استمع إلى الملخص
- بيربوك، التي زارت تل أبيب ست مرات في عام، تتبنى مواقف متطرفة ضد الفلسطينيين، مما يعكس تواطؤًا مع السياسات الإسرائيلية ويثير استياء الألمان.
- الخطاب السياسي الأوروبي، خاصة في ألمانيا، يدعم السياسات الإسرائيلية على حساب حقوق الفلسطينيين، مما يثير قلقًا بشأن العلاقات الدولية ويضع أوروبا في موقف محرج.
في بعض بلدان أوروبا تتخذ أحزاب تطرف قومي أسماء من مثل الحرية والتقدمية والديمقراطية والشعبية، وغيرها. يخال للمرء أنها تدل على الجوهر، بينما هي غارقة في شعبوية وكراهية "الآخر". وفيها، حيث يشيخ فهم قيمها ومبادئها، ليس صدفة أن نجد ساسة يتلطون خلف خدعة تصنيفهم الأخضر أو الأحمر، فيلتقون مع أضدادهم المفترضين في علاقتهم بجيرانهم في الضفة الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط. برلين ليست استثناء. ففيها يثير اسم وزيرة خارجية المستشار أولاف شولتز، أنالينا بيربوك، غضب شبان ألمان يصفونها بأنها "متسلقة على ظهر حزب الخضر". خطابها الأخير حيال قيمة المدنيين الفلسطينيين لا يعبر عنها وحدها، وإن كان البعد الشخصي يؤدي دوراً فيه. فعند جيل ألماني شاب، عصارة ما قدمته بيربوك هو حرفياً "استعلائية استعمارية-عسكريتارية".
وبعد سادس زيارة إلى تل أبيب خلال عام واحد، سقط عنها قناع كياسة الدبلوماسية، لتخاطب الألمان بقناعاتها الحقيقية حول قبول أفكار حرق وإبادة بحق الفلسطينيين، تماماً كما يبشر رفاقها الصهاينة مثل نظيرها الإسرائيلي يسرائيل كاتس ووزير الأمن يوآف غالانت ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وبالطبع على رأسهم مفضلها "الفورر" (التي ترتبط بالزعيم النازي أدولف هتلر وتعني القائد) رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. في لعبتها المفضوحة منذ 12 شهراً شاءت بيربوك أن تشيح بنظرها بعيداً، إذا ما ضُبطت الصهيونية على طبيعتها الإجرامية، كما في حفلات التعذيب السادية في معتقلات شبه نازية في النقب جنوبي فلسطين المحتلة، وربط جريح فلسطيني بسيارة عسكرية، أو الدفع بالعشرات نحو أنفاق ومنازل مكبلي الأيادي كدروع بشرية، تماماً مثلما تتخذ قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" اليوم في جنوب لبنان دروعاً لدباباتها.
يبدو أن بيربوك، كغيرها ممن يعيش العطب القيمي الأوروبي-الغربي، لا تعرف من التاريخ سوى "مقتل مئات الإسرائيليين في السابع من أكتوبر"، وأما عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين واللبنانيين، وغيرهم، فهي جرائم حرب مبررة، تحت يافطة باتت من السخف أن تسمى "حق الدفاع عن النفس". وبالطبع هي "حق" احتكاري للصهاينة، وبكثير من أسلحة ألمانيا وأميركا. على المقلب الآخر فإن أنالينا بيربوك تعرف أن في بلدها جيلا شابا جديدا، بات حرفياً يتمرد على سياسات وطنه حيال عدالة قضية فلسطين. وهؤلاء ممن رفعوا منذ نحو عام صورتها مع زميلها في الحزب روبرت هابيك ومستشارها شولتز وأياديهم تقطر دماً تعبيراً عن مشاركتهم في جرائم الحرب الصهيونية في قطاع غزة. يؤكد هؤلاء، وبينهم يهود معادون للصهيونية، أن بيربوك لا تخاطب الخارج فقط، بل الداخل "في سياق سياسات استعمارية وإمبريالية جديدتين". ففي برلين بات ما يجري مقززاً حتى للألمان.
نعم قد تبدو وزيرة خارجية برلين مرتاحة، كغيرها من ساسة الغرب المراقبين لمشهد الهوان الرسمي العربي، مطمئنين إلى أن شيئاً لن يعكر صفو مصالحهم، وإن حولوا المنطقة العربية إلى ملطشة التعطش إلى فاشية استباحة قيمة حياة أهلها. مع ذلك، فالخطاب المريض والمهووس بمركزية الذات، حفاظاً على رمي "المسألة اليهودية" على كاهل المنطقة منذ أكثر من 76 سنة، باتباع بوصلة الشقيق الأميركي الأكبر، بات في جوهره المكشوف أخطر بكثير مما يُظن في حالة الطمأنينة الخداعة. والمسألة إذ لا تتعلق فقط بخطابة مربوطة بالتاريخ الدموي لألمانيا النازية، وغيرها في القارة، بل بممارسة تقولها صريحة: نعم سنواصل إرسال كل التقنيات العسكرية التي تقتلكم وتجوّعكم وتبيدكم، وستبقى مصالحنا طالما بقيت مستعمرتنا إسرائيل بأمان، فعلى بيربوك ومن يشبهها في أوروبا مراجعة التاريخ جيداً. فخسائرهم ليست فقط بين مئات ملايين الجيران العرب، بل مليارات من البشر الذين يراقبون سير أوروبا غير الذكي نحو التغطية العسكرية والسياسية على جرائم تطهير وإبادة، وقبل هذا وذاك نسف كل المواثيق والقوانين الدولية. فليس التاريخ فقط من لا يرحم، بل حتى المستقبل المنظور. أمر ولا شك تساهم في تسارعه ألمانيا وغيرها.