يُحيي أكراد سورية في اليوم الأول من يونيو/ حزيران من كل عام ذكرى اغتيال الشيخ محمد معشوق الخزنوي، الذي اغتيل عقب اختطافه من مجهولين يُعتقد أنهم تابعون للأجهزة الأمنية، في مايو/ أيار من عام 2005 من مقر عمله في العاصمة السورية دمشق، بعد نحو عام من "انتفاضة" كردية على النظام كان للخزنوي دور فاعل في أحداثها.
ودعت أحزاب كردية سورية إلى إحياء الذكرى الثامنة عشرة لـ"استشهاد شيخ الشهداء محمد معشوق الخزنوي"، في مقبرة "قدور بك" في مدينة القامشلي في ريف الحسكة.
ودخل الخزنوي معترك السياسة مع بدء انتفاضة مارس/ آذار من عام 2004 التي شملت مختلف المناطق التي يشكل الأكراد غالبية سكانها في شمال شرق سورية، بل وصلت إلى العاصمة دمشق حيث شهدت أحياء يقطن فيها الأكراد حراكاً مناهضاً للنظام.
وقُتل وأُصيب واعتُقل المئات من أكراد سورية على يد الأجهزة الأمنية للنظام الذي فوجئ بـ"الانتفاضة"، قبل أن يستعيد السيطرة على الأوضاع في المناطق التي خرجت فيها مظاهرات تندد به.
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد القتلى والمصابين والمعتقلين جراء انتفاضة عام 2004، لكن ناشطين أكراداً يؤكدون مقتل نحو 33 مدنياً واعتقال نحو 2000، معظمهم من الأكراد، بقي عدد منهم عدة سنوات داخل المعتقلات.
وكان للخزنوي دور فاعل في هذا الحراك، حيث ألقى العديد من الخطب التي تدعو إلى منح أكراد سورية حقوقهم، وأبرزها إعطاء الجنسية لآلاف الكرد المحرومين منها، والسماح للأطفال الأكراد بالدراسة بلغتهم الأم، لكن النظام لم يستجب.
وخطف مجهولون يُعتقد أنهم من الأجهزة الأمنية، التي تتبع للنظام، الشيخ الخزنوي صباح العاشر من مايو/ أيار من عام 2005 من مقر عمله في "مركز الدراسات الإسلامية" عند ساحة "الميسات" الشهيرة في العاصمة السورية دمشق والقريبة من مبنى وزارة الأوقاف.
وظلت حادثة الاختطاف حديث الشارع السوري في ذلك الحين لنحو 20 يوماً، خصوصاً أن النظام أنكر وجود الخزنوي لدى الأجهزة الأمنية، واتهم مجهولين باختطافه، إلا أن الشارع السوري الكردي وجّه أصابع الاتهام إلى النظام الذي قمع مظاهرات تطالب بتبيان مصير الخزنوي.
وفي مطلع يونيو من ذلك العام، أعلن النظام أنه عثر على جثة في محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، وأظهر مجموعة من الأشخاص من خلال التلفزيون الرسمي زعموا أنهم خطفوا وقتلوا الشيخ الخزنوي. وأكّد ذووه في حينه أن آثار "تعذيب شديد" كانت واضحة على الجثة. واتهم نجله في تصريحات صحافية نشرت العام الفائت ماهر الأسد، وهو شقيق رأس النظام بشار الأسد، بتعذيب والده حتى الموت.
وينتمي الشيخ محمد معشوق الخزنوي المولود في القامشلي عام 1958، إلى عائلة دينية معروفة، فوالده أحمد الخزنوي شيخ الطريقة "الخزنوية"، التي تتبع الطريقة "النقشبندية.
ودرس معشوق الخزنوي في دمشق قبل أن يحصل على إجازة في العلوم الإسلامية من إحدى الجامعات في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية. وعمل الخزنوي مدرساً وخطيباً في العديد من المساجد والمعاهد الشرعية في مختلف المحافظات السورية، إلى جانب مشاركته في العديد من الندوات في مختلف دول العالم.
وقال عضو "الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي" والمنسق العام في حركة الإصلاح الكردي فيصل يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ما تميز به الشيخ الشهيد انحيازه للوسط الشعبي المطالب بالحرية وضرورة كسر القيود المفروضة على حياة الناس وإلغاء الاضطهاد القومي بحق الكرد السوريين".
وأشار إلى أن الخزنوي كان على "تواصل مع مختلف المكونات السورية لهذه الغاية، كذلك أوصل صوته لخارج سورية، وطالب القوى الدولية بنصرة المظلومين من الشعب السوري المحكومين بالقبضة الأمنية".
وأضاف: "الخزنوي ينحدر من عائلة معروفة في أوساط عديدة في سورية وخارجها، ما أهّله ليكون شخصية قيادية كاريزمية التف حوله جيل الشباب والمنادين بالحرية، فبات موضع اهتمام من القوى الدولية المهتمة بالشأن السوري".
وتابع: "انخرط (الخزنوي) في مسيرة النضال الوطني الديمقراطي السلمي إبان الانتفاضة الكردية التي عمّت أنحاء سورية في عام 2004، والتي كسرت جدران الخوف، فبرز عبر خطاباته الجريئة الداعية للحرية والتجديد الإسلامي وعدم الخنوع، ما شكّل ذلك خطراً جدياً على النظام وكل أدواته من المنظرين على الصعيد السياسي ورجالات الدين الذين كانوا يبتعدون عن الشأن العام".
ورأى يوسف أن الشيخ معشوق الخزنوي "كان صاحب فكر ديني وقومي متنور"، مضيفاً: "كان يدعو للنضال السلمي اللاعنفي ومناهضة الاستبداد واستقطب شرائح واسعة من المجتمع الكردي حوله حتى بات اسمه يتردد في أنحاء سورية وخارجها كشخصية وطنية لها دورها على أكثر من صعيد".
إلى ذلك، بيّن الناشط السياسي السوري الكردي إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الشيخ الخزنوي لم يقبل أن يكون ضمن جوقة العلماء التي سخّرها النظام لخدمة أهدافه في ردع السوريين"، مضيفاً: "كان الخزنوي قريباً من الحركة السياسية في سورية، وكان يلقي خطبه باللغة الكردية، وهذا أمر أزعج النظام".
وأشار إلى أن "الشيخ الخزنوي كان يحضر المناسبات الكردية القومية مثل عيد النوروز"، مضيفاً: "كما كان له حضور في الأوساط الدينية والسياسية العربية"، موضحاً أن كل هذه الأسباب دفعت النظام إلى اغتياله.