئيس قيس سعيّد بنفسه، مستبدلاً النظام البرلماني المعدل بنظام رئاسوي بحسب توصيف خبراء القانون، من خلال انتزاع صلاحيات برلمانية وإضافتها إلى سلطة الرئيس.

قالت هيئة الانتخابات إن البرلمان الجديد سيقرر بنفسه ملء المقاعد التي لا تزال شاغرة من عدمه

وحدّد سعيّد صلاحيات مجلس نواب الشعب (البرلمان) الجديد وأدواره بإحكام في دستور 2022 حيث جعل من السلطة التشريعية مجرد "وظيفة" شكلية تقتصر أساساً على المجال التشريعي، مع تمكن رئيس الجمهورية من أولوية الاقتراح والتشريع واقتصار النواب على الاقتراح، شرط تقديم 10 نواب لمقترحهم وشرط أن لا تخل بالتوازنات المالية للبلاد.

برلمان قيس سعيّد... صلاحيات شكلية

ونزع سعيّد عن البرلمان صلاحية مراقبة الحكومة وتعيين رئيسها من قبل أغلبية حزبية برلمانية، وتقديم مشاريع حكومية وبرامح كما كان في دستور 2014، ليختص الرئيس وحده في تعيين الحكومة وضبط السياسة العامة للدولة وتوجهاتها، ويُعلم البرلمان والمجلس الوطني للجهات والأقاليم (مجلس جديد لم يتشكل بعد) بها فقط.

ومنح سعيّد البرلمان الجديد رقابة شكلية على الحكومة محفوفة بالعقبات والشروط، إذ مكّن البرلمان والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعيْن من معارضة الحكومة في مسؤولياتها بتوجيه لائحة لوم، ولكن الرئيس يختار إما أن يقبل استقالة الحكومة إذا تم توجيه لائحة لوم ثانية لها، أو أن يحلّ مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أو أحدهما.

وخلافاً للبرلمان السابق (جمّد سعيّد عمله في 25 يوليو/تموز 2021، ثمّ حلّه)، الذي أمّن حصانة كبيرة للبرلمان والبرلمانيين، فإن نواب المجلس المقبل معرّضون لخطر سحب الوكالة منهم، أي حجب الثقة عنهم من قبل عُشر الناخبين في دائرتهم الانتخابية.

وفور الإعلان عن نسبة المشاركة، دعت أحزاب تونسية معارِضة لسعيّد إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة. ودعا رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، المنظمات المدنية (اتحاد الشغل ورابطة حقوق الإنسان وهيئة المحامين) إلى الانتباه للأزمة والكفّ عن تقسيم التونسيين بين أحزاب ومجتمع مدني، وإلى رحيل سعيّد وتنظيم انتخابات مبكرة.

وأكدت نائبة رئيس البرلمان المنحل سميرة الشواشي، على "شرعية البرلمان المنتخب في 2019 الذي لن يسلم العهدة إلا إلى برلمان منتخب في انتخابات ديمقراطية وشفافة".

وقال الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي، لـ"العربي الجديد"، إن "على رئيس الجمهورية استخلاص الدروس واعتبار أن مساره انتهى". واعتبرت أحزاب "الجمهوري" و"العمال" و"التكتل" و"التيار الديمقراطي" و"القطب" في بيان مشترك أن "البرلمان المنبثق عن هذه المهزلة فاقد للشرعية". كما طالبت حركة "النهضة" باستقالة سعيّد و"فسح المجال أمام الشعب الذي لفظه لإجراء انتخابات رئاسية مبكّرة كمدخل لحل للأزمة الراهنة وكفرصة أخيرة قبل إعلان الإفلاس والانهيار الذي قاد إليه البلاد"، واصفة في بيان الدور الثاني من الانتخابات بـ"المهزلة".

وحول طبيعة عمل البرلمان الجديد، اعتبرت أستاذة القانون الدستوري، منى كريم الدريدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الرئيس سعيّد وضع نظاماً سياسياً في دستوره مختل التوازن لمصلحة رئيس الجمهورية وذلك من خلال التنصيص على جهاز الحكومة والبرلمان منزوعي الصلاحيات، في مقابل منح هذه الصلاحيات لرئيس الدولة".

وفسّرت الدريدي أن دستور سعيّد "جمع بين صلاحيات النظام الرئاسي والنظام البرلماني في سياق وضع هذه الصلاحيات في صالح الرئيس، فرئيس الجمهورية يمارس اختصاصات الرئيس في النظام الرئاسي مع جمع اختصاصات رئيس الحكومة في نظام برلماني، مع جمع اختصاصات البرلمان التشريعية بحيث جمع الاختصاصين معاً في حين لا مكانة تذكر لرئيس الحكومة ولا صلاحيات للبرلمان الجديد".

