تواجه المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي عاد اسمها إلى صدارة الأحداث السياسية في ألمانيا، انتقادات شديدة على وقع الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتزايدت الانتقادات تجاه ميركل بعد أن وجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دعوة لها وللرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي لزيارة بلاده لمشاهدة معاناة الأوكرانيين ومعرفة "ما أدت إليه سياسة تقديم التنازلات لروسيا خلال 14 عاما". وينتقد زيلينسكي مقاومة ألمانيا وفرنسا لعدم قبول أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2008، وتلقيها بدلاً من ذلك "وعوداً غامضة بقبولها في وقت لاحق وبتاريخ غير محدد".
وقال رئيس برنامج النظام الدولي والديمقراطية في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية شتيفان مايستر أخيرا، إن "الحكومة الألمانية اعتمدت سياسة مضللة تجاه روسيا منذ سنوات"، مشيراً، في حديث مع موقع "تي أونلاين" إلى أنه "كان ينبغي على المرء أن يتعلم من الحرب الروسية الجورجية، وعلى أبعد تقدير بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، خاصة أن بوتين أظهر نفسه متطرفا بشكل واضح بعد إعادة انتخابه رئيسا عام 2012". ويصف مايستر حقيقة تمسك الحكومة الألمانية باستراتيجية التغيير من خلال التجارة بأنه "إنكار للواقع".
ومع الانتقادات الشديدة التي تواجهها ميركل، ردت المتحدثة باسمها لوكالة الأنباء الألمانية أنها لا تزال متمسكة بقرار رفض انضمام أوكرانيا إلى الناتو عام 2008 في بوخارست. وفي الوقت نفسه، تدعم كل الجهود الدولية لإنهاء الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.
إلى ذلك، أبرز الباحث السياسي مايستر، الذي درس تاريخ أوروبا الشرقية، أن ميركل ووزير الخارجية الأسبق والرئيس الألماني الحالي فرانك فالتر شتاينماير اختلفا في دوافعهما، موضحا أن "المستشارة السابقة لم تستسلم لسياسة الاشتراكي الديمقراطي في ما يخص سياسة شرق أوروبا، وأن ميركل فهمت بوتين بوضوح، ولكنها واصلت مسارها بدافع الانتهازية السياسية، وقبل كل شيء، كانت المصالح الاقتصادية تقنعهم ليس فقط بالتشبث باعتمادهم على الطاقة، ولكن أيضا لتوسيعها أكثر".
وكانت ميركل قد أعلنت في العام 2014، وخلال أزمة القرم المتصاعدة، أنها تريد مراجعة اعتماد ألمانيا على الطاقة الروسية، لكنها تخلت عن هذه الخطة في وقت لاحق، رغم التحذيرات من أن اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي يمكن أن يحد بشكل خطير من سيادة أوروبا.
وأوضح مايستر أن شتاينماير هو من يمثل سياسة "الأوست بوليتيك" (سياسة الشرق الجديدة) التي شكلها ويلي براندت وهي مسألة هوية للاشتراكي الديمقراطي، لافتاً إلى أن شتاينماير اعتقد أن العلاقات الاقتصادية والتبادل الاجتماعي مع روسيا ليست ضرورية فقط لإنهاء الصراع بين الشرق والغرب، ولكنها تؤدي أيضا إلى دمقرطة الدول الاستبدادية على المدى المتوسط (التغيير من خلال التقارب)".
ويرى مايستر أن "هناك مفهوما خاطئا بأن لدى روسيا حسابات مختلفة للتكلفة والعائد، وبوتين ليس لديه أي مصلحة في مسار التحول الديمقراطي لأن ذلك سيكلفه السلطة، كما أظهرت الاحتجاجات الجماهيرية التي أعقبت الانتخابات البرلمانية عام 2011".
استراتيجية جديدة
وفي خضم ذلك، توقع مايستر استراتيجية جديدة من الحكومة الحالية، وبأن تتوقف عن التعامل دائما مع دول أوروبا الشرقية من خلال العدسة الروسية، وبالتالي "التمييز بوضوح بين روسيا وهذه الدول، وعدم السماح لبوتين بأن يقودها باستمرار، ولهذا نحتاج إلى رؤية طويلة المدى للهيكل الأمني وسياسة طاقة جديدة في أوروبا، حيث يوجد لروسيا أيضا مكان بعد بوتين، وقبل كل شيء، يجب على السياسة الألمانية أن تخرج من دور الدافع".
من جهة ثانية، شكك مايستر في الوقف الفوري لجميع إمدادات الطاقة الروسية، لافتاً إلى أن ذلك لن يردع بوتين المستعد حاليا "لدفع أي ثمن، والحظر سيلحق ضررا كبيرا للغاية بالاقتصاد الألماني".
أما أستاذ السياسات الدولية في جامعة البوندسفير في ميونخ كارلو ماسالا، فأعرب عن اعتقاده بأن "سياسة ميركل وشتاينماير تجاه روسيا قد فشلت. ويقول إن الخطأ الأكبر تمثل في الاعتقاد الساذج بأنه مع وجود روابط اقتصادية وسياسية أوثق من أي وقت مضى يمكن للمرء أن يدمج روسيا، وستتخلى عن طموحاتها الإمبريالية الجديدة. لقد غرقت سياسة الأوستبوليتك الجديدة في أنقاض ماريوبول".
وكان السفير الأوكراني لدى ألمانيا قال أخيرا، في مقابلة مع "تاغس شبيغل"، إنه بالنسبة لشتاينماير، كانت العلاقة مع روسيا ولا تزال أساسية، بل مقدسة بغض النظر عما يحدث الآن".
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الألماني شتاينماير اعترف ولأول مرة بالأخطاء التي ارتكبت في التعاطي السياسي مع روسيا. وقال هذا الأسبوع من قصر بيلفو في برلين إن التمسك بمشروع "نورد ستريم 2" كان خطأ "واضحا"، فيما ذكرت صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تساستونغ"، أنه كان يعتقد أن بوتين لن يتحمل الدمار الاقتصادي والسياسي والأخلاقي لبلاده بسبب جنونه الإمبراطوري، حتى أنه اعترف بأنه فشل في محاولة دمج روسيا في هيكل أمني مشترك.