أفغانستان: تفاقم التوترات العرقية على خلفية الانسحاب الأميركي

11 مايو 2021
يسود شعور قوي بالانتماء الطائفي في أفغانستان (هارون صباوون/الأناضول)
+ الخط -

تفاقم التمييز والتوترات العرقية في أفغانستان، وأعيد طرح "مسألة البشتون" على الطاولة، بينما وصلت المفاوضات بين الأفغان لتشكيل حكومة تضم حركة "طالبان" إلى طريق مسدود، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية انسحابها من البلاد في 11 سبتمبر/أيلول المقبل.
وكشفت الاحتجاجات الأخيرة في كابول عن الأجواء المثيرة للقلق التي تخيم على العاصمة الأفغانية، منذ إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن تأجيل رحيل القوات الأميركية من 1 مايو/أيار 2021 إلى 11 سبتمبر. يضاف هذا التخوف من انسحاب القوات العسكرية للتحالف إلى تأجيل "مفاوضات السلام" والحوار الوطني والإقليمي والدولي حول تشكيل حكومة جديدة.

كلٌّ يريد أن يحصل على حصته من الكعكة. أمر قلب الدين حكمتيار، أمير حرب سابق وزعيم الحزب الإسلامي الأفغاني، أنصاره بالنزول إلى الشوارع ضد الحكومة تنديداً بعدم مشاورة حزبه في عملية السلام. يوم الجمعة 2 إبريل/نيسان الماضي تم إغلاق المحاور الرئيسية في كابول وأصبحت العاصمة مشلولة. أما عبد الغني علي بور، قائد مليشيا الهزارة (الشيعية)، فقد تعرض لانتقادات شديدة منذ هجوم 17 مارس/آذار في بهسود على مروحية كانت تقل أعضاء من الحكومة، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص.

تنتظم الأحزاب الأفغانية وفقاً لقاعدة عرقية، على غرار الفصائلية السياسية اللبنانية

في 5 إبريل نُظمت في كابول تظاهرة للاحتجاج ضد ما سمي بـ"قائد مليشيا غير شرعية". وردت الحكومة، على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنها "ستنتقم"، وهو مصطلح ثقيل لم يستخدم من قبل في الخطاب المناهض لحركة "طالبان"، مع أنها تُعتبر جماعة إرهابية. وقد ندد محمد كريم خليلي، نائب الرئيس السابق وزعيم حزب الوحدة الإسلامية الأفغاني، بشدة بالسلوك اللامسؤول وغير الاحترافي الذي أبدته الحكومة الأفغانية من خلال هذه التصريحات.

استنكرت نيلوفار إبراهيمي، النائبة عن ولاية بدخشان، تشكيلة الوفد الذي يفترض بأنه يمثل الشعب الأفغاني في محادثات السلام المقبلة، والتي كان من المقرر عقدها في 16 إبريل في إسطنبول وتم رفضها من قبل "طالبان" قبل أن تؤجل (مؤقتاً؟). بحسب النائبة، فإن هذا الوفد، المكون من 90 في المائة من البشتون بالنسبة لحركة "طالبان" وبأكثر من 50 في المائة من البشتون للحكومة، لا يعكس التنوع الأفغاني. يُولد تصاعد التوترات بين المجموعات العرقية المختلفة، المرتبطة بالتقاسم العادل للسلطة داخل "حكومة السلام" المستقبلية، تغييرات في ميزان القوى بين "الأحزاب السياسية". على غرار الفصائلية السياسية اللبنانية، تنتظم الأحزاب الأفغانية وفقاً لقاعدة عرقية، ويقودها أمراء حرب سابقون متورطون في أكثر من أربعة عقود من الصراعات الدموية. ومن ثم، لا تزال المليشيات تسيطر على أجزاء من الإقليم - في الوسط ذي الأغلبية الهزارية، وفي الشمال ذي الأغلبية الطاجيكية، وفي الجنوب ذي الأغلبية البشتونية.

هل يمكن أن تكون دولة لامركزية حلاً للركود السياسي؟ تلك هي التوصية المقترحة من قبل أحمد مسعود، نجل "أسد بنشير"، خلال رحلته إلى باريس في 27 مارس لحضور حفل تدشين شارع باسم والده، البطل القومي في أفغانستان والذي تظهر صورته تقريباً في كل زاوية شارع. غير أن فهيمة روبيول، أستاذة ونائبة رئيس نادي فرنسا-أفغانستان، وهي منظمة تسعى إلى تعزيز التعاون بين المنظمات والشركات الفرنسية والأفغانية، حذرت(1) من مخاطر الدولة اللامركزية، المؤاتية إلى عودة سلطة أمراء الحرب المنقسمين، والذين يفرضون قانونهم. وهي ترى أن ذلك سيؤدي بشكل محتوم إلى تفتت سياسي ذي عواقب وخيمة، في بلد منقسم أصلاً وفقاً للخصوصيات العرقية واللغوية والقبلية. إنه سيناريو متشائم لكنه واقعي. تتعلق النقطة الأساسية في ساعة المفاوضات بالصعوبة الكبيرة في العثور على إجماع حول المواضيع الأساسية، مثل حقوق المرأة والأقليات، واحترام حقوق الإنسان وطبيعة النظام والمؤسسات المقبلة، ولكن أيضاً بإدماج فعلي أكثر للمرأة والشباب والأقليات في بلد يعيش في كنف السلم.

