- واجهت خلال ولايتها الأولى انتقادات حول إدارة أزمة كوفيد-19، سياسات الطاقة الخضراء، موقفها من الحرب على أوكرانيا، دعمها لإسرائيل، وتعاملها مع قضايا الهجرة.
- تسعى في ترشحها للولاية الثانية لتعزيز الإنفاق الدفاعي ودعم أوكرانيا، مع التحديات المتمثلة في صعود اليمين المتطرف والحاجة لتأمين دعم البرلمان الأوروبي الجديد.
تستعد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين لخوض تحدي الولاية الثانية على رأس المفوضية، بعدما أعلنت عن ترشحها لهذا الاستحقاق، المقرّر إجراؤه عقب جولة انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل وحصلت الأسبوع الماضي على تأييد حزب "الشعب الأوروبي" الذي ينتمي إلى يمين الوسط ويعد أكبر حزب سياسي في الاتحاد الأوروبي، للترشح مرة أخرى أمام البرلمان الأوروبي الجديد ليتبقى أمامها أن تحوز على أكثر من نصف أصوات الأعضاء، لتفوز بهذا المنصب لمرة ثانية، كأول سيدة منذ تأسيس المفوضية الأوروبية عام 1958، في أعلى هيئة تنفيذية في الاتحاد الأوروبي الذي يتكون من 27 دولة.
سبق لفون ديرلاين، أن تولت عدة مناصب وزارية منذ دخولها ميدان العمل الحكومي في بلدها ألمانيا، كان أبرزها تولي منصب وزيرة الدفاع في حكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل في الفترة ما بين 2013 و2019، حيث برزت على الصعيد الخارجي، قبل أن تترشح إلى منصبها الحالي عام 2019، وتفوز بنسبة ضئيلة من الأصوات.
وقالت فون ديرلاين، في بيان ترشحها للولاية الثانية: "لقد ترشحت في عام 2019 لأنني أؤمن بشدة بأوروبا. أوروبا هي موطني، تماماً مثل ولاية ساكسونيا السفلى". وأضافت أن "الحدس" هو الذي قادها لتعلن ترشحها في المرة الأولى. ووصفت ترشحها اليوم، بعد مرور خمس سنوات، بأنه "قرار واعٍ للغاية".
أورسولا فون ديرلاين... ولاية أولى صعبة
تعد ولاية أورسولا فون ديرلاين الأولى إحدى الفترات الصعبة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، الذي واجه عدة تحديات مهمة، منها على وجه الخصوص، وباء كوفيد 19، والحرب الروسية على أوكرانيا، وحرب إسرائيل على غزة.
يتعين على فون ديرلاين أن تحصل على ترشيح حزب "الشعب الأوروبي" عن يمين الوسط
هي المرشحة الوحيدة لهذا المنصب حتى الآن، ومن المؤكد أن أعضاء البرلمان الأوروبي سوف يقيّمون حصاد الولاية الأولى، قبل أن يضعوا ورقة نعم أو لا في صناديق الانتخابات، وسيأخذون في عين الاعتبار البرنامج المستقبلي الذي ستنهض به.
أول المآخذ على رئاسة فون ديرلاين الأوروبية هو إخفاق الاتحاد الأوروبي، مؤسسات وحكومات، في مواجهة وباء كورونا على مستويات عدة، منها عدم القدرة على إنتاج لقاح موحد، وفشله في اتباع سياسة واحدة لتوزيع اللقاحات، وبروز تنافس فاضح بين الدول، كما قامت بعض الدول المنتجة للقاحات باحتكارها، وتأمين الكفاية لمواطنيها، وعدم أخذ المصلحة الأوروبية المشتركة بعين الاعتبار.
ما يسمى بفضيحة "فايزرغيت"، في إشارة إلى الرسائل النصية التي تبادلتها فون ديرلاين مع الرئيس التنفيذي لشركة الأدوية العملاقة "فايزر" ألبرت بورلا، لإبرام صفقة لقاح ضخمة في عام 2021، شوّهت فترة ولايتها الأولى. وأدى ذلك إلى رفع دعوى قضائية من صحيفة "نيويورك تايمز" ضد المفوضية الأوروبية، بسبب فشلها في توفير الوصول إلى هذه النصوص.
والمأخذ الثاني هو فشل أوروبا في تشكيل موقف عسكري وسياسي مستقل، حيال حرب روسيا على أوكرانيا، ولم تتمكن بعد مرور عامين على الحرب، حتى في الاتفاق على سياسة موحدة، بصدد استيعاب ملايين اللاجئين الأوكرانيين.
