لم تسلم المناشدات والتدابير التي اتبعتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع رؤساء حكومات الولايات لمواجهة وباء كورونا من الانتقادات، وهي على أعتاب أشهر من نهاية حياتها السياسية مستشارةً لألمانيا على مدى أربع ولايات.
فقد تصاعدت الاعتراضات السياسية لتغييب ميركل البرلمان عن النقاشات والقرارات إلى التظاهرات المطالبة بالحدّ من الإغلاق الذي عادت لتعيشه البلاد. ووصل الأمر إلى حدّ رمي زجاجات حارقة على معهد روبرت كوخ للأمراض المعدية في برلين، والمعتمد من قبل السلطة لتتبع حالات الإصابات اليومية بفيروس كورونا في ألمانيا، وحيث طبيعة العلاقة الصعبة مع خبراء الأبحاث والأوبئة، بعدما بات معيار الوقت للحدّ من مكافحة الوباء عبر الأدوية أو اللقاح حاسماً في السياسة.
وعلى ضوء ما تقدّم، صُوّبت أخيراً الاتهامات ضد المستشارة لتجاهلها البوندستاغ، ممثل إرادة الشعب مصدر السلطات، واعتمادها عقد اجتماعات دورية مع رؤساء حكومات الولايات، واستصدار قرارات لتحديد التوجهات العامة للتعامل مع فيروس كورونا من دون العودة إلى البرلمان.
وفي هذا الإطار، اعتبر زعيم "الحزب الليبرالي الحر" كريستيان ليندنر أنه لا يمكن قبول إشعار النواب بما تم اتخاذه من قرارات جديدة من خلال المؤتمر الصحافي الذي يُعقد عند نهاية كل اجتماع مع رؤساء حكومات الولايات، ولا يحلّ البودكاست الأسبوعي للمستشارة محل النقاش في البوندستاغ حول الحقوق الأساسية.
بدوره، قال حزب "اليسار" إنه على الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات تقديم لوائح محددة إلى البرلمانات، بينها مثلاً لحماية دور الرعاية والمدارس، واصفاً الاجتماعات التي تعقدها المستشارة مع رؤساء حكومات الولايات باجتماعات الحكومة الكبيرة البديلة، في إشارة إلى أن هذه الخلية صادرت صلاحيات نواب البرلمان الذين يمثلون إرادة الشعب، ودورهم الرقابي، وأن الفصل بين السلطات بات مهدداً.
وذكرت "زود دويتشه تسايتونغ"، نقلاً عن السياسية في حزب "الخضر" بريتا هاسلمان، أن "الاستشارة والرقابة والقرار تكون في البرلمان". أما عضو كتلة "الحزب الاشتراكي" فلوريان بوست، فقال في حديث مع "بيلد"، أخيراً، إنه لا وجود في الدستور لأي نصّ يعطي المستشار الحق بعقد اجتماعات مع رؤساء حكومات الولايات، وإن هذه المؤتمرات ليس لها أي قيمة قانونية أو دستورية، وإن المطلوب استشارة البرلمان الاتحادي في أمور تتعلق بحقوق الشعب وأهمها تقييد الحريات.
وعلاوة على ذلك، برزت انتقادات للصلاحيات الاستثنائية الممنوحة لوزير الصحة الاتحادي ينس شبان، بموجب ما يُسمّى قانون الحماية من العدوى، والذي يعطي الأخير صلاحيات تدخل ضمن خانة حماية الإنسان من خطر الأمراض المعدية الخطرة.
في هذا الاطار، أشارت "دويتشه فيله" إلى أنه لم يسبق أن تم التنسيق والعمل على هذا النحو الضيق بين معاهد الأبحاث والسياسيين، فالأولى تتصرف بمهنية مطلقة، ولديها معايير واضحة في ما يتعلق بالوقت الذي يمكنها الإعلان فيه عن المستجدات، وحيث يبقى التعويل أولاً على التجارب العلمية، فيما الطرف الثاني بانتظار الإجابات السريعة والوضوح والقرار، غير الممكنة حالياً، وباتوا في مرحلة نفاذ الصبر بفعل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الصحية والتعليمية وغيرها.
وتلفت التقارير إلى الصعوبة في الإجابة عن الأسئلة المطروحة، مثل: "إلى متى سيستمر الوباء؟ ومدى أهمية اتخاذ الإجراءات الحاسمة؟".
وفي ظل الانقسامات الواضحة، فإنّ المسؤول أمام تحدٍّ أساسي بأن يبشّر المواطن بقرب توفر لقاحات وعقاقير جديدة وعلاجات، لأن النجاح السريع قد يمنحه ميزة في نضاله السياسي اليومي، على الرغم من القناعة الكاملة بأن الفيروس جديد وغير معروف، وأن الجميع مضطرون إلى تتبع نصائح العلماء والمسؤولين، وإذا لم يتم التوصل إلى نتائج بحثية عملية في القريب العاجل، فإنّ العبء الملقى على عاتقه لن يكون سهلاً، وسيخسره المزيد من الشعبية.
تجدر الإشارة، إلى أن صحيفة "بيلد" أشارت أخيراً إلى أن المستشارة ميركل تتوقع الموافقة على لقاح شركة "بيونتك" بحلول أواخر ديسمبر/كانون الأول من العام الحالي. هذا في وقت ارتفع العدد الإجمالي للمصابين في البلاد منذ بداية تفشي الوباء إلى 430 ألف شخص، فيما تعدّت الوفيات 10 آلاف حالة، والجميع يتحضر لموجة ثانية على ما يبدو ستكون أقسى من الأولى، مع ارتفاع المعدل اليومي للمصابين إلى ما يقارب 11 ألف مصاب، على الرغم من التدابير الصارمة، من إلغاء التجمعات والفعاليات، إلى فرض غرامات مالية على غير الملتزمين بارتداء الكمامة، أو الإجراءات المفروضة على المحال وصالات المبيعات بالتقليل من قدرتها الاستيعابية، كما والإغلاق المبكر للحانات والمطاعم.