أوروبا نحو زيادة الإنفاق الحربي: حرب روسيا تطيح لغة السلام

02 مارس 2022
زادت ألمانيا ميزانيتها في تبديل لسياسة عمرها عقود (Getty)
+ الخط -

ليس ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كما بعده. وبالنسبة للقارة الأوروبية التي تشهد أكبر صراع عسكري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن مرحلة السلام، وصناعة السلام، التي طغت ما بعد نهاية الحرب الباردة، قد ولّت. وبعد سنوات طويلة من التقشف العسكري، تعود دول كثيرة في القارة العجوز، للبحث في زيادة إنفاقها العسكري، لمواجهة التحديات التي فرضها الغزو الروسي، و"جنون" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أغلق الباب أمام الخيار الدبلوماسي لحلّ الأزمة الأوكرانية، وأعاد اجتياحه صياغة التحديات الجيوسياسية للغرب، الذي كان يتحضر للالتفات نحو آسيا. 

ولم تكن أوروبا قد أدارت ظهرها بالكامل للخطر الروسي، قبل الغزو. لكن لغة الدبلوماسية وخيار جذب موسكو إلى خاصرتها الغربية من بوابة الحوار والوصول إلى أرضية مشتركة للتفاهم، كانا من ضمن مقترحات كثيرة وأهواء يميل إليها بعض زعماء أوروبا، ومنهم ألمانيا وفرنسا، اللتان فتحتا خط تواصل عريضا مع الكرملين.

وجاء الغزو الروسي اليوم، بمثابة صفعة كبيرة لهذه الجهود، ودقّ ناقوس الخطر في أوروبا، ما دفع دولاً عدة، وعلى رأسها ألمانيا، للإعلان عن زيادة، أو عزمها، أو بحثها زيادة إنفاقها العسكري، رداً على ما فرضه الغزو من "أخطار". ووصلت ألمانيا، التي تعد أكبر اقتصاد في أوروبا، بإعلانها زيادة إنفاقها العسكري، إلى نسبة الـ2 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، التي طالبتها به الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وجاء الإعلان الألماني، على لسان المستشار أولاف شولتز، ليرفع الأسهم الدفاعية في الولايات المتحدة وأوروبا، وبالأخص أسهم شركات مثل "لوكهيد مارتن" و"رايثون" الأميركيتين، و"رينمتال" الألمانية، و"تاليس" الفرنسية و"ليوناردو" الإيطالية. 

وفيما دق جرس الإنذار في أوروبا، عقب الغزو الروسي، لعودة الإنفاق على التسلح، بدا الأمر مشابهاً لتداعيات جائحة كورونا، التي استفاقت معها القارة العجوز، والولايات المتحدة أيضاً، على واقع "هشاشة العولمة" في ما خصّ انهيار سلاسل الإمداد. لكن الواقع الحربي المستجد في القارة، يحمل مخاطر كبيرة لجهة عودة سباق التسلح في العالم، ومنه أيضاً السلاح النووي، مع إمكانية انهيار اتفاقات دولية للحد من سباقات التسلح.

قاد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، إلى إعادة تقييم أوروبي للمخاطر والاستراتيجيات العسكرية، دون تعديل في الميزانيات العسكرية

وينسحب الخطر، ليس فقط على أوروبا، وأميركا، اللتين غذّت أسلحتهم لوقت طويل حروباً كثيرة في العالم، ومنها في الشرق الأوسط، من دون أن تصل إلى أبوابها، بل على منطقة شرقي آسيا. ففي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ترتفع نسبة التوترات عالياً بين الصين وخصومها. ويبدو خطر حصول صدام عسكري في مياه بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، أو إقدام الصين على اجتياح تايوان، ماثلا. ودعت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، أخيراً، بعد الغزو الروسي، إلى العمل على صياغة "اتفاقات نووية" مع الولايات المتحدة، مستوحاة من اتفاق "أوكوس" الأسترالي البريطاني الأميركي. 

هكذا، يعيد الغزو لأوكرانيا، حمى التسلح إلى العالم، بداية من أوروبا، التي لم تخرج بعد من تداعيات كورونا الاقتصادية. لكن ذلك أيضاً يضع شعوب القارة، خصوصاً جيل ما بعد الحرب الباردة، أمام واقع جديد، فرضته المتغيرات العسكرية، حيث كان الاتجاه يميل إلى تقليص العسكرة لحساب الأولويات البيئية والمعيشية ورفاهية الشعوب.

وكان هذا التوجه قد ظهرت أولى ملامحه بعد ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، لكن بحسب معهد "سيبري" (معهد استوكهولم الدولي لدراسة السلام"، فإن الضمّ قد قاد إلى إعادة تقييم أوروبي للمخاطر والاستراتيجيات العسكرية، ودفع حلف الناتو إلى تطوير "خطة رد سريع" وانتشار قواته بالتناوب لإجراء تمرينات في دول البلطيق. كما أن دولاً أوروبية عدة، خصوصاً القريبة من روسيا، قد بحثت خططاً لزيادة إنفاقها العسكري، وقد تمّت ملاحظة ذلك في ميزانيات العام 2015 وما بعده، لكن "لم تظهر سوى إشارة متواضعة جداً لإمكانية حصول تبدل في مؤشرات انخفاض الإنفاق العسكري، حيث بدت خطط التقشف طاغية لسد عجز الميزانيات". وفي العام 2020، بحسب المعهد، فإن الإنفاق العسكري وصل إلى 1.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في دول الاتحاد، وفي منطقة اليورو.  

