أوكرانيا: التوتر العسكري يهوي بشعبية زيلينسكي مقابل صعود بوروشينكو

12 فبراير 2022
بات يُنظر لزيلينسكي على أنه سياسي ضعيف (ثيبو كاموس/فرانس برس)
+ الخط -

ما كان للتوتر العسكري على الحدود الروسية الأوكرانية وشبح اندلاع حرب مفتوحة بين البلدين، أن يمرا من دون أن يلقيا بظلالهما على الحياة السياسية الداخلية في أوكرانيا، وسط استمرار تراجع نسبة تأييد الرئيس الحالي، فولوديمير زيلينسكي، مقابل زيادة شعبية سلفه اليميني، بيترو بوروشينكو، المعروف بتبنيه مواقف حازمة حيال روسيا، وترويجه لتشديد العقوبات الغربية المفروضة عليها.

تراجع زيلينسكي وصعود بوروشينكو

ويظهر آخر استطلاع رأي أجراه مركز "رازومكوف" غير الحكومي الأوكراني ونشرت نتائجه مطلع فبراير/شباط الحالي، أنه في حال أجريت الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت، سيصوت نحو 17 في المائة فقط لصالح زيلينسكي، على الرغم من أنه انتخب بأغلبية ساحقة بلغت نسبتها نحو 73 في المائة من الأصوات في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية في إبريل/نيسان 2019.

كما أعرب 62.5 في المائة من المشاركين في الاستطلاع والذين بلغ عددهم الإجمالي أكثر من 1200 شخص، عن عدم تأييدهم لترشح زيلينسكي لولاية ثانية في انتخابات عام 2024. 

في المقابل، ارتفع عدد المستعدين للتصويت لصالح بوروشينكو من نحو 13 في المائة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى نحو 16 في المائة حالياً، بفارق 1 في المائة فقط عن زيلينسكي.

وما زاد من حضور بوروشينكو في المشهدين السياسي والإعلامي الأوكرانيين في الآونة الأخيرة، هو تضييق السلطات الجديدة الخناق عليه، بعد اتهامه من قبل محكمة في كييف نهاية العام الماضي بـ"الخيانة العظمى"، على خلفية إمدادات فحم إلى مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك "المحتلتين" في شرق أوكرانيا، بينما اعتبر الرئيس السابق أن ملاحقته لها أبعاد سياسية.

ويُشتبه في أن بوروشينكو سهّل شراء الفحم لشركات واقعة في شرق أوكرانيا، الخاضع للانفصاليين الموالين لروسيا الذين يخوضون حرباً ضد كييف. وتعود الوقائع إلى عامي 2014 و2015 وتتعلق بحوالى 48 مليون يورو.


يعود تزايد شعبية بوروشينكو، إلى حفاظه على دعم النواة الصلبة من ناخبيه في مناطق غرب أوكرانيا

في السياق، يرجع المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، تزايد شعبية بوروشينكو، إلى حفاظه على دعم النواة الصلبة من ناخبيه في مناطق غرب أوكرانيا، على عكس زيلينسكي الذي خسر دعم سكان مناطق جنوب شرقي البلاد الذين صوتوا له، أملاً في الوفاء بوعوده الانتخابية بتحقيق السلام في منطقة دونباس الواقعة شرق البلاد.

ويقول تشالينكو في حديث مع "العربي الجديد": "لا تزال أوكرانيا بلداً منقسماً وكياناً اصطناعياً، أنشأه البلاشفة في بداية الحقبة السوفييتية قبل نحو قرن، ويضم سكاناً من أصحاب رؤى عكسية تماماً".

ويضيف: "صحيح أن بوروشينكو خسر الانتخابات أمام زيلينسكي في عام 2019، ولكنه لم يخسر ولاء ناخبيه في غرب أوكرانيا الذين رأوه رئيس الحرب، وقائداً عاماً للقوات المسلحة تمكّن عند اندلاع النزاع شرق البلاد في عام 2014 من تعزيز الجيش الأوكراني".

ويتابع تشالينكو: "في المقابل، خسر زيلينسكي دعم ناخبيه في جنوب شرقي أوكرانيا بعد فشله في تحقيق السلام في دونباس، وبات يُنظر إليه على أنه سياسي ضعيف ومهرّج وليس رجلاً صلباً".

ومع عودته إلى المشهد السياسي الأوكراني بقوة، لم يغب بوروشينكو حتى عن المؤتمر الصحافي المشترك للرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، في موسكو مساء الإثنين، حيث أعرب بوتين عن استعداده لمنح اللجوء السياسي لبوروشينكو لـ"أسباب إنسانية"، وذلك في إطار المزايدات الروسية.