إرث التاريخ والحروب
المنافسة بين أشرف غني، رئيس الجمهورية صاحب الأصول البشتونية، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الطاجيكي عبد الله عبد الله، عرقية قبل أن تكون سياسية. سمح دستور الإمبراطورية الدورانية (1747 ـ 1828) لكبار قبائل البشتون بقيادة البلاد. كما ساهم الاحتلال البريطاني أيضاً في التقسيم الحالي، برسمه لحدود تعسفية (خط دوراند) تُقسم بلاد البشتون، وهي منطقة متواجدة بين باكستان وأفغانستان.
في نهاية القرن التاسع عشر، خلال غزو هزاراجات ونورستان من قبل الملك البشتوني عبد الرحمن خان، حدثت عمليات تطهير عرقي، بتواطؤ من البريطانيين. أما مرحلة "طالبان" (1996 ـ 2001)، فقد كانت عنيفة بشكل خاص بالنسبة للهزارة الشيعة. أدت هذه الفترة إلى نقلهم من المجموعة الأكثر أهمية ديمغرافياً إلى المرتبة الثالثة، بعد أن تعرض 60 في المائة منهم إلى مجازر(2).

يريد بعض الأفغان أن تظهر انتماءاتهم العرقية في مكان الجنسية

يسود شعور قوي بالانتماء الطائفي في المقاطعات الأفغانية الأربع والثلاثين، ويحرص كل من الهزارة والبشتون والطاجيك والأوزبك على التعبير عن ذلك. يقول مصطفى، وهو صحافي في حي هزارة في داشتي ـ بارشي في كابول، "نحن الهزارة نحترم النساء. إننا أكثر انفتاحا في مواضيع التعليم وحقوق المرأة على عكس البشتون". في هذا السياق من المطالبة الهوياتية، طرح الجدل الذي حدث أخيراً بخصوص تحديد الجنسية في بطاقات التعريف مشكلاً متجذراً في تاريخ أفغانستان ذاته. ويكمن الجدل في تعريف مفهوم "الأفغاني" الذي يعتبر كتسمية أخرى لـ"البشتوني"، والذي يصعب أن يكون توافقياً عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الهوية الوطنية.

يريد بعض الأفغان أن تظهر انتماءاتهم العرقية ـ طاجيك، هزارة، بشتون... في مكان "الجنسية" الأفغانية. ويستنكر آخرون، مثل النائبين عبد الله محمدي وفاطمة كوهستاني، هذا المطلب الذي لن يؤدي حسبهم سوى إلى تعزيز الانقسامات. ازداد هذا الانحصار الطائفي بشكل خاص خلال الثمانينيات أثناء الاحتلال السوفييتي، حيث تركت الخلافات السياسية للخلافات العرقية. وقد أصبح الانتماء إلى الطائفة أساس النزاعات. يشرح أليساندرو مونسوتي(3)، المختص في طائفة الهزارة والأستاذ في الأنثروبولوجيا في جنيف، "أن عرقنة الساحة السياسية الأفغانية تقع في سياقها التاريخي، وهي تبدو آنذاك كنتيجة أكثر من كونها سبباً للحرب"، وأن "الانتماءات العرقية صارت الآن تتسيس وأصبحت وسيلة للتعبير عن النزاعات".

