سلّط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته خلال اليوم الأول من أعمال الجمعية العامة في الأمم المتحدة، الضوء على القضايا العالقة التي لا تزال تشكّل مصدرًا للنزاعات في المنطقة، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية، مشدّدًا على مركزية الحوار والحلول السلمية والقانون الدولي إطاراً لإنهاء تلك الأزمات.
وقال أمير قطر في مستهل كلمته: "يرسل لقاؤنا حضوريا إشارة إلى العودة لمسار الحياة العادي، من دون التخلي عن وسائل الحماية والوقاية، بعد جائحة خلفت ضحايا وأزمات اقتصادية واجتماعية لا حصر لها".
وأضاف قائلًا تعليقًا على جائحة كوفيد 19 "ألهمتنا الجائحة الكثير من الدروس، بينها أهمية الموازنة بين الحرص على صحة الناس ودوران عجلة الاقتصاد"، مشددا على ضرورة التوزيع العادل للقاحات، ووصولها إلى دول الجنوب، ومكافحة وباء آخر، هو "وباء الأخبار الكاذبة، والتشكيك في اللقاحات".
وأكد أن بلاده "اتبعت مسارا فعالا وناجحا في التصدي للجائحة، وقد بينت التجربة أن النجاح في هذا التحدي مرهون بمقدرات الدولة، لا سيما في مجال الصحة العامة، وأيضا بوعي المواطنين".
وأوضح أن الدوحة "لم تتوان كذلك في تقديم الدعم للمؤسسات المعنية خلال الجائحة، وكذلك الدول المتضررة"، مضيفا: "دعمنا منظمة الصحة العالمية والمبادرة الإنسانية لتوفير اللقاحات للفئات الأكثر ضعفا والدول الأكثر احتياجا".
وتطرّق إلى موضوع النزاعات باعتباره "يلقي على كاهل الأمم المتحدة أعباء ثقيلة، تشكل منطقة الشرق الأوسط مصدرا كبيرا لها"، مؤكدا مبدأ الحل السلمي لهذه النزاعات.
وقال إن بلاده "لا ترى مقاربة للحل مع إيران سوى في الحوار المتبادل، وهذا ينطبق أيضا على الاتفاق النووي"، مؤكدًا أن الدول التي تعارض العودة إلى الاتفاق هي نفسها مقتنعة بأن الحل السلمي هو الحل الوحيد الممكن.
وقال في سياق آخر "على المجتمع الدولي مسؤولية تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وذلك بإقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967، عاصمتها القدس الشرقية، وكذلك الحل العادل لقضية اللاجئين، وإنهاء احتلال الأراضي العربية".
ومضى قائلًا: "يظهر للبعض من حين لآخر أنه يمكن تهميش القضية الفلسطينية، والالتفاف على قضية وطنية عميقة الجذور بطروح اقتصادية من قبيل تحسين الوضع الاقتصادي للسكان تحت الاحتلال، بدلا من إزالة الاحتلال"، مستطردا: "جاءت الاحتجاجات في الشيخ جراح وسلوان لتؤكد مركزية القضية الفلسطينية".
وعرّج على الشأن الأفغاني، المستجدّ الأبرز على الساحة الدولية هذه الأيام، وقال إن الانسحاب الأميركي شكل منعطفا حساسا للغاية، "وتقع على عاتق المجتمع الدولي المساهمة في تحقيق الاستقرار الشامل في هذا البلد الذي عانى ويلات الحرب منذ عقود"، مبينا أن دولة قطر "لم تدخر جهدا في عمليات الإجلاء الإنسانية خلال الأيام الماضية".
وجدد أمير قطر دعوة المجتمع الدولي إلى "فصل المساعدات الإنسانية عن القضايا السياسية"، وحث العالم على الحوار مع "طالبان"، لأن القطيعة "تؤدي فقط إلى الاستقطاب وردود الفعل، أما الحوار فيمكن أن يأتي بحلول إيجابية".
وقال: "ليست المسألة في أفغانستان مسألة انتصار أو هزيمة، بل مسألة فرض نظام سياسي من الخارج، وبغض النظر عن النوايا والجهود التي بذلت والأموال التي استثمرت، فقد انهارت هذه التجربة بعد 20 عامًا في أفغانستان، وقد توصل العالم إلى استنتاجات صحيحة في هذا الشأن".
واستطرد: "من الضروري تجنب الانزلاق إلى التطرف المضاد بتخلي الدول الكبرى عن وظيفتها في قضايا السلم العالمي"، مستدركًا: "ثمة فرق بين فرق الوصاية على الدول الأخرى، وبين قيام الدول الكبرى بواجباتها في تنفيذ القرارات والمواثيق الدولية".
وأضاف: "كنا واثقين أن الحرب لا تشكل حلا، وأنه في نهاية المطاف سيكون هناك حوار، وتصرفنا على هذا الأساس حينما استضفنا مكتبا لـ(طالبان) بطلب من شركائنا الدوليين، وقد ثبتت صحة هذا الموقف".
ومضى إلى القول: "لا يعقل أن تفرض دول على دول أخرى شكل النظام السياسي الذي تراه مناسبا، وأن تتخلى من ناحية أخرى عن دول وصلت إلى نفس نظام الحكم المنشود بدعم شعوبها ومن دون تدخل خارجي".
وأكد أمير قطر أن "رهان بلاده على المؤسسات الدولية والتعاون الدولي هو رهان استراتيجي"، مضيفا "نتطلع لافتتاح بيت الأمم المتحدة في الدوحة قريبا".
وقال إن "إعلان العلا"، في إشارة إلى القمة الخليجية التي استضافتها السعودية وكانت إعلانًا لانتهاء الأزمة الخليجية، هو "تجسيد لمبدأ حل الخلاف بالحوار على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، ونحن واثقون من ترسيخ هذا التوافق الذي حصل بين الأشقاء".
وتطرّق كذلك إلى الأزمة السورية قائلًا إنه "لا ينبغي أن يدير العالم ظهره" إلى ما يجري هناك، "مثل ما حصل مؤخرا إبان قصف مدينه درعا وغيرها، وقد يأتي يوم نتذكر فيه هذا الإهمال لمعاناة البشر من الظلم بأسف شديد"، قائلًا إنه يتعين على المجتمع الدولي مضاعفة الجهود لإنهاء هذه الأزمة وفقا لإعلان جنيف، وتنفيذا لقرار مجلس الأمن 2254.
وبخصوص اليمن، شدد أمير قطر على المبادرة الخليجية إطاراً للحل هناك، مشددا كذلك على "وحدة اليمن وسلامة أراضيه".