دعت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية، أخيراً، بعد الغزو الروسي، إلى العمل على صياغة "اتفاقات نووية" مع الولايات المتحدة، مستوحاة من اتفاق "أوكوس" الأسترالي البريطاني الأميركي. 

اليوم، تعود الأصوات داخل الحكومات الأوروبية، والكثير منها التي تقودها أحزاب يسار أو يمين الوسط، للارتفاع مطالبة بزيادة الإنفاق على التسلح، وتعزيز القدرات العسكرية، ليس فقط لمواجهة التهديد الروسي، بل لكي لا تكون في موقع "متأخر" عسكرياً، قياساً بما يمكن أن تنتهجه الدول الأخرى في محيطها. كما خرجت دعوات مماثلة في بريطانيا والولايات المتحدة، ما يفرض تحدياً جديداً على رئاسة جو بايدن في واشنطن خصوصاً. 

ألمانيا

بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد احتاج الأمر إلى "غزو بلد قريب"، و"خطر حصول هجوم نووي"، و"صور لمدنيين يواجهون الدبابات الروسية"، لتقرر ألمانيا تبديل عقيدة معادية للعسكرة في سياستها الخارجية، كانت ولدت من رحم جرائم الرايخ الثالث. 
وأعلن المستشار الألماني، أولاف شولتز (الحزب الديمقراطي الاجتماعي)، في 27 فبراير/شباط الماضي، أمام جلسة خاصة للبرلمان (البوندستاغ)، عزم بلاده زيادة الإنفاق العسكري لأكثر من 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، على أن يبدأ ذلك فوراً بضخّ 113 مليار دولار لتحديث القوات المسلحة. ورأت دانييلا شوارزر، مديرة قسم أوروبا وأوراسيا في مؤسسات "أوبن سوساييتي"، أن شولتز "يسعى إلى خلق تموضع استراتيجي جديد لألمانيا" بعد الأحداث الأخيرة. يذكر أن ألمانيا كانت تعهدت في 2014 بزيادة إنفاقها العسكري لحدود 2 في المائة خلال عقد (وهو هدف وضع لدول حلف شمال الأطلسي)، لكن التوقعات قلّلت من إمكانية تحقيق برلين لهذا الهدف.

إيطاليا

لحاقاً بقرار ألمانيا "التاريخي"، اعتبر رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي الأسبوع الماضي، أيضاً، في كلمة له أمام مجلس الشيوخ، أن الغزو الروسي لأوكرانيا يجب أن يكون "محفزاً" لـ"استثمار روما، ودول الاتحاد الأوروبي، أكثر في الدفاع، معتبراً أن الغزو "يشكل نقطة مفصلية في تاريخ أوروبا". كما دعا دراغي إلى الإسراع في إنشاء القوة الأوروبية المشتركة لتكون "مكملّة للناتو". وظلّ الإنفاق العسكري في إيطاليا بحدود 1.3 في المائة، طوال السنوات الماضية.

السويد

أعلنت رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون، الأسبوع الماضي، أمام الحكومة، رغبتها في زيادة القدرات العسكرية لبلادها، بعد الغزو الروسي. وأوضحت أندرسون، أن "القدرات الدفاعية السويدية، يجب تعزيزها، مع المضي قدماً في إعادة التسلح"، مؤكدة أنها ستعمل على إطلاق محادثات للحصول على تمويل إضافي. وقالت: "نحن لسنا معرضين لخطر هجوم مباشر من روسيا، لكن مستوى الخطر العام قد ارتفع".

يذكر أنه بعد نهاية الحرب الباردة، قلّصت السويد، وهي ليس عضوا في الناتو، لكنها تتعاون مع الحلف عسكرياً بشكل وثيق، بشكل لافت ميزانياتها العسكرية، لكن البرلمان قرّر حصول تغيير هذا الوضع بعد ضمّ روسيا للقرم، ما جعله يعيد الخدمة العسكرية الإلزامية في 2017. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، رفع البرلمان ميزانية الدفاع بحدود 40 في المائة، على أن يدعمها بـ2.3 مليار دولار إضافي كل عام من 2021 إلى 2025، حين ستصل إلى 11 مليار دولار، وهي أعلى زيادة دفاعية في هذا البلد منذ 70 عاماً (أنفقت السويد 6.45 مليارات دولار على الدفاع في 2020). كما تقتضي الخطة بزيادة عديد القوات المسلحة من 55 ألفا إلى 90 ألفا بحلول عام 2030.

رومانيا

قال الرئيس الروماني كلاوس إيوهانيس إن على بلاده زيادة إنفاقها الحربي، من 2 إلى 2.5 في المائة، بعد الغزو الروسي. ولفت إلى أن ذلك يتطلب موافقة الحكومة والبرلمان، لكن الهدف الرئيسي "هو رفع السقف". ورومانيا هي عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وتتقاسم 650 كيلومترا من الحدود مع أوكرانيا.

الولايات المتحدة

دعا زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الإثنين الماضي، إلى تضمين ميزانية بلاده المقبلة، زيادة بحدود 5 في المائة، على الإنفاق العسكري، لمواجهة "تهديدات طويلة المدى للمصالح الأميركية من الصين وروسيا".