كرّس الرئيس الأميركي باراك أوباما، خطابه الأخير عن حال الاتحاد الذي ألقاه، مساء الثلاثاء، للدفاع عن سجله الرئاسي، محاولاً إزالة انطباع "الرئيس الضعيف" عنه الذي خلقته في أذهان الناس هجمات الساعين إلى خلافته. وعلى الرغم من سيطرة الأوضاع الداخلية على خطاب أوباما، إلا أنه لم يغفل التطرّق إلى الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إضافة إلى الحرب في سورية.
وبدا من خطاب أوباما سعيه الترويج، إلى أن الولايات المتحدة تواجه خطراً مزدوجاً، يغذي بعضه التطرف الداعشي والتطرف الترامبي (نسبة إلى دونالد ترامب)، منكراً وجود حرب عالمية ثالثة يخوضها العالم ضد تنظيم "داعش".
ولتأكيد قوته وقدرته على مواجهة الأخطار، عمد أوباما إلى استحضار أدلة قوية على عدم ضعفه، معيداً تذكير الأميركيين بأن في عهده تم قتل مؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، والقضاء على العشرات من كبار قادة "القاعدة" في اليمن، واعتقال أبو ختالة الليبي المتهم بالتورّط في الهجوم على المنشآت الدبلوماسية الأميركية في بنغازي وغير ذلك من الأمثلة.
لكن محاولات أوباما التدليل على قوته كرئيس، لم تمنع تسرّب شائعة مفادها أن ضعفه أمام انتقادات خصومه الجمهوريين، أجبره على حذف فقرة تتضمن الإشارة بالاسم إلى أحد ضيوفه من المدعوين حضور خطاب حال الاتحاد، وهو اللاجئ السوري، رفاعي حمو، الذي تم تكريمه بالجلوس إلى جانب السيدة الأميركية الأولى، ميشيل أوباما، لتسليط الضوء على قضية اللاجئين التي أصبحت مثار جدل سياسي.
وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يتطرّق أوباما في خطابه إلى اللاجئ الذي قضى سبعة من أفراد أسرته نحبهم تحت أنقاض منزله، وهو ما اضطره للفرار من بلاده حتى وصل إلى الولايات المتحدة في العام 2013. وفوجئ متابعو الخطاب بخلوه من اسم حموـ الذي يحمل الدكتوراه في الهندسة المدنيةـ باعتباره مثالاً بارزاً على أن اللاجئين السوريين مجبرون على الرحيل غير مخيرين. وتردد في واشنطن أن أوباما الذي اعتاد في خطاباته السابقة إيراد أمثلة حية تخدم سياق خطابه، قرر حذف اسم رفاعي حمو، مكتفياً بإشارات عامة مقتضبة عن قضية اللجوء.
ولم يغب الشأن العربي عن خطاب الرئيس الأميركي، فهو أكد رفضه إرسال قوات برية إلى سورية على الرغم من وجود قوات أميركية خاصة، لكنه قال، إن الولايات المتحدة "تُدرّب وتسلّح وتدعم القوات التي تستعيد الأرض في سورية والعراق". وأضاف: "إذا كنتم تشكون في التزام أميركا، أو التزامي، إحقاق العدل، فاسألوا أسامة بن لادن".
كما كان موضوع المواجهة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" حاضراً في خطاب أوباما، وعلى الرغم من اعترافه بالتهديد الذي يمثّله "داعش"، فقد قلّل من شأن التنظيم، قائلاً إنه "لا يشكّل خطراً وجودياً على الولايات المتحدة، إذ إن التآمر من داخل الشقق والمخابئ لن يدمر الولايات المتحدة". وتحدى الرئيس الأميركي أعضاء الكونغرس، أن يصوّتوا على شنّ إعلان الحرب على "داعش" وتحمّل المسؤولية، محاولاً بذلك تذكيرهم، أن التقاعس يأتي من جانبهم وليس من الرئاسة، وهو ما ظهر من خلال كلامه اللاحق، أن الشعب الأميركي يعارض التورّط في حرب تهدد حياة الجنود الأميركيين على الأرض.
اقرأ أيضاً: "الجمهوريون" يردّون على الخطاب الأخير: أوباما عاجز تماماً
وكان لافتاً خروج الرئيس الأميركي عن التقليد المتعارف عليه في الالتزام بالتكليف الدستوري الذي حرص عليه جميع الرؤساء الأميركيين السابقين، بتقديم تقرير للكونغرس الأميركي على هيئة خطاب شفوي أو مكتوب عن حال الاتحاد، حيث إن خطاب أوباما ابتعد عن صفة التقرير، وغلب عليه طابع المواجهة والتحدي مع أعضاء الكونغرس، وتعامل مع الجمهوريين منهم كخصوم حزبيين، على الرغم من تحذيره في صلب خطابه من تبعات الخصومة الحزبية.
