كشف استطلاع غير مألوف في موسم الانتخابات الأميركية، أن "31 % من مؤيدي المرشح الديمقراطي جو بايدن لن يسلّموا بفوز ترامب و26 % من أنصار الرئيس لن يقبلوا بفوز بايدن". نسبة لافتة لرفض غير مسبوق من نوعه. وأهميته، بل خطورته، أنه لم يأت كرد انفعالي، بقدر ما جاء كصدى لخطاب رافض مشحون بالتحدي من قبل قيادات الطرفين، ولو أن الرئيس ترامب هو الذي بادر بفتح هذا الباب حين أعلن عن عدم التزامه المسبق بانتقال سلمي للسلطة لو خسر، مردداً في أكثر من مناسبة: "سنرى".
ردت عليه قيادات ديمقراطية باللغة نفسها، إذ دعت هيلاري كلينتون المرشح بايدن إلى "عدم الموافقة" لو فاز ترامب بالرئاسة. ومع أنها لا تتحدث باسم حملة بايدن، ودعوتها لم تتكرر، فإن مجرد طرح فكرة التنكر لشرعية النتائج والتمرد عليها بهذه الصورة الجدّية من قبل الطرفين أثار مخاوف حقيقية وعلى كافة المستويات من احتمال انفلات الأمور ونشوب نزاع مجهول العواقب، خاصة لو دخل الشارع على الخط، وهو مأزوم أصلاً بفعل كورونا وتداعياتها، ومشحون سياسياً وعنصرياً إلى أقصى الدرجات.
الحديث عن "نهاية الديمقراطية" وعن "خطر التسلط والفردية " في الحكم، وما أدى إليه من "تآكل" المؤسسات، صار من مواضيع الساعة في الإعلام والأكاديميا ودوائر الأبحاث وتعليقات المحللين. كما تحولت هذه المقولات إلى عناوين الكثير من الكتب التي صدرت في الآونة الأخيرة، والتي تراوحت مواضيعها بين التحذير من مغبة "الهبوط " الذي بلغته حالة التداعي، وبين الحث على وجوب الإسراع في التصحيح والإصلاح؛ آخرها كان كتاب الباحث والأستاذ الجامعي، دافيد روثكوف، بعنوان "الخيانة: تاريخ الغدر في أميركا من بانديكت أرنولد حتى ترامب". وأرنولد هو جنرال اميركي انشق عن الثورة الأميركية وانضم إلى القوات البريطانية الغازية.
الحديث عن "نهاية الديمقراطية" وعن "خطر التسلط والفردية " في الحكم، وما أدى إليه من "تآكل" المؤسسات، صار من مواضيع الساعة
ومن هنا، صار الحديث متداولاً بدون حرج لدى بعض الأوساط، عن اللجوء إلى وسائل كاسرة وخارجة عن الساري لحسم التباين. رجل الدين بات روبرتسون، وهو واحد من زعماء الطائفة الإنجيلية المحافظة، يتنبأ "باندلاع حرب بعد الانتخابات"، وهو ليس وحده في التحذير بمثل هذه اللغة غير المعهودة عشية انتخابات رئاسة توالت المؤشرات والتلميحات عن كثرة صواعقها.
في ظل هذه الأجواء، تدخل أميركا الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية. الأيام المتبقية منها صارت حرق وقت بانتظار الموعد. فهي لا تقدم ولا تؤخر في انقلاب الميزان، سوى بدرجات بسيطة لتوسيع أو تضييق الفجوة، إلا إذا حصل طارئ من الوزن الثقيل، أو انكشفت سقطة كبيرة. عموماً، في مثل هذا الوقت، وبهذا الفارق (تدرّج باستمرار من 6 إلى 8 ثم إلى 10 نقاط لصالح بايدن)، يكون ما كُتب قد كٌتب. فما عاد لدى المرشحين شيء جديد لتسويقه. الصورة باتت واضحة وغالبية الناخبين قد حسمت أمرها.
ثم إن 55 مليون ناخب حتى الآن قد أدلوا بأصواتهم في الاقتراع المبكر. وقد يصل الرقم إلى ما يزيد عن 75 مليوناً قبل 3 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك من أصل 150 إلى 165 مليون أميركي من المتوقع أن يشاركوا في هذه الانتخابات. التركيز الآن يجري على انتخابات مجلس الشيوخ المحتمل انقلاب المعادلة فيه لصالح الديمقراطيين. 35 من أعضائه يخوضون معركة الاحتفاظ بمقاعدهم: 23 جمهوريون، من بينهم 12 في وضع مهتز، مقابل 12 من الديمقراطيين. إذا خسر الجمهوريون 6 مقاعد في المجلس تنتقل الأغلبية إلى الديمقراطيين الذين يراهنون على "تسونامي" ضد ترامب، يشمل البيت الأبيض ومجلس الشيوخ. وهذا احتمال غير مستبعد حتى في حسابات الجمهوريين، كما حذر السناتور الجمهوري بنجامين ساس.
ويبدو أن تصويت الجمهوريين في وقت لاحق مساء اليوم في مجلس الشيوخ لتعيين القاضية المحافظة آمي باريت في المحكمة العليا، لن يكون له تأثير على الانتخابات. القول الفصل يبقى لكورونا التي تصاعدت هجمتها في الأيام الأخيرة، والتي تهدد بمئتي ألف وفاة أخرى حسب المراجع الطبية، لو بقيت معالجة الأزمة على حالها والتي يشيد الرئيس ترامب "بفعاليتها ". مدير عام البيت الأبيض (كبير الموظفين) مارك مادوز، شدد على التوجه الذي تعتمده الإدارة لناحية "عدم الاهتمام باحتواء الفيروس والعمل بدلاً عن ذلك على الإسراع في إنتاج اللقاح والأدوية المناسبة". توجه مخالف لتوصيات الجهات المعنية، أدى حتى إلى هبوط حاد في أسواق البورصة.
إثارة الرئيس لمسألة الانتقال السلمي للسلطة بعد الانتخابات معطوفة على استفحال الفيروس قبل أيام من الانتخابات والتأخير في الإفراج عن حزمة التحفيز، وسط حالة ضيق خانق؛ كله تضافر مع بعضه ليزيد من مخاوف الجمهوريين، لكن من غير أن يوفر بالضرورة إجازة مرور مضمون وعلى كل الجبهات للديمقراطيين.