اجتمع الرئيس الأميركي جو بايدن، في البيت الأبيض الجمعة، مع رؤساء سبع شركات أميركية رئيسية تعمل في "تطوير منتجات" الذكاء الاصطناعي، وتباحث معهم في مختلف جوانب هذه القفزة النوعية الجديدة المفتوحة على المجهول، الإيجابي والسلبي في آن واحد.
وكان سبق له أن التقاهم قبل شهرين، نظراً لأهمية الموضوع الذي ما زال من الصعب التنبؤ بمدى آفاقه، واحتمالات انفلاته، وخروجه عن السيطرة والضوابط، وبما ينتهك مقتضيات السلامة والأمان.
في كلمته بهذه المناسبة، أكّد أمرين: أنه حظي بالتزام أرباب هذه الصناعة بمراعاة شروط "السلامة والأمن الفردي والقومي، والثقة" في هذا المجال، وأنه تقدم بمشروع قانون لتأسيس 7 مراكز أبحاث، مهمتها المساعدة في توجيه اختراقات هذه الصناعة، وضمان "استمرار تطويرها بطريقة مسؤولة"، تضمن تعزيز منافعها، وقطع الطريق على مخاطرها التي قد تصبح "وجودية"، كما يحذر بعض الخبراء في هذا الحقل.
وعلى هذه الخلفية، يأتي تحرك البيت الأبيض لاستباق الطفرة الواسعة في هذا الميدان، بالبحث عن صمامات أمان، وضوابط توفر الطمأنة، وتزيل القلق من تطبيقات هذه التكنولوجيا وأنظمتها الآلية، التي تنطوي على أخطار، وتهديدات، وإساءات قد تطول سائر المجالات، وبما يطيح المفاهيم والمعايير المعتمدة في تسيير وتنظيم الحياة وعلاقاتها.
ففي جلسة لإحدى لجان مجلس الشيوخ أخيراً للاستماع إلى إفادات المعنيين في هذا الشأن، سُلِّطَت الأضواء على احتمالات مرعبة، مثل استخدام هذا الذكاء الاصطناعي للتضليل المتعمّد، وممارسة التمييز، وانتحال الهوية، واستنساخ الصوت، وتأجيج الحساسيات والتنافر والعداوات، وغير ذلك من التشويهات، والانتهاكات، والخروقات التي تقلب النظام المتعارف عليه رأساً على عقب.
ومن أهم المخاوف، أن إساءة استخدام هذا التطور، يمكنها أن تسبّب اضطرابات أمنية، فضلاً عن خطر استعماله للقرصنة، واللجوء إلى استخدام أسلحة محظورة في غير مكان من العالم، أو إلى إنتاج أسلحة جديدة من صنع هذا الذكاء. وأكثر ما يقلق فيه، أنه قد يثير الاضطراب في سوق العمل بارتفاع البطالة نتيجة لحلول الآلة مكان الإنسان، وما يؤدي إليه ذلك من فوضى وتداعيات اجتماعية وأخلاقية مدمّرة.
وما أعطى هذه المخاوف جرعة من الجدية، أن الأب الروحي وأحد علماء هذه النقلة الهائلة، جيفري هينتون، قد استقال من منصبه الرفيع في "خادم غوغل"، محذراً من أن هذا الذكاء قد يُستخدم في الحروب الطاحنة. وفي استطلاع أخير أجرته جامعة يال المرموقة، قال 42 بالمائة من كبار رؤساء الشركات، إن لهذا التحوّل قدرة على "تدمير البشرية" في غضون عشر سنوات، وربما خمس سنوات، فيما رأى 58 بالمائة أن هذا التقدير مبالغ فيه.
في المقابل، كشفت تجارب مبكرة عن حسنات كبيرة لهذا الفتح التكنولوجي الواعد، على رأسها القطاع الطبي. تقول مصادر "مايو كلينيك"، أشهر مركز طبي في الولايات المتحدة، إن هناك شقاً من هذه التكنولوجيا يتعلق بالتنبؤ بالأمراض واستكشافها المبكر، كسرطان الأمعاء، يساعد جداً، أكثر من أي وسيلة أخرى، في تسريع التشخيص، وبالتالي في الخلاص من المرض في بداياته. وبهذا المعنى فهو "يكمّل الطبيب ولا يشكل البديل له".
ومن المتوقع حسب هذه التجربة، أن تتعمم الاستعانة بهذه القدرة لمعالجة هذا النوع من السرطان. وهذه بداية منافع الذكاء في الحقل الطبي. والتوقعات تتحدث عن فتوحات متوالية في المعلومات الجينية، وقضايا هامة أخرى مثل سخونة المناخ، والحاجة إلى كبحها، وكذلك في القطاع الزراعي، وتطوير إنتاجها بكفاءة أعلى، وغيره من سائر ألوان النشاط البشري.
ثورة لا ينكر المتفائلون بها مخاطرها المخيفة. "تهديد الذكاء الاصطناعي حقيقي"، تقول البروفسورة الطبية لينا وان. لكن التصدي لأخطاره ممكن من خلال صمامات الأمان التي ينبغي أن ترافق تطبيقاته. فهو ابتكار محمّل بالأخطار، وبالاختصار، في آن واحد. سيف بحدّين. المؤكد أن قطاره انطلق وإلى غير رجعة، برغم ما يرافق رحلته من "رعب".
القيود وآليات الرصد التي توضَع لضبطه تطمئن، لكنها لا تضمن إحكام القبضة عليه ومنعه من الخروج عن المقبول، وذلك لسبب جوهري، وهو أن عالمه بلا حدود، ومجالات الانفلات فيه لا حصر لها، ولديها قدرة على التناسل، وتوليد مسارب مفخخة تستعصي على التحكم بها. الرهان هنا على الشفافية. وفي عالم السرعة والهاتف الجوال والإنترنت، صار "الذكاء الاصطناعي" تحصيل حاصل ومطلوباً.
في أحد الاستطلاعات، 72 بالمائة من الأميركيين مع المضي في تطويره. صار من وجبة العصر. أسهم شركات تصنيعه سجلت أرقاماً قياسية في تعاملات بورصة نيويورك منذ بداية العام الجاري (آبل، إن فيديا، تسلا، وغيرها). مغامرة محتومة.