وبيّنت الدريدي أن "البرلمان الجديد سيكون مشتتاً مرتبكاً بسبب نظام الاقتراع على الأفراد الذي سيجمع نواباً لا تجمعهم برامج ورؤى وتصورات مشتركة، كما سيكون منزوع الفاعلية وغير قادر على اتخاذ قرارات تعديلية أو إحداث توازن في النظام السياسي، فسيمارس النواب وظيفة تشريعية في إطار ما حدد لهم من وظائف واختصاصات مضبوطة".

منح سعيّد البرلمان الجديد رقابة شكلية على الحكومة ونزع عنه صلاحيات عدة

وأشارت أستاذة القانون الدستوري إلى أن "النواب سيعملون طيلة المدة النيابية تحت الضغط العالي وخشية سحب الوكالة منهم وحجب الثقة عنهم أو حلّ البرلمان من قبل رئيس الجمهورية".

نظام رئاسوي بامتياز

بدوره، اعتبر أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "صلاحيات البرلمان الجديد محدودة جداً بالعودة إلى دستور 2022، فالبرلمان تحول من سلطة تشريعية إلى مجرد وظيفة يقتصر دورها على الدور التقليدي للبرلمانات المتمثل في التشريع وتقديم مقترحات قوانين والمصادقة عليها". وأشار الدبابي إلى أنه "على ضوء هذه الصلاحيات المحدودة، سيكون برلماناً محدوداً، ليست له أي فاعلية على المستوى السياسي في النظام السياسي الجديد الذي هو نظام رئاسوي بامتياز، ولا وجود لأي سلطة حقيقية فيه، عدا رئاسة الجمهورية".

وحذّر أستاذ القانون الدستوري من أن "البرلمان في تونس تحول إلى مجرد غرفة تسجيل للمصادقة على مشاريع القوانين التي سيتقدم بها رئيس الجمهورية". وإضافة إلى ذلك، فإن البرلمان الجديد "سيكون ضعيفاً من حيث المكانة السياسية، باعتبار تشتت تركيبته بسبب نظام الاقتراع على الأفراد دون قوائم حزبية".

شاكر الحوكي: كل النواب الجدد هم من مساندي سعيّد ويعرفون أنهم مهددون بسحب الوكالة منهم

ورأى الدبابي أنه "أمام هذه المكانة الضعيفة، لن يكون لهذا البرلمان أي دور في النظام السياسي الجديد، ولا في العملية الإصلاحية، كما لن تكون له أي رؤية واضحة نظراً لضعفه السياسي".

وفي السياق ذاته، اعتبر رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية وأستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "كل مشروع قيس سعيّد في الحقيقة، إلى زوال، ولن يصمد ويستقر ولن يستمر". وقال إن البرلمان التونسي الجديد "لن يكون فاعلاً، وإنما برلماناً تابعاً لقيس سعيّد ينفذ أجندته ويمرر القوانين التي يقدمها".

وفسّر الحوكي ذلك ''بعاملين رئيسين: الأول هو أن دستور 22 الذي خطه سعيّد بيده جرّد البرلمان من صلاحياته الحقيقية والفعلية، وثانياً لأن كل النواب هم من مساندي قيس سعيّد ومن تنسيقياته المساندة له، وتبعاً لذلك لا يتوقع منهم أن يشكلوا قوة معارضة إزاء سلطته الاعتباطية، خصوصاً أنهم يعرفون جيداً أنهم مهددون بسحب الوكالة منهم"، وفق رأيه.

في المقابل، اعتبر المتحدث باسم حركة الشعب أسامة عويدات (مساندة لسعيّد وقدّمت مرشحين للانتخابات) في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "صلاحيات البرلمان الجديد ليست نفس صلاحيات البرلمان السابق، وهذا معلوم في نص الدستور، ولكن نعتبر أن هذا المجلس له من الصلاحيات ما يُمكنه من القيام بدوره كمجلس نيابي منتخب من الشعب ليؤدي واجبه تجاه الشعب مباشرة، وهذا من خلال العمل التنموي الجهوي ومناقشة الموازنة ومساءلة أعضاء الحكومة وتوجيه لائحة لوم، وهي مهمات تمكن المجلس النيابي من تحسين وتطوير ما يمكن تطويره في تونس".

وبرأي عويدات، فإنه ''قبل 25 يوليو (2021) كانت الطبقة السياسية تنادي بتغيير النظام السياسي نحو نظام رئاسي يمكّن من السير نحو الإنجاز، ونحن في نظام سياسي جديد، ومن الطبيعي جداً ألا يكون المجلس الجديد بنفس صلاحيات البرلمان السابق في نظام شبه - شبه أو نظام شبه برلماني، وبالتالي نعتقد أن البرلمان المقبل سيكون أداة لتيسير العملية السياسية في البلاد ومخبراً ضيقاً يمكّن من الذهاب مباشرة نحو الإنجاز".

موقف
التحديثات الحية