وقيل مرات عديدة إن فون ديرلاين تعتمد في الوقت الحالي على واشنطن في الحصول على المعلومات الاستخبارية، وذلك في تحوّل عن المعلومات التي تنقلها إليها الوكالات الاستخبارية الأوروبية، والتي أساءت تقدير الغزو الروسي لأوكرانيا.
إخفاق الاتحاد الأوروبي بمواجهة كورونا وبالتوحد حيال الغزو الروسي وفشل سياسات الطاقة الخضراء من المآخذ على ولاية فون ديرلاين
المأخذ الثالث هو عدم نجاح برنامج سياسات الطاقة الخضراء، الذي خصصت له المفوضية الأوروبية عدة مليارات يورو، وهو لم يؤمن إلى اليوم الطاقة النظيفة على مستوى القارة، كما لم يحقق الاكتفاء الذاتي.
ولم يتقدم برنامج الطاقة الخضراء، ولكنه يثير خلافات بين الدول الأعضاء، وبرز ذلك على نحو خاص بين أهم بلدين في الاتحاد، فرنسا وألمانيا، رأس قاطرة الاتحاد، وتأخذ باريس على برلين استفادتها أكثر من المشروع.
خلال ولايتها الأولى، قادت فون ديرلاين خطة إنعاش أوروبية ضخمة، بقيمة 750 مليار يورو، ممولة بدين مشترك غير مسبوق، وهو رمز ملموس للتضامن الأوروبي. بعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، أظهرت بصوت عالٍ دعمها لكييف، وطوّرت استراتيجية لإنهاء الاعتماد على موسكو في مجال الطاقة.
ولم تنعكس تلك الخطة بشكل ملموس خلال العامين الماضيين، وبرزت مشاكل سياسات الطاقة الموحدة على مستوى أوروبا خلال حرب روسيا على أوكرانيا، عندما قررت روسيا استخدام ورقة الغاز كسلاح ضغط ضد أوروبا، وظهر عدم وجود موقف جماعي ولا سياسة موحدة، وتحمّلت كل دولة على حدة أعباء الفاتورة من دون توزيع عادل للأعباء على المستوى الاتحادي.
مواقف متأرجحة وأحادية
الملف الآخر المتفجر على صعيد أوروبا، يتعلق بالهجرة بشقيها النظامي وغير النظامي، لكن أكثر ما خلق خلافات خلال العامين الأخيرين هو موضوع الهجرة غير النظامية التي تعاني منها إيطاليا على وجه الخصوص، بسبب تدفق لاجئي القوارب من شرق المتوسط.
ولجأت كل من إيطاليا وفرنسا إلى تشديد الإجراءات الأحادية غير المتوافقة مع المعايير الأوروبية، من أجل مواجهة تدفق المهاجرين، ما أخذ يهدد مواثيق الاتحاد الأوروبي الخاصة بالتنقل الحر للأفراد ورؤوس الأموال داخل دول الاتحاد الأوروبي من دون قيود.
المسألة الأخرى مثار الخلاف هي حرب إسرائيل على غزة، والتي بدت فيها أوروبا غير موحدة، وكل دولة اتّبعت سياسة خاصة مختلفة عن الآخرين. وبرزت عدة مواقف أوروبية حيال ذلك في طليعتها ألمانيا، التي وقفت بشكل فجّ إلى جانب إسرائيل.
وهناك كتلة أخرى اختارت لزوم موقف متأرجح في البداية، ثم اتجهت نحو الوسط مثل فرنسا، وهي تحاول أن تدفع الآن باتجاه وقف إطلاق نار، وبدء مفاوضات سياسية تقود إلى حل على أساس حل دولتين.
كما وقفت إسبانيا والنرويج وإيرلندا بقوة مع وقف إطلاق النار، وتكثيف المساعدات الإنسانية، وعدم قطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا". وشكّل هؤلاء حالة نافرة داخل الموقف الأوروبي.
وفي وسط ذلك، اختارت فون ديرلاين موقف دولتها ألمانيا المساند لإسرائيل، وكانت من بين أوائل المسؤولين الدوليين الذين قصدوا تل أبيب، لإبداء التضامن معها بعد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ولم تجد مواقف رئيسة المفوضية رد فعل مناسب تجاه هذه الخطوة التي لا تعد الأولى، حيث سبق لها أن صرحت في ذكرى قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، أن الأخيرة "جعلت الصحراء تزهر"، بحسب زعمها.