انعدام الأمن عقوبة مزدوجة للهزارة
تربط النخب السياسية الجديدة مصالحها الشخصية بالمطالب الخاصة بعرقها، محافظة هكذا على انعدام أمن مستمر ينتج عنه غياب التماسك الوطني. يشرح مصطفى بمرارة: "الحكومة بشتونية، ولا يسعها في آخر المطاف سوى حماية إخوانها (ملاحظة: الأغلبية الساحقة لطالبان من البشتون)". يشعر الهزارة بالخيانة من قبل الحكومة التي وعدتهم بالحد من انعدام الأمن والتمييز الذي يتعرضون له. إذ يعتبر الأمن بالنسبة للعديد منهم الرهان الأهم. "إننا لا نخشى على حياتنا فحسب كل يوم بسبب القصف، ولكننا نتجنب الذهاب إلى بعض المحافظات التي هي خطرة، إذا كنتم من الهزارة مثلي"، يشير روح الله، وهو يتكلم إلى سلسلة الجبال المكسوة بالثلوج التي تحيط بكابول. ثم يشرح قائلاً: "آخر مرة ذهبت إلى هناك، نحو باغمان، تعرضت للشتم والابتزاز. لن أعود إلى هناك". إذا كانت "طالبان" تشكل تهديداً جلياً في كل أنحاء البلاد، فإن الجريمة المنظمة واللصوصية والابتزاز تعد مصدر قلق أيضاً بالنسبة للأفغان، ولاسيما للهزارة الشيعة الذين هم الأهداف الأولى لهذه الانتهاكات.

لا عقاب لأمراء الحرب
مع أن المادة 4 من الدستور تذكر كل الأعراق الموجودة، كما تنص مادته 22 بمنع رسمي لأي نوع من التمييز ضد أي مواطن، فإنه يعترف بالإسلام الشيعي، وكذلك بالمساواة بين جميع مواطني أفغانستان، ويعني ذلك نظرياً المساواة في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والفرص المهنية. ولكن على المستوى العملي، ووفقاً للانتماء العرقي ـ الديني، تختلف الأوضاع ولا يمكن إنكار وجود المعاملات التفضيلية. وفقاً لطارق فرهدي، مستشار سابق للحكومة الأفغانية، تصاعدت التوترات العرقية خلال عهدة أشرف غني، خاصة وأن الحكومة المتبنية لعقيدة "العمل كالمعتاد" تبدو كأنها تتجاهل المجازر المرتكبة في حق مواطنيها على الحدود الإيرانية الأفغانية التي تعج بجميع أنواع الاتجار غير الشرعي (البشر، المخدرات، الأسلحة، إلخ...).

ينتقد أعضاء المجتمع المدني، النشطون جداً على شبكة الإنترنت، بشدة التدخلات الأجنبية، خصوصاً من باكستان وإيران. يقوم هذان البلدان منذ سنوات عديدة باستغلال التوترات العرقية للصراع. ففي إيران يتعرض اللاجئون الأفغان، خصوصاً الهزارة، إلى التمييز وسوء المعاملة وسلوك معادٍ للأجانب، ما أدى إلى موجة من الغضب والتظاهرات في أفغانستان، وبين الأفغان في الشتات. يرسل بعض من هؤلاء اللاجئين ـ وكثير منهم أطفال ـ للقتال في سورية ضمن "لواء الفاطميين". وإذا كانت الحكومة لا تتحرك أمام هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، فذلك يعود لكون إيران (التي تستفيد من المياه التي توفرها جارتها) تعد ثاني شريك تجاري لأفغانستان بعد باكستان. في آخر المطاف تحكم العلاقات بين البلدين تحالفات انتهازية وغير مستقرة، كما يشهد على ذلك الدعم الإيراني لـ"طالبان".

إذا كانت التوترات شديدة بين البشتون والهزارة، فهي كذلك أيضاً، وإن كانت بدرجة أقل، بين البشتون والطاجيك

إذا كانت التوترات شديدة بين البشتون والهزارة، فهي كذلك أيضاً، وإن كانت بدرجة أقل، بين البشتون والطاجيك. ففي يونيو/حزيران 2018 التحق عطا محمد نور ـ الحاكم المؤثر لمزار الشريف ـ بأمير الحرب الأوزبكي السابق عبد الرشيد دستم، بهدف تشكيل تحالف إنقاذ، يجمع شخصيات من الطاجيك والهزارة والأوزبك. ولتبرير مسعاه، اتهم عطا محمد نور الرئيس أشرف غني بالرغبة في التخلص من منافس محتمل وتقسيم حزب الجمعية الإسلامية عشية الانتخابات، التي تبرز الانقسام العرقي كثابت سياسي، خصوصاً بين البشتون والطاجيك الناطقين بالفارسية. تخفي صورة الرجلين إلى جانب زعيم الهزارة محمد محقق، الذي يرأس حزب الوحدة، تحت شعار الإتحاد الرمزي والأخوي، في الواقع تحالفاً بين رجال مليشيات تسببوا في جرائم حرب ومتهمين بالفساد. مثل معظم الأقليات المضطهدة ـ كالشيعة في لبنان ـ تمكن الهزارة من تنظيم أنفسهم بصفة موحدة ومستدامة، لاسيما من خلال التركيز على التعليم، ما ساهم في بروز نخبة مثقفة وسياسية، مثل حبيبة سرابي، وهي أول امرأة أصبحت حاكمة لمقاطعة. وقد فهم ذلك جيداً أغلب القادة السياسيين، من حميد كرزاي إلى أشرف غني مروراً بعبد الله عبد الله. ولكسب تأييد ناخبي الهزارة، صار من الضروري أن يحيط الساسة أنفسهم بوجوه سياسية مؤثرة تسمح بكسب أكثر الأصوات الممكنة من هذه المجموعة العرقية (4).