إلا أن تشالينكو يجزم باستحالة قبول بوروشينكو عرض بوتين، موضحاً أن ذلك "سيشكل نهاية لمسيرته السياسية، حيث سيعتبره الغرب خائناً، وسيخسر المشاريع التجارية التي يمتلكها في أوكرانيا كرجل أعمال. ومع ذلك، لا يدين عرض بوتين بوروشينكو أمام الرأي العام الأوكراني، إذ إنه لم يطلب لجوءاً سياسياً بنفسه، بل تفاعل مع العرض بسخرية".


خسر زيلينسكي دعم ناخبيه في جنوب شرقي أوكرانيا، بعد فشله في تحقيق السلام في دونباس

فشل تطبيق اتفاقات مينسك بشأن شرق أوكرانيا

وحول رؤيته لأسباب الفشل في تطبيق اتفاقات مينسك الموقعة عامي 2014 و2015، لإنهاء الحرب في شرق أوكرانيا، يقول تشالينكو: "لا يضغط الغرب على كييف للالتزام باتفاقات مينسك، لاعتباره أوكرانيا ضحيةً للعدوان". 

ويضيف: "كما أن الغرب يدرك أنه في حال تطبيق الاتفاقات وحصول منطقة دونباس على وضع خاص، كما هو منصوص عليه في الاتفاقات، فإنها ستكون فعلياً خارج سيطرة كييف، بينما ستتحوّل أوكرانيا إلى كونفدرالية على غرار نموذج البوسنة والهرسك".

ويقلل المتحدث نفسه من أهمية دور الوساطة الفرنسية في تحقيق التهدئة بين روسيا وأوكرانيا. ويقول: "صحيح أن ماكرون قام مطلع الأسبوع الحالي بجولة شملت موسكو وكييف، على غرار تلك التي قامت بها المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، قبل خروجها من السلطة، ولكن وساطته تندرج بدرجة أكبر ضمن الأجندة السياسية الداخلية الفرنسية، وسعيه للإظهار أمام الناخبين قبل الانتخابات الرئاسية (في إبريل/نيسان المقبل)، أنه منع اندلاع حرب كبرى في أوروبا".

من جهته، يعتبر الصحافي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف، أن تراجع شعبية زيلينسكي ليس ناجماً عن التوتر العسكري وحده. ويقول في حديث مع "العربي الجديد" من كييف: "هذه عملية سياسية طبيعية، وزيلينسكي لم يخن المصالح الوطنية لبلده، وليست هناك ذرائع لخروج ميدان ضده، أو تأكيدات لتدبير انقلاب عليه".

وكان زيلينسكي قد حذر نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من أنه يجري التخطيط لمحاولة انقلاب داخلية، مع توريط أثرى رجال أعمال أوكرانيا، رينات أخميتوف، في ذلك، من دون أن تترجم هذه التحذيرات على أرض الواقع.


سكوركين: الأزمة الراهنة بيّنت بوضوح أن النخب الأوكرانية غير جاهزة لتوحيد صفوفها

تأثير التوتر مع روسيا على النظام السياسي الأوكراني

بدوره، يعتبر الصحافي والباحث بشؤون دونباس، قسطنطين سكوركين، أن "النظام السياسي الأوكراني يترنح أكثر فأكثر كلما طالت فترة التوتر العسكري".

وفي مقال بعنوان "زيلينسكي ضد الجميع. كيف غيّر التصعيد السياسة الأوكرانية؟"، نُشر أخيراً بموقع مركز "كارنيغي" للأبحاث في موسكو، يعتبر سكوركين أن الأزمة الراهنة "بيّنت بوضوح أن النخب الأوكرانية غير جاهزة لتوحيد صفوفها، بل تستغل اللحظة الحرجة لتصفية حساباتها".

ويضيف: "تجد مثل هذه المقاربة نوعاً من الاستجابة في المجتمع، إذ لا يتوقع العديد من الأوكرانيين نصراً في حالة الحرب، فيتعطشون لمعاقبة الخونة الداخليين على الأقل".

ويلفت سكوركين إلى أن "المعارضة الأوكرانية؛ سواء كانت موالية لروسيا أم للغرب، تعتبر أي مواجهة متعلقة بالخيار الجيوسياسي، لا سيما إن كانت مثيرة للضجة مثل المواجهة الحالية، ظروفاً ممتازة لزيادة شعبيتها والتهجم على الرئيس زيلينسكي"، مشيراً إلى أن ذلك "يندرج ضمن التقاليد السياسية التاريخية الأوكرانية".

ومع تزايد الانقسام بين الأوكرانيين على ضوء الأزمة الراهنة مع روسيا، دعا زيلينسكي مطلع فبراير/شباط الحالي، إلى الوحدة في السياسة الداخلية للبلاد، قائلاً في كلمة له أثناء افتتاح الدورة الجديدة للرادا العليا (البرلمان الأوكراني) إنه "يمكن معارضة السلطة لا الشعب".