كشفت تقارير إعلامية ألمانية أنّ الطريق أمام مرشح "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، أولاف شولتز، لتولي منصب المستشار خلفاً لأنجيلا ميركل، ما زال غير سالك، حيث يخوض حزبه مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية مع "الخضر" و"الديمقراطي الحر"، و"ذلك رغم ما يظهره من ثقة وحماس كما لو تم انتخابه بالفعل لمنصب المستشارية"، وفق ما تصفه صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه".
وفيما تتجه الأنظار إلى ما ستقدمه 22 لجنة مُشكلة من ثلاثمائة سياسي وخبير من الأحزاب الثلاثة من نتائج نهاية هذا الأسبوع، تعطي الانتقادات التي يطلقها زعيم "الديمقراطي الحر" كريستيان ليندنر، الشريك الأساس في التحالف الحكومي المستقبلي، لمحة عن الصعوبات وذلك بعد تصريحات مسؤولي "الاشتراكي" و"الخضر" حول يتعلق بالسياسة الضريبية، ما يؤكد أنّ المفاوضات غير سهلة.
وقال ليندنر، في حديث مع صحيفة "بيلد" أخيراً، إنه لا يمكن إعفاء الطبقة العاملة المتوسطة الدخل من بعض الضرائب، وتمويل الفارق من خلال الضرائب التعويضية في أماكن أخرى، وذلك في رد على تصريحات الحزبين المفاوضين الآخرين، واللذين يعتبران أنه بسبب الرفض الصارم من "الديمقراطي الحر" بشأن فرض زيادات ضريبية على أصحاب المداخيل المرتفعة، لا يمكن منح دفعة للسياسة المالية والضريبية.
ويرفض ليندنر مخاوف "الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" بشأن الحصول على موارد مالية من الضرائب على الأغنياء، مشيراً، وفق ما ذكرته صحيفة "دي فيلت"، إلى أنّ موقف حزبه لا يمثل صراحة "اقتران الإعفاء هنا (الطبقة المتوسطة) بالزيادات الضريبية هناك (أصحاب المداخيل المرتفعة)".
وإذا ما نجحت الأحزاب الثلاثة؛ "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، "الخضر" و"الديمقراطي الحر" في تشكيل الحكومة، فستكون هذه المرة الأولى في تاريخ ألمانيا التي تتشكل فيها حكومة فيدرالية من هذه الأطراف الثلاثة.
ويطلق على الحكومة المرتقبة بقيادة "الاشتراكي" و"الخضر" و"الديمقراطي الحرّ" اسم حكومة "إشارات المرور"، والتي ستحمل ألوان الأحزاب الثلاثة، الأحمر والأخضر والأصفر.
ووفق شبكة "دبليو دي آر"، فإنّ الأحزاب الثلاثة تنوي الإعلان عن تشكيل الائتلاف الحكومي بزعامة شولتز قبل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وانتخابه كمستشار اتحادي جديد، يوم 6 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ورغم أنّ المفاوضات المعمقة بين الأطراف الثلاثة المكونة لائتلاف "إشارات المرور" الحكومي المحتمل تتم بكثير من الجدية والندية، فقد طلب من أعضاء مجموعات العمل الـ 22 والبالغ عددهم 300 عضواً من السياسيين المتخصصين، العمل على اتفاقية الائتلاف المحتملة مع الحفاظ على السرية.
وتناقش مجموعات العمل سبع قضايا رئيسية، من بينها الرقمنة وتشجيع الابتكار، إضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية وحماية المناخ وظاهرة الاحتباس الحراري واقتصاد السوق وصولاً إلى العدالة الاجتماعية.
والأبرز، وفق ما أشار موقع "كرايز تسايتونغ" أخيراً، غياب التخطيط لتحسين آفاق المعاش التقاعدي بين أطراف "إشارات المرور" لتأمين استمراريته وزيادة نسبته. وذكر الموقع نقلاً عن خبراء أنّ إصلاح المعاش التقاعدي على النحو المتوخى في الورقة الاستكشافية لن يكون كافياً، وسط الحديث عن أنه يجب أن ترتفع هذه المعاشات بشكل أبطأ من ارتفاع الأجور من أجل حماية الخزينة وعدم إثقال كاهل دافعي الضرائب.
