أول زيارة رسمية لرئيسة الحكومة البريطانية: تفاقم الخلاف حول "بريكست" ولا صفقة تجارية مع أميركا

20 سبتمبر 2022
تحمل تراس معها ملفات عالقة لا مؤشرات على انفراجة فيها (Getty)
+ الخط -

تبدأ رئيسة الحكومة البريطانية ليز تراس، اليوم الثلاثاء، أول رحلة عمل لها بعد فوزها في السباق إلى زعامة "حزب المحافظين"، وتولّيها منصب رئيس الوزراء في الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري؛ ومعها تبدأ أيضاً خوض تحدّيات مؤجّلة، والبحث في ملفّات عالقة لا تبعث المؤشرات على الكثير من التفاؤل في بريطانيا حولها.

أحد تلك المؤشرات كان إعلان "داونينغ ستريت" عن لقاء مرتقب بين تراس والرئيس الأميركي جو بايدن يوم السبت الماضي، على هامش زيارته إلى لندن للمشاركة في جنازة الملكة إليزابيث الثانية، إلا أن اللقاء ألغي أو أرجئ إلى يوم غد الأربعاء، حيث سيلتقي الزعيمان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بحسب "داونينغ ستريت".

المؤشر الثاني كان إعلان تراس، هذا الصباح، عن تلاشي الأمل بصفقة تجارية مرتقبة مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ صرّحت للصحافيين في طريقها إلى نيويورك بأن "المملكة المتحدة لن تبرم في المدى المنظور اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة". وهذه الاتفاقية كان يتكّئ عليها مؤيدو انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب صفقات أخرى لجني فوائد "بريكست" وتعويض الخسائر المتأتية عن مغادرة السوق الأوروبية. وهذه هي المرة الأولى التي تعترف بها الحكومة بعدم وجود أي فرصة للتوصل في وقت قريب إلى صفقة تجارية مع أكبر شريك تجاري لبريطانيا.

المؤشر الثالث هو إصرار تراس وحكومتها على إلغاء أجزاء هامة من بروتوكول أيرلندا الشمالية من طرف واحد، بما يشكّل خرقاً للقانون الدولي، وبما يزيد من حدّة التوترات الموجودة أصلاً بين الطرفين منذ أن كانت تراس وزيرة للخارجية.

وسبق للرئيس بايدن أن عبّر عن قلقه من طريقة التعاطي مع البروتوكول، مفترضاً أن الحكومة البريطانية "تقوّض السلام" في أيرلندا الشمالية عبر تمزيق الترتيبات التجارية في مرحلة ما بعد الخروج.

وسبق لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي أن عبّرت عن قلقها من موقف تراس كوزيرة للخارجية تجاه البروتوكول، إلا أن تراس سارعت للقول إنها لن تستجيب للمطالب، ولن تذعن للتهديدات، متمسّكة بنيّتها تمرير مشروع قانون يجيز للوزراء نسف البروتوكول من طرف واحد.

ومن جهته، اعتبر وزير خارجية الظل ديفيد لامي، الذي يتوجّه أيضاً إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الرئيس بايدن "تجاهل" الاجتماع الذي كان مقرّراً مع تراس قبل يومين، متّهماً حكومات "حزب المحافظين" بارتكاب "زلات سياسية" على مدى الـ12 عاماً السابقة؛ ما أساء، على حدّ تعبيره، للعلاقات البريطانية الأميركية وساهم بعزل بريطانيا على الساحة الدولية.

ويبدو أن تراس استخلصت دروساً كثيرة من رئيس الحكومة السابق بوريس جونسون، لا سيما في الاتّكاء على الأزمة الأوكرانية للخروج من المآزق الداخلية، ولتخفيف وطأة ملفّات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ إذ أعلن "داونينغ ستريت"، هذا الصباح، أن المملكة المتحدة "ستلبّي أو ستتجاوز حجم المساعدات العسكرية لأوكرانيا العام المقبل مقارنة بالعام الحالي"، مشيراً إلى أن الأولوية خلال زيارة تراس إلى نيويورك ستكون في التركيز على ضرورة وضع حد لابتزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاقتصادي من خلال إلغاء الاعتماد بشكل كلي على الطاقة الروسية.

