بعد ثلاثة أشهر على الانتخابات الرئاسية الأوغندية، التي جرت في 14 يناير/كانون الثاني الماضي، بدأت تتكشف سبل تعامل السلطات مع المعارضين، خصوصاً لجهة اعتمادها أساليب تتميّز بها الأنظمة القمعية. وتوضح مجريات الأوضاع في كمبالا، أنه على الرغم من فوز الرئيس يوري موسيفني، بولاية رئاسية سادسة، ومدتها خمس سنوات، إلا أن المعارضة التي قادها المرشح الخاسر، بوبي واين، باسم الشباب، بدأت تترسّخ في البلاد، مهددة حكمه. وتطرق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إلى الممارسات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في أوغندا، ومنها استعانتها بمجموعة سيارات من نوع "ميني فان"، بيضاء اللون، لا تحمل لوحات تعريفية، لاعتقال الناس من الشوارع أو من منازلهم. وتنقل الأجهزة الموقوفين إلى السجون ومراكز الشرطة والثكنات العسكرية. لكن المعتقلين تحدثوا في شهادات عدة عن تعرّضهم للتخدير والضرب، كما تُرك بعضهم واقفين في أقبية ممتلئة بالمياه، التي تصل إلى مستوى صدورهم.
اعترف الرئيس باعتقال 242 شخصاً، لكنه وصفهم بـ "الإرهابيين"
وبحسب الصحيفة، فإن الكثير من المعارضين اختبأوا أو غادروا البلاد، مع عزم موسيفني وحكومته على تحجيم المعارضة. وذكر حزب واين، "منصة الوحدة الوطنية"، يوم الجمعة الماضي، أن السلطات اعتقلت 623 عضواً ومناصراً ونواباً تابعين للحزب في الأسابيع الماضية، تعرّض بعضهم للتعذيب. ونقلت عن مواطنين أوغنديين، اعتقادهم بأن حالات الإخفاء القسري، مؤشر لانزلاق البلاد إلى السياسات القمعية للديكتاتوريين، مثل عيدي أمين (وصل بانقلاب عام 1971 ورحل بانقلاب مماثل في عام 1979)، وميلتون أوبوتي (ترأس أوغندا بين عامي 1966 و1971، ثم بين 1980 و1985، وأطاحه موسيفني). وذكر المواطنون أن موسيفني يعتمد الأساليب نفسها التي حاربها سابقاً.
واعترف الرئيس باعتقال 242 شخصاً، لكنه وصفهم بـ "الإرهابيين" و"الخارجين على القانون"، معترفاً بأن وحدة كوماندوس خاصة "قتلت عدداً قليلاً". لكنه نفى في المقابل إخفاء الحكومة لمواطنيها. وتحدث عن "نوايا الخارج لتهديد استقرار أوغندا". من جهته، قال نائب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأوغندية وشؤون قدامى المحاربين، اللفتنانت كولونيل ديو أكييكي، إن "الإرهاب غيّر طريقة عمل بعض العمليات الأمنية في جميع أنحاء العالم". ودافع عن استخدام سيارات "ميني فان" البيضاء، معلّلاً ذلك بأن تلك الأساليب للتعامل مع "المجرمين المتشددين"، لا تُعتمد فقط في أوغندا، بل أيضاً في دول عدة، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا. وأضاف أن ضباط الجيش مدربون تدريباً جيداً في الدفاع عن حقوق الإنسان.
واستهدفت عمليات الاحتجاز والإخفاء، في المنطقة الوسطى بأوغندا وأماكن أخرى من البلاد، شباباً ورجالً ونساء متوسطي العمر، والذين شكّلوا الكتلة الناخبة الرئيسية لواين في انتخابات يناير. مع العلم أن نتيجة الانتخابات، التي انتهت بفوز موسيفني بنسبة 59 في المائة في مقابل 34 في المائة لواين، مشبوهة. وهو ما دفع المرشح الخاسر لتجميع أدلّة من أجل تقديمها إلى المحكمة العليا للطعن بالنتائج، لكنه تخلى عن مسعاه لاحقاً.
وسعت "نيويورك تايمز" للتحاور مع شهود العيان ومعتقلين سابقين. لم يوافق كثر على إجراء المقابلات، خشية من أن يكون الصحافيون عملاء للحكومة. أما الذين وافقوا، فطلبوا اللقاء في أماكن عامة، أو في مقرّ حزب "منصة الوحدة الوطنية". وطلب معظمهم عدم الكشف عن أسمائهم، خشية من ردّ فعل السلطات. وكان المعطى المشترك بين الجميع، هو أن عملية إخفائهم كانت مقصودة لعدم حصول تواصل بينهم وبين عائلاتهم أو محاميهم. واتُهموا بمحاولة تنظيم "ثورة"، في سياق مؤامرة أميركية، علماً أن موسيفني حليف للولايات المتحدة في شرق أفريقيا، ويتلقى مساعدات هائلة سنوياً من واشنطن.
وقال أحد أعضاء "منصة الوحدة الوطنية"، ديفيد موسيري، إنه كان يتسوق في سوبر ماركت في كمبالا في 18 يناير، أي بعد الانتخابات بأربعة أيام، عندما اعتدى عليه ستة مسلحين بملابس مدنية وحقنوه مرتين بمادة جعلته يفقد وعيه. وأضاف أنه "وُضع في الحبس الانفرادي مع تقييد يديه وقدميه مثل معظم المعتقلين". وكشف أن سجانيه استجوبوه حول ما أطلقوا عليه "الخطة ب"، التي اعتبروها "استراتيجية ما بعد انتخاب واين"، مشيراً إلى أن الجنود جعلوه يستمع إلى تسجيلات مكالماته الهاتفية مع مسؤولي الحزب، وركلوه وضربوه بشدة حتى بدأ يتبوّل دماً.
استهدفت عمليات الاحتجاز والإخفاء، الكتلة الناخبة الرئيسية لواين في انتخابات يناير
من جهته، تحدث سايروس سامبوا كاساتو، وعيناه تندفعان وهو يتحدث ويده تشد المسبحة حول رقبته: "لم أكن أعرف ما إذا كنت سأخرج حياً أم ميتاً". وتحدث عن ظروف اعتقاله، لافتاً إلى أن ضباطاً بملابس مدنية أخذوه من اجتماع الكنيسة في 8 فبراير/شباط الماضي، وألقوا به مغطّى الرأس في سيارة وجلدوه. وذكر أن الاستجواب كان عبارة عن أسئلة تمحورت حول أدلة "تزوير الانتخابات التي جمعها وما إذا كان قد أرسلها إلى حزب واين". وتحدث عن أنه كان مقيداً بالسلاسل، وكانت قدماه بالكاد تلامسان الأرض، وضربه ضباط الجيش بسلك حديدي.
وفي أواخر شهر فبراير الماضي، وُجّهت لكساتو تهمة "التحريض على العنف" خلال احتجاجات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التي قتلت فيها قوات الأمن عشرات الأشخاص، وهي اتهامات ينفيها. وبعد الإفراج عنه بكفالة، قال إنه لا يزال يعاني من آلام جسدية شديدة، وإن أطباءه نصحوه بالحصول على الرعاية الطبية خارج أوغندا.
ووضع المحامي في ملف حقوق الإنسان، نيكولاس أوبيو، التطور القمعي في أوغندا، في سياق محاولة موسيفني منع بروز أصوات معارضة له، مشيراً إلى أننا "نشهد تحوّل أوغندا إلى الشمولية الكاملة".
(العربي الجديد)