يطلق على الحكومة المرتقبة بقيادة "الاشتراكي" و"الخضر" و"الديمقراطي الحرّ" اسم حكومة "إشارات المرور"، والتي ستحمل ألوان الأحزاب الثلاثة، الأحمر والأخضر والأصفر
أما في ما يتعلق بالمناخ، فتتفق الأحزاب الثلاثة على أنه يجب القيام بشيء لحمايته، لكن عندما يتعلق الأمر بالأفكار وكيفية تنفيذ الخطط فإنّ التوجهات تختلف أحياناً. وتظل النقطة الشائكة هي كيفية تمويل حماية المناخ، خاصة أنّ المشاركين في الجولات التمهيدية للمحادثات بشأن تشكيل ائتلاف "إشارات المرور"، شددوا على ضرورة فرملة الديون، وعليه قد يكون هناك غياب كبير للاستثمارات. ويعتبر حزب "الخضر" أنه من الضروري أن يكون هناك حد أدنى استثمارات في ألمانيا بحوالي 50 مليار يورو سنوياً.
وبخصوص السياسة المطلوبة لحماية المناخ، أعلنت الأطراف الثلاثة أنها تهدف إلى التخلص التدريجي المبكر من الفحم، والهدف المعلن للتخلص نهائياً من استخدامه سيكون عام 2030 بدلاً من 2038. لكن هذه الخطط قوبلت بالكثير من الانتقادات، ومن بينها ما جاء على لسان رئيس وزراء ولاية سكسونيا مايكل كريتشمر من "الحزب المسيحي الديمقراطي"، الذي اعتبر أنّ التسوية المتعلقة بالاستغناء عن الفحم من الصعب تحقيقها، قائلاً إنّ هذا "تطور مرير" للمناطق والوظائف المتضررة من التحول الطاقي.
في المقابل، اعتبر السياسي عن حزب "الخضر" أنتون هوفرايتر، في حديث لصحيفة "راينشه بوست"، أنّ مشاريع أطراف ائتلاف "إشارات المرور" حول المناخ "إطار عمل جيد"، مضيفاً أنّ ألمانيا تتحمل مسؤولية "اتخاذ إجراء ملزم".
إلى ذلك، يبقى ملف التنافس على المناصب الوزارية قائماً، رغم تأكيد الأطراف المشاركة في المفاوضات أنّ هذا الأمر سيتم التطرق إليه عند انتهائها. وتشي الأحاديث المتزايدة حول ذلك، وأسماء الشخصيات المؤهلة لشغل المناصب الوزارية بأنّ الاتفاق عليها سيشغل المعنيين، وقد يؤخر ولادة اتفاق الائتلاف الحكومي أو يعرقله.
وهنا يبرز اهتمام "الديمقراطي الحر" و"الخضر" بتولي حقيبة المالية مع ما تشكله من ركيزة أساسية للسياسة المالية والضريبية، والتي تعد من نقاط الاختلاف بين المفاوضين وسط التباين القائم بين و"الديمقراطي الحر" ذي التوجه الليبرالي و"الاشتراكي"، رغم تمكّن الأخير مع "الخضر" فرض زيادة الحد الأدنى للأجور، فضلاً عن منصب نائب المستشار، وعما يدور حول استحداث وزارة للمناخ.
وكان "الاشتراكي الديمقراطي" قد فاز في الانتخابات البرلمانيّة الألمانية، التي جرت في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، بحصوله على 25.7% من الأصوات، متقدّماً بفارق ضئيل على المحافظين. وحصل المعسكر المحافظ على 24.1% من الأصوات، وهي النتيجة الأسوأ في تاريخه، بينما حلّ حزب "الخضر" ثالثاً مع 14.8%، يليه "الديمقراطي الحر" بنسبة 11.5%.