أهداف الغرب من "شفافية" الحديث عن خطط روسيا العسكرية.. "حرب أعصاب تفاوضية"

20 فبراير 2022
تأتي التصريحات الغربية حول موعد الغزو الروسي لأوكرانيا بإطار الضغط على موسكو (Getty)
+ الخط -

تزايد مؤخرا الجدل حول أهداف واشنطن وأوروبا من تكثيف الكشف العلني عن حجم وأهداف الحشود العسكرية الروسية حول أوكرانيا، الأمر الذي دفع خبراء في الشأن الروسي والدفاعي إلى اعتبار ذلك أنه يأتي في سياق "حرب الأعصاب" في التفاوض مع روسيا.

تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، ليلة الجمعة/ السبت، عن هجوم وشيك واستهداف العاصمة الأوكرانية كييف، بعيد ساعات من نشر وزارة الدفاع البريطانية فيديو يوضح بلغة إخبارية حجم الحشود الروسية والسيناريوهات المتوقعة، مع ملاحظة اختتام التقرير بالحديث عن الخيار الدبلوماسي، ليست وغيرها بمعزل عما يُطلق عليه "حرب أعصاب على طاولة التفاوض".

وتسليط الضوء على كل التفاصيل دفع الروس، يوم 14 فبراير/شباط الجاري، للخروج متهكمين من مواعيد "بدء اجتياح أوكرانيا"، مطالبين بتذكيرهم بالموعد الدقيق في المرة القادمة، فيما يبدو أن الغرب غير مكترث للتهكم الروسي ومحاولته تكذيب المعلومات.

ويذهب بعض الخبراء والمحللين في الشأن الروسي والدفاعي إلى تقديم أجوبة عن أهداف الغرب الحقيقة من الحديث عن حجم الانتشار العسكري الروسي، أو حتى حول مواعيد اجتياح أوكرانيا، حيث لا يرى هؤلاء أنها مجرد "أخطاء غربية" في التحليل والمواقيت، بل تندرج في خانة "حرب أعصاب" بين الطرفين.

ويرى خبراء أن روسيا تبث خطابًا عن أوروبا بـ"دافع من واشنطن"، التي تعيش حالة "خوف زائف من روسيا، يمكن قراءتها كتهديد للقارة العجوز".

"شفافية" متعمّدة تغضب موسكو

الرسائل الموجهة من الغرب إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقول له "نعرف ما تخطط له ونراقبك"، وفقا لملحق الدنمارك العسكري السابق لدى أوكرانيا كلاوس ماتيسين في تصريحات للتلفزة الدنماركية السبت.

واعتبر هذا الخبير في الشأن الروسي، وهو اليوم أستاذ مشارك في "أكاديمية الدفاع" في كوبنهاغن، أن تصريحات الغرب "ليست اعتباطية". كما يقرأ الخبير بيانات واشنطن وحلف شمال الأطلسي عن "نوايا وتحركات موسكو" أنها تأتي "في إطار استراتيجية حرب أعصاب مقصودة في التفاوض"، كما ينظر إلى مناورات موسكو الأخيرة باعتبارها تأتي بهدف "نشر أجواء عدم اليقين، وسط اعتقاد بأن ذلك يمنحها قوة في التفاوض".

أكثر من ذلك، فإن عددا من الخبراء يرى أن الاصطفافات الغربية الأخيرة، مثل موافقة كوبنهاغن على نشر قواعد أميركية في خطوة غير مسبوقة باعتبارها زيادة في جرعة العسكرة وتحالفاً أقوى بين ضفتي الأطلسي، أحد نتائج التوتر الأخير.

ومن وجهة نظر الخبير في الشأن الدفاعي ماتيسين، فإن حرب الأعصاب الحالية "تكتيك أميركي متعمد. هم يطرحون جميع المعلومات على الطاولة، مستفيدين من تجربة الارتباك بعد احتلال جزيرة القرم في 2014".

ويرى أن سياسة طرح المعلومات الاستباقية للرأي العام هي في إطار القول إن "الغرب يعرف ما تخفيه روسيا، وذلك يساهم في تبديد المبادرات العسكرية الفجائية".

غير بعيد عن ذلك، فإن ما يجري من تطورات على مدار الأيام الماضية في شرق أوكرانيا يعده مراقبون أحد الأمثلة التي يقدمها الغرب لتأكيد صحة الإشارة السابقة إلى أن موسكو "تخطط لافتعال ذريعة للغزو"، وهذه المرة بفيديو قصف مدفعي أمس السبت أثناء وجود طواقم صحافية مع مسؤولين أوكرانيين عند نقاط التماس.

من جهته، يذهب الكرملين، على لسان المتحدث باسمه دميتري بيسكوف، إلى اتهام الغرب وتصريحاته عن "هجوم وشيك" بـ"المساهمة في تصعيد التوترات"، واصفا التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي بأنها "هستيريا إعلامية".

ويرى خبير آخر في الشؤون الدفاعية في الدنمارك يدعى فيغو ياكوبسن أن التقارير الاستخبارية الغربية عن زيادة الحشود الروسية "عكس ما تدعيه موسكو، يضعها في موقف صعب ومتناقض". ويعتبر أن الروس الآن "في حالة غضب شديد بسبب الشفافية الغربية. فهم أرادوا الغموض ورقةَ تفاوض لانتزاع تنازلات مكتوبة، لأن معظم المؤشرات تضع اللوم على الروس في حال نشوب مواجهة عسكرية، فلا أوكرانيا ولا (الناتو) سيبدوان في موقف المبادر".

وفي ألمانيا، التي قاطعت موسكو فيها مؤتمر ميونخ، يذهب ستيفان مايستر، أحد أبرز خبرائها في الشؤون الروسية، إلى اعتبار "الشفافية القصوى" عدوا رئيسا لبوتين.

ويقرأ مايستر ردود أفعال موسكو على الشفافية والكشف عن تحركاتها العسكرية بتسريب مطالبها من الغرب، وهو يشير بذلك إلى نشر الصحافة الغربية تسريبا روسيا متعمدا لمطالب تتمثل بشكل رئيس في "سحب الغرب جميع الأسلحة التي سلمت إلى أوكرانيا، إضافة إلى سحب واشنطن جميع قواتها من وسط وشرق أوروبا، ومن دول البلطيق"، مع الإشارة إلى أن اتخاذ عكس ذلك "سيضطر روسيا لاتخاذ إجراءات عسكرية".

ويعتبر ستيفان مايستر أن نشر الغرب معلومات صريحة عن التحركات الروسية "جزء واعٍ من الاستراتيجية الذكية. فهم يظهرون للروس باستمرار: نحن نرى ما تفعلونه، ولا يمكنكم الخداع للحصول على أعذار لبدء الهجوم".

وشدد مايستر، في سياق قراءات غربية كثيرة، على أن زيادة الحديث عن اقتراب الهجوم تساهم بكشف تكتيكات موسكو لفرض تنازلات، معتبراً أن "ممارسة أقصى قدر من الشفافية، والدعوة إلى الحوار، لا يأتيان في مصلحة موسكو".

وتزايد كشف تحركات روسيا وتوجيه الاتهامات لها بالوقوف وراء القرصنة السيبرانية وخوض حرب هجينة يجعلان الأوروبيين والأميركيين يتعاملون مع السياسة الأمنية الأوروبية بالدفع نحو تعزيز حلف شمال الأطلسي، وفقا لما يتفق فيه مايستر مع عدد واسع من الخبراء الأوروبيين والأميركيين.