أمير عبد اللهيان... دبلوماسي محافظ مقرّب من الحرس الثوري الإيراني

20 مايو 2024
وزير خارجية إيران الراحل حسين أمير عبداللهيان، طهران 23 أكتوبر2023 (فاطمة بهرامي/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني المحافظ، لقي حتفه في حادث طائرة مع الرئيس إبراهيم رئيسي. بدأ مسيرته الدبلوماسية في 1997 وتدرج في مناصب متعددة، وعُين وزيراً للخارجية في 2021، مستفيداً من علاقاته مع فيلق القدس وحزب الله.
- خلال فترة وزارته، واصل المفاوضات النووية مع الغرب وحافظ على نهج دبلوماسي هادئ، محققاً تفاهمات مع الإدارة الأميركية بما في ذلك صفقة تبادل سجناء في 2023، وعمل على تعزيز العلاقات الإقليمية والحوار لحل المشاكل الإقليمية.
- نشر عدة مؤلفات تناولت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط والديمقراطية في العراق الجديد، مسلطاً الضوء على تجربته ورؤيته الدبلوماسية، مؤكداً على أهمية الحوار والعلاقات الإقليمية في تحقيق الاستقرار.

بعد مرور أقل من ثلاثة أعوام على توليه حقيبة وزارة الخارجية الإيرانية، قتل حسين أمير عبد اللهيان، يوم أمس الأحد، في حادث تحطم طائرة كانت تحمله مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في محافظة أذربيجان الشرقية، شمال غربي البلاد. وكان عبد اللهيان معروفاً بانتمائه إلى التيار المحافظ وبقربه من الحرس الثوري الإيراني، ولعل هذا ما ساهم في ترشيحه لمنصب وزير الخارجية خلفاً للإصلاحي محمد جواد ظريف.

ولد أمير عبد اللهيان عام 1964 في مدينة دامغان الواقعة في محافظة سمنان، وسط إيران، وفقد والده في طفولته وهو في السابعة من عمره لتتولى أمه وشقيقه الأكبر رعاية العائلة، وتزوج في عام 1994 وله بنت وصبي.

حصل أمير عبد اللهيان على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدبلوماسية من كلية العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الإيرانية في عام 1991، ثم أكمل الماجستير بالعلاقات الدولية في جامعة طهران عام 1996 قبل أن ينال الدكتوراه من الجامعة نفسها وفي الفرع نفسه. وكان عبد اللهيان يجيد اللغتين العربية والإنكليزية، ودرّس لفترة في كلية العلاقات الدولية التابعة للخارجية الإيرانية وكان من مؤسسي مركز الدراسات الشرق أوسطية الإيراني.

مسيرة أمير عبد اللهيان

تولى عبد اللهيان أول مناصبه الدبلوماسية في عام 1997 كنائب للسفير الإيراني في بغداد، واستمر في هذا المنصب حتى عام 2001، تدرج بعد ذلك سريعاً في المناصب الدبلوماسية، حيث أصبح نائب المدير العام لشؤون الخليج في الخارجية الإيرانية من 2002 إلى 2007، وفي الفترة نفسها تم تعيينه أيضاً نائباً لمبعوث خاص لوزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متكي، في عهد حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد.

لاحقاً، عُين أمير عبد اللهيان سفيراً لبلاده في البحرين من 2006 إلى 2010، ثم شغل منصب المدير العام لشؤون الخليج والشرق الأوسط عام 2010، وبعد عام تولى منصب نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية حتى العام 2016، عندما عزله وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف وعُين مكانه الدبلوماسي المخضرم حسين جابري أنصاري.

بعد عزله من قبل ظريف، عينه رئيس البرلمان الإيراني السابق المحافظ علي لاريجاني مساعداً خاصاً ومدير عام الشؤون الدولية للبرلمان، كما أوكلت إليه الأمانة العامة للمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية المشكل منذ انتفاضة الأقصى في إيران.

مرحلة الوزارة

بعد فوزه بالرئاسة الإيرانية، عين إبراهيم رئيسي، في أغسطس/آب 2021، أمير عبد اللهيان وزيراً للخارجية في حكومته، التي تُعد الحكومة الـ13 في عهد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وما جعل الطريق معبداً أمام عبد اللهيان لتولي المنصب، الذي يحتاج إلى ضوء أخضر من المرشد، هو قربه من "فيلق القدس" و"الميدان" الإقليمي الإيراني الذي يمثله الفيلق، فضلاً عن علاقاته الجيدة مع حزب الله اللبناني ومجموعات حليفة لإيران في المنطقة منذ توليه الأمانة العامة لمؤتمر الانتفاضة.

وورث عبد اللهيان ملفات شائكة في السياسة الخارجية الإيرانية، وفي مقدمتها المفاوضات النووية المتعثرة وعلاقات إقليمية ودولية متوترة، إلا أنه وعلى عكس المحافظين، كان يعبر عن انتقاداته للسياسات الأميركية في المنطقة على نحو هادئ وبلغة دبلوماسية.

مواصلة المسار التفاوضي مع الغرب

بعد توليه الوزارة، واصل أمير عبد اللهيان المفاوضات النووية الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي من خلال كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، الذي قيل ِإنه عينه في المنصب بناء على توصيات رئاسية. وواصل عبد اللهيان مسيرة ظريف التفاوضية لإحياء الاتفاق، وخاضت وزارته جولتين منها هما السابعة والثامنة في فيينا من أصل ثماني جولات، غير أن المفاوضات الرامية إلى ذلك تعثرت وتوقفت منذ سبتمبر/أيلول 2022.