وظهر أوباما، وهو يؤكد قوة البلاد وقوة الرئيس وقوة الاتحاد، كأنه يقدّم كذلك براهين على التمزق الحزبي في بلاده. هذا الأمر انتقده معلّقون جمهوريون، قائلين، إنه لم يقدّم تقريراً للكونغرس بصفته رئيساً حالياً، وإنما تحدث كأنه رئيس سابق يقدّم المواعظ والنصائح لصاحب القرار.
وعلى الرغم من أن الهدف التقليدي من هذا الخطاب، حسب ما دأب عليه معظم الرؤساء السابقين، هو محاولة توحيد الصفوف وجمع الكلمة، إلا أن تزامُن الخطاب مع عام انتخابات رئاسية جعل من الصعب على أوباما أن يتجاوز الجو الساخن السائد بين الحزبين المتنافسين على البيت الأبيض. كما كان من الصعب عليه أن يفوّت الفرصة الأخيرة له للدفاع عن سجله، والرد على التهم الموجهة إليه بالضعف، وهو ما استدعى توجيه هجمات قوية على مناوئيه لتحقيق نقاط انتصار.
وفي محاولة من أوباما في بداية الخطاب لتلطيف الأجواء، خرج عن النص المكتوب، وقال ممازحاً: "أعرف أن بعضهم مستعجل للعودة إلى آيوا (الولاية التي تجري فيها أولى التصفيات الحزبية للانتخابات)، ولهذا أتعهد لهم أن خطابي، هذا العام، لن يكون طويلاً بل سيتناسب مع الفترة القصيرة المتبقية لي في البيت الأبيض".
لكن الإشارة الأكثر دلالة وتعبيراً عن الثقة بالحزب الذي يمثله، هي قول أوباما، إنه لن يتحدث عن السنة الأخيرة المتبقية له في الرئاسة فقط، بل سيركّز على السنوات الخمس المقبلة، وربما العشر سنوات وما بعد ذلك. ويبدو أنه أراد بذلك أن يقول، إن الرئيس المقبل في البيت الأبيض سيكون من الحزب الديمقراطي، محبطاً آمال الجمهوريين في خلافته، ومحققاً لحزبه دعماً انتخابياً معنوياً، أكدته الابتسامة الواسعة التي ارتسمت على وجه السيناتور الديمقراطي، بيري ساندرز، الذي يُقال إنه مرشح أوباما المفضّل لخلافته في منصبه إذا أراد الناخبون استمرار التوجّه الليبرالي السائد حالياً في البيت الأبيض.
وانتقد أوباما مرشح الحزب الجمهوري المحتمل، دونالد ترامب، من دون أن يذكره بالاسم لتصريحاته المعادية للمسلمين، متهماً إياه بخدمة تنظيم "الدولة الإسلامية" من دون دراية. وقال الرئيس الأميركي: "لن نكون أكثر أماناً بإهانة المسلمين"، مضيفاً: "هذا خطأ تماماً. هذا يقلل من شأننا في عيون العالم. هذا يجعل من الصعب علينا أن نحقق أهدافنا".
وكان ترامب، قد دعا إلى منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. وقال أوباما، إن مثل هذه الأفكار تخدم "داعش" بما فيها وصف قتال "داعش" بحرب عالمية ثالثة، مشيراً إلى أن "مثل هذه الدعاية يستغلها التنظيم في التجنيد والاستقطاب بترديد أكذوبة أنه ممثّل لأحد أكبر الديانات في العالم".
ولم يتأخر الجمهوريون في الرد على خطاب الرئيس الأميركي، عبر خطاب متلفز قرأته القيادية البارزة في الحزب، حاكمة ولاية ساوث كارولينا، نيكي هالي، قالت فيه، إنّ أوباما "إما أن يكون عاجزاً تماماً أو غير راغب في أداء ما يجب عليه أن يؤديه". وأضافت موجهة خطابها للأميركيين: "لستم سذجاً ولا نحن كذلك كي نقبل الاستغباء".
كذلك وُجّهت انتقادات قوية لتجاهل أوباما في خطاب حال الاتحاد، البحارة الأميركيين الذين احتجزتهم إيران تحت مبرر اختراقهم المياه الإقليمية الإيرانية. وكان أبرز منتقدي أوباما السيناتور تيد كروز، الساعي لتمثيل الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية. وقال كروز، في تصريحات تلفزيونية، إنّ أوباما لم يتجاهل البحارة الأميركيين فقط، بل تجاهل كذلك ذكر هجمات باريس وهجوم كاليفورنيا "وكأنه يعيش في عالم آخر غير عالمنا".
اقرأ أيضاً: خطاب أوباما الأخير: أميركا أقوى أمة في العالم