كما ذكّر "داونينغ ستريت" بأن زيارة تراس تتزامن مع مواصلة أوكرانيا تحقيق مكاسب عسكرية غير مسبوقة ضد روسيا. ويقول البيان: "ستستخدم رئيسة الوزراء خطابها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس للتأكيد على التزام المملكة المتحدة طويل الأمد تجاه أوكرانيا، دون تهاون في دعمنا العسكري والإنساني والسياسي للبلاد".

وتعدّ المملكة المتحدة ثاني أكبر مانح عسكري لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، حيث تعهدت بتقديم 2.3 مليار جنيه إسترليني في عام 2022، كما حققت هدفها بتدريب 27 ألفا من أفراد القوات المسلحة الأوكرانية منذ العام 2015، إضافة إلى ما قدّمته العام الماضي من مئات الصواريخ وخمسة أنظمة للدفاع الجوي و120 مركبة مدرّعة، وأكثر من 200 ألف قطعة من المعدات العسكرية غير الفتاكة.

وخصّصت تراس تصريحاتها عشية زيارتها إلى نيويورك للحديث عن "انتصارات أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة، والتي كانت ملهمة"، كما وجّهت رسالة لشعب أوكرانيا قائلة إن "المملكة المتحدة ستبقى خلفك مباشرة في كل خطوة على الطريق. أمنك هو أمننا".

وأعلن "داونينغ ستريت" أن تراس ستستغلّ اجتماعاتها مع زملائها القادة والمدراء التنفيذيين في نيويورك لـ"تحفيز الجهود العالمية لمنع روسيا من جني أرباح صادراتها من الطاقة وإنهاء الاعتماد على الأنظمة الاستبدادية في الحصول على الطاقة".

ونقل عن تراس قولها: "من خلال إغلاق خط أنابيب الغاز نورد ستريم، دفع بوتين ملايين الناس في أوروبا إلى شتاء أكثر برودة وصعوبة. يتمّ التلاعب بالكثير من الأرواح في أوكرانيا وفي أوروبا، وحول العالم، من خلال الاعتماد على الطاقة الروسية. نحن بحاجة إلى العمل معاً لإنهاء هذا الاعتماد بشكل حاسم".

ولن يطول غياب تراس عن الأزمات الداخلية، وخطابها المرتقب عن إنهاء الاعتماد على الدول الاستبدادية، لن تكون انعكاساته إيجابية على الوضع المأزوم لملايين البريطانيين القلقين من "شتاء أكثر برودة"، ومن "جوع مرتقب".

ومن المفترض أن تضع تراس، بعد عودتها يوم الخميس، اللمسات الأخيرة على ميزانيتها المصغرة، والتي من المتوقع أن تقرّ التخفيضات الضريبية، إلا أن مؤسسة الخدمات المالية الدولية وجدت في تقرير لها نشر أمس أن "العمال ذوي الأجور الأقل سيحصلون وفقاً لخطّتها على 63 بنساً فقط كل شهر، في حين أن الأغنياء قد يستعيدون 150 جنيهاً إسترلينياً".

إضافة إلى لقائها بالرئيس بايدن، ستلتقي تراس برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، وبالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي شارك أمس في مراسم تشييع الملكة إليزابيث الثانية. وسيكون هذا هو اللقاء الأول بين ماكرون وتراس بعد أن أثارت إجابتها عن سؤال: "هل ماكرون صديق أم عدو؟"، ضجّة دبلوماسية، إذ أجابت تراس بأن "أفعال ماكرون هي التي ستحكم على ما إذا كان عدواً أم صديقاً"، ما دفع ماكرون إلى الردّ بالقول: "ستكون مشكلة خطيرة ألا تستطيع الدولتان تحديد نوع علاقتهما"، مضيفاً أن "بريطانيا ستبقى حليفاً أساسياً لفرنسا أياً كان قادتها، لا بل وبرغم قادتها".

ومن المرجّح أن تؤثر كل تلك المعطيات سلباً على المشهد العام وعلى المهمّة الأولى التي تقوم بها رئيسة الحكومة في منصبها الجديد، لا سيما أن حكومة المحافظين لم تعد قادرة على فصل الملفّات بعضها عن بعض في ظلّ ترابط مؤذ بين تداعيات "بريكست" والأزمة الاقتصادية المزدوجة التي خلّفها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق مشترك، والتي عزّزها وزاد من وطأتها الغزو الروسي لأوكرانيا.