وجاء استمرار المفاوضات النووية في عهد عبد اللهيان في إطار توجه مختلف للحكومة الإيرانية الجديدة عن سابقتها، حيث ظل رئيسي يؤكد على استمرار الحكومة في المفاوضات لرفع العقوبات وفق استراتيجية الاستدارة نحو الشرق وموازنة في العلاقات مع الغرب والشرق، أي روسيا والصين.

يعرف أمير عبد اللهيان بأنه دبلوماسي هادئ رغم مواقفه وأدبياته المحافظة وعدم خروجه عن هذا السياق، ولم يسجل من قبله موقف متشدد تجاه الاتفاق النووي، عكس علي باقري كني الذي كان يُعرف بأشد خصوم الاتفاق قبل توليه منصب كبير المفاوضين الإيرانيين الحالي، حيث أصبح يميل إلى إحياء الاتفاق وبذل جهوده في هذا السياق بناءً على الاستراتيجية الجديدة للحكومة الإيرانية، التي تركز على استمرار المفاوضات لرفع العقوبات وفي الوقت نفسه عدم انتظاره والعمل على إبطال مفاعيل العقوبات.

ورغم أن المفاوضات النووية لم تسجل اختراقاً في عهد عبد اللهيان، لكن الخارجية الإيرانية توصلت إلى تفاهمات خلال هذه الفترة مع الإدارة الأميركية عبر الوسطاء وخاصة الوسيط العماني والقطري والسويسري، توجت بصفقة تبادل السجناء في عام 2023، التي شملت الإفراج عن أرصدة إيرانية مجمدة في كوريا الجنوبية بقيمة ستة مليارات دولار، وإفراج طهران عن خمسة إيرانيين يحملون الجنسية الأميركية، وأفرجت واشنطن عن خمسة إيرانيين كانت تحتجزهم لأسباب ترتبط بانتهاك العقوبات المفروضة على إيران.

كما تواصلت المفاوضات السرية غير المباشرة بين طهران وواشنطن في محطة عُمان خلال السنوات الماضية، وتوجت أحياناً بتفاهمات جزئية بشأن خفض التوتر والتصعيد في المنطقة على خلفية تصعيد إيران تخصيبها اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60 في المائة، وأيضاً تصعيد حلفاء إيران في العراق وسورية الهجمات على القوات الأميركية خلال العامين الماضيين.

لكن الحرب الإسرائيلية على غزة عطلت استكمال هذا المسار باتجاه التوصل إلى اتفاق، ورغم ذلك لم تتوقف المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين، إذ أكدت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة، يوم الجمعة الماضي، استئناف هذه المفاوضات في مسقط هذا الأسبوع بعد شهر من الهجوم الإيراني على أهداف إسرائيلية رداً على استهداف المبنى القنصلي التابع للسفارة الإيرانية بدمشق في إبريل/نيسان الماضي.

نشاطه الإقليمي

قدم أمير عبد اللهيان منذ توليه حقيبة الخارجية خطاباً يتناسب مع استراتيجية رئيسي بشأن إعطاء الأولوية في العلاقات الخارجية لدول الجوار، داعياً في السياق إلى الحوار الإقليمي لحل المشاكل الإقليمية مع تحميل قوى خارجية، على رأسها الولايات المتحدة، مسؤولية تدهور الأمن في الشرق الأوسط.

ورغم استعادة إيران والسعودية علاقاتهما الدبلوماسية في عهد عبد اللهيان، إلا أنه ووزارته لم يكونا بشكل مباشر في صلب الحوار مع السعودية لإحياء العلاقات الدبلوماسية في العاشر من مارس/آذار 2023 بعد نحو ثماني سنوات من القطيعة، وكانت المباحثات الإيرانية السعودية تجري على مستوى أمني بين أمين مجلس الأمن القومي الإيراني السابق علي شمخاني، ورئيس الاستخبارات السعودية خالد بن علي الحميدان. وبعد هذا التطور في العلاقات الإيرانية السعودية، استعادت إيران علاقاتها أيضا مع السودان وجيبوتي ومالديف.

وقاد أمير عبد اللهيان حملة دبلوماسية إيرانية مكثفة منذ شن الاحتلال الإسرائيلي الحرب على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتحشيد الدول بغية وقف الحرب. وزار عبد اللهيان عدة مرات العاصمة القطرية خلال الشهور الثمانية الماضية لإجراء مباحثات مع القيادة القطرية وقادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فضلاً عن إجراء اتصالات مكثفة مع نظرائه في العديد من دول العالم وخاصة دول المنطقة، كما قام بزيارة لبنان وسورية وأجرى مباحثات مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بيروت وقادة حركات المقاومة الفلسطينية في لبنان وسورية.

مؤلفات ومقالات

نُشرت لأمير عبد اللهيان عدة مؤلفات، هي:

  • الاستراتيجية الأميركية للاحتواء المزدوج، إصدار عام 1999.
  • الديمقراطية المتناقضة للولايات المتحدة الأميركية في العراق الجديد، إصدار عام 2007.
  • إخفاق المشروع الأميركي للشرق الأوسط الكبير في ظل الصحوة الإسلامية، عام 2012.
  • صباح الشام، عام 2020، الكتاب عبارة عن ذكريات أمير عبد اللهيان. ويتناول فيه تاريخ العلاقات الإيرانية السورية. وألف الكتاب محمد محسن مصحفى بناء على هذه الذكريات.

كما كتب أمير عبد اللهيان عدة مقالات نُشرت في مجلات وفصليات داخلية، منها استراتيجية الاحتواء المزدوج ومشروع داماتو الأميركي، والاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن، والأزمة السورية والأمن الإقليمي المتأزم.