إذ أثارت فون ديرلاين ردود فعل واسعة، عندما بعثت رسالة تهنئة مسجلة عبر "تويتر" بمناسبة مرور 75 عاما على قيام دولة الاحتلال، قالت فيها إن إسرائيل هي "الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط"، وإنها جعلت "الصحراء تتفتح".
التصريح يتعارض مع التزام الاتحاد الأوروبي بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، كما أنه يخالف القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها التي تعترف بنكبة الشعب الفلسطيني، وسببها قيام دولة إسرائيل.
وتعد تصرفات فون ديرلاين أحادية ولا تراعي الرأي العام الأوروبي، ومواقف شعوب أوروبا من القضية الفلسطينية، التي تحظى بتأييد واسع، وهذا ما عكسته التظاهرات الكبيرة على مستوى أوروبا للتضامن مع غزة.
أبرز تعهدات فون ديرلاين لانتزاع فترة ولاية ثانية على رأس المفوضية، التركيز على برنامج لزيادة الإنفاق الدفاعي، ولعب دور فعّال في إظهار دعم الاتحاد الأوروبي المستمر لأوكرانيا، في سعيها لصدّ الغزو الروسي واسع النطاق.
ويرى مراقبون أن التعهدات التي أطلقتها فون ديرلاين بصدد الدفاع والتسليح هي من أجل تعزيز موقفها، إذ قالت في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، إنها إذا أصبحت الرئيسة المقبلة للمفوضية، فإنها "ستنشئ منصباً جديداً لمفوض الدفاع للإشراف على دعم بروكسل لصناعة الدفاع الأوروبية".
وتريد من وراء ذلك تقديم مزيد من الدعم المالي لمصنعي الأسلحة الأوروبيين، من خلال دعم عقود الإنتاج المشترك، واتفاقيات الشراء، التي من شأنها ضمان شراء المنتجات على المدى الطويل.
اختارت فون دير لاين موقف دولتها ألمانيا المساند بالكامل لإسرائيل
وتأمل فون ديرلاين أن تحقق في ولايتها الثانية ما بدأه زعماء الاتحاد الأوروبي، الذين فتحوا محادثات الانضمام سياسياً مع كييف في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بناءً على توصية المفوضية الأوروبية.
ولا يبدو أن هذا الأمر رهن رغبة فون ديرلاين، بقدر ما يتعلق بمواقف الدول الأعضاء، التي أخذ دعمها لأوكرانيا يتراجع، على الرغم من أن القمة الأوروبية التي انعقدت الشهر الماضي أعلنت عن حزمة مساعدات مهمة على مدى عدة سنوات. كما أن عضوية أوكرانيا لا تحظى بالإجماع، وهناك من يعارضها علناً، كما هو شأن المجر.
هناك الكثير من المتاعب في طريق فون ديرلاين لولاية ثانية. ولبقائها في المنصب، تحتاج رئيسة المفوضية الأوروبية إلى ترشيحها من قبل القادة الأوروبيين، بعد تأكيد البرلمان الأوروبي عليها في تصويت عام.
ولا يعد تأييد القادة الأوروبيين أوتوماتيكياً، مع أن فون ديرلاين تحظى بتأييد المستشار الألماني أولاف شولتز الذي عارض نهاية العام الماضي، تعيينها في منصب الأمين العام لحلف الأطلسي (ناتو) خلفاً لينس ستولتنبرغ، من أجل ترشحها لرئاسة المفوضية، وهذا ما أكدته صحيفة "دي فيلت" الألمانية في وقت سابق، نقلاً عن مصادرها.
في عام 2019، حظيت فون ديرلاين بدعم في البرلمان الأوروبي من قبل ائتلاف يضم حزب "الشعب الأوروبي" المحافظ، والاشتراكيين، ومجموعة التجديد الليبرالية. لكن ذلك لم يمنحها سوى أغلبية ضئيلة بتسعة أصوات، أي 383 صوتا.
ومع الصعود المتوقع لليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة، ليس هناك ما يشير إلى ما إذا كان الائتلاف المكون من ثلاثة أحزاب، سيحظى بما يكفي من الأصوات لدعمها مرة أخرى، خصوصاً أن ثمة شكوكا حول ما إذا كانت ستحظى بدعم من أعضاء البرلمان الأوروبي اليمينيين، الذين يعارضون سياساتها الخضراء.