شباب توحده تطلعات مشتركة
في بلد يغلب عليه الطابع الزراعي، تدور الاهتمامات بشكل رئيسي حول الحصول على الأراضي، ما يؤدي أحياناً إلى مشاجرات عنيفة، خاصة بين الكوشيين، وهم بدو من العرق البشتوني، والهزارة. بالمقابل يهتم الشباب المتعلم في كابول أكثر بما يخبئه له المستقبل، من حيث الفرص المهنية والسلام والأمن. يلتقي الهزارة والطاجيك والبشتون والأوزبك في المقهى غير مكترثين لانتماءاتهم العرقية، ويشعر أغلبهم بالضجر من الأصفاد الاجتماعية والتقليدية. يشهد أحمد: "علي استعادة أراضي في قريتي بمقاطعة هلمند، ولكنني لا أريدها ولا أريد الذهاب إلى هناك. لن يؤدي ذلك إلا إلى خلق توترات عائلية والسمعة المرتبطة بقبيلة نورزاي التي أنتمي إليها". وفقاً لأسماء، وهي طالبة ماستر طاجيكية في العلوم المالية بجامعة كردان بكابول، فإن "التعليم أساسي. يمكن أن يحدث الفرق على مستوى الأسرة. عندما يكرر الآباء نفس الملاحظات العنصرية الموروثة من الحرب التي لم يعرفها أبناؤهم في معظم الأحيان، فبالطبع سيتأثر حتماً الجيل القادم ويكون أكثر ميلا لتكرار نفس السلوكات".

في غضون ذلك تحضر الولايات المتحدة لانسحاب قواتها المعلن يوم 11 سبتمبر، وهو تاريخ رمزي. تؤكد مرجان كمال، في كتابها الأخير "أفغانستان، القبائل ضد الدولة من القرن 18 إلى اليوم، مركز أبحاث ودراسات وثائقية حول أفغانستان، باريس، مارس 2021)، أن "التاريخ يعيد نفسه. ينبع النزاع الحالي أساساً من رغبة الأرياف والقبائل غير المهيمنة في الحفاظ على استقلاليتها وقوانينها وعقيدتها أمام حكومة مدنية متمركزة في كابول".

بالفعل في نهاية عام 1995، مع وصول "طالبان" إلى السلطة، اعترف محمود المستيري، وزير الخارجية التونسي الأسبق وسكرتير مكتب الأمم المتحدة لأفغانستان وباكستان الذي أنشئ في 1990 خلال مؤتمر برنامج الأمم المتحدة للتنمية باستوكهولم، بفشل مهمة السلام في أفغانستان. وحسبه فإن الحرب العرقية، التي تثير مخاوف شديدة، ستندلع بين لحظة وأخرى. وقد قال بقلق حينها: "البشتون والأوزبك والهزارة، كلهم مستلبون. إما أن يكون هناك حل وطني تشارك فيه جميع شرائح المجتمع بحرية، وإما يستمر النزاع ليؤدي إلى حرب عرقية، ومن ثمة إلى انهيار حتمي للبلاد"(5).

يُنشر بالتزامن مع "أوريان 21"
https://orientxxi.info/ar

هوامش
1ـ خلال المؤتمر الذي نظمه معهد الدراسات الجيوسياسية التطبيقية في 15 إبريل 2021، "أفغانستان: مفاوضات السلام، وماذا بعد؟"
2 ـ إسحق علي: التوتر العرقي المتزايد له جذوره في التاريخ.
Ishaq Ali, « Afghanistan : The growing ethnic tension has its roots in history », Global Village Space, 23 décembre 2018

3 ـ ما وراء العرقية والقرابة في أفغانستان: مقاربة إثنوغرافية لعلاقات التعاون المستعرضة.
4 ـ ديديي شودي: "كيف انتقل الهزارة في أفغانستان من عبيد إلى سياسيين".
Didier Chaudet, « Comment les Hazaras en Afghanistan sont passés d’esclaves à figures politiques », Huffington Post, 08 mai 2014.

5 ـ مايكل غريفين، حصاد الزوبعة: حركة طالبان في أفغانستان.
Michael Griffin, Reaping the Whirlwind : The Taliban Movement in Afghanistan, Pluto, 2001, p. 91.