بدأت طواقم هندسية مصرية خلال الأيام القليلة الماضية، أعمالاً هندسية مفاجئة في مدينة رفح المصرية المجاورة للحدود مع قطاع غزة، أثارت القلق لدى أهالي سيناء، في ظلّ الحديث الإسرائيلي عن عملية عسكرية برّية في مدينة رفح الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، وإمكانية تهجير أكثر من مليون نازح فلسطيني متواجدين في المدينة، بالتزامن مع تحذيرات مصرية من العملية العسكرية في رفح ومحور فيلادلفيا الفاصل بين مصر وقطاع غزة على وجه الخصوص.
وبرز أمس الخميس، تحذير منسق المساعدات بالأمم المتحدة مارتن غريفيث، من أن "احتمال امتداد تداعيات الحرب من غزة إلى مصر حقيقة ماثلة أمام أعيننا في رفح"، متحدثاً عن احتمال تدفق الفلسطينيين المكدسين في رفح إلى مصر إذا شنّت إسرائيل عملية عسكرية على المدينة الحدودية. وأضاف غريفيث في كلمة بالأمم المتحدة في جنيف أن فكرة انتقال الأفراد في غزة إلى مكان آمن محض "وهم".
منطقة عازلة في رفح المصرية
وحصلت "العربي الجديد" على مشاهد مصورة لآليات هندسية مصرية تعمل للمرة الأولى في المنطقة العازلة التي أقامها الجيش المصري على مدار السنوات الماضية بعد تهجير سكان مدينة رفح المصرية إلى داخل المدن المصرية الأخرى، حيث تعمل الآليات على تسوية الأرض وإزالة ركام المنازل التي تمّ تدميرها في سبيل إقامة المنطقة العازلة.
وفي التفاصيل، قالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، إن آليات هندسية تابعة لشركة "أبناء سيناء" المملوكة لرجل الأعمال المصري إبراهيم العرجاني، المقرب من جهاز الاستخبارات العامة المصرية، بدأت بالعمل منذ أيام عدة في تسوية مساحات واسعة من مدينة رفح، وذلك بحضور قوة عسكرية تابعة لاتحاد قبائل سيناء الذي يقوده العرجاني.
يجري إنشاء مربعات أمنية محاطة بأسوار داخل مدينة رفح
وأضافت المصادر ذاتها أن الآليات بدأت بإزالة ركام المنازل المدمرة وتسوية الأرض ونقل قطع خرسانية من مصنع الخرسان الذي أقامته شركة "أبناء سيناء" بجوار معبر رفح والمخصص لتصنيع الخرسان لصالح أعمال الجيش المصري في محافظة شمال سيناء والذي استخدمه أخيراً لتشييد جدار جديد على الحدود المصرية مع قطاع غزة، فيما تم البدء في إنشاء مربعات مغلقة بالجدر الخرسانية بارتفاع شاهق لا يمكن تجاوزه.
وأشارت المصادر إلى أنه في الأيام الأخيرة، شهدت محافظة شمال سيناء وتحديداً مدينة رفح، زيارات متكررة لقيادات عسكرية مصرية، بالإضافة إلى زيارات جوية من خلال طائرات مروحية عسكرية مصرية وأخرى تابعة لقوات حفظ السلام الدولية على طول محور فيلادلفيا.
يشار إلى أن مدينة رفح المصرية والمنطقة الحدودية ومعبر رفح البرّي شهدت زيارات متكررة لمسؤولين مصريين ودوليين في إطار متابعة إدخال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة والمنطقة الجنوبية منه على وجه الخصوص.
أهالي شمال سيناء متوجسون
في المقابل، سادت حالة من القلق لدى أهالي محافظة شمال سيناء، تحديداً المهجرين من مدينتي رفح والشيخ زويد، من المصير الذي تواجهه أراضيهم في ظل التحركات الميدانية التي تبدو متوافقة مع المخططات الإسرائيلية بتهجير قسري لمئات آلاف الفلسطينيين نحو سيناء بعد سنوات من إخلاء الجيش المصري سكّان المنطقة الأصليين، وفي ظل عدم فتح أبواب مدينة رفح الجديدة أمام المهجرين والتي تتسع لعشرات آلاف المواطنين وتبعد عدة كيلومترات عن الحدود مع قطاع غزة.
وقال أحد وجهاء مدينة رفح المصرية، لـ"العربي الجديد"، إن أي خطوة ميدانية في سيناء وخصوصاً مدينة رفح، يجب أن يجري توضيحها للمواطن المصري وأبناء سيناء على وجه الخصوص، في ظل تزايد الحديث عن مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، معتبراً أن البدء في إنشاء مربعات أمنية محاطة بأسوار داخل مدينة رفح في هذا التوقيت، لا يؤشر إلا إلى نيّة الأمن المصري والدولة بأكملها استقبال المهجرين الفلسطينيين في تلك المربعات، وذلك في حال دخول جيش الاحتلال إلى مدينة رفح المجاورة للحدود مع سيناء.
مهند صبري: كل المؤشرات تدل على أن النظام المصري يقترب بشدة من بدء التعامل مع مرحلة تهجير الفلسطينيين
من جهته، قال الباحث في شؤون سيناء مهند صبري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ما يحدث في رفح المصرية بالتوازي مع خط الحدود مع قطاع غزة، هو أمر سرّيته هي مصدر الشبهة فيه، ولكن كل المؤشرات تدل على الأقل على أن النظام المصري يقترب بشدة من بدء التعامل مع مرحلة تهجير الفلسطينيين، وذلك من خلال تهجيرهم من داخل قطاع غزة إلى منطقة محددة ومحاطة بسيادة أمنية داخل سيناء.
وأضاف صبري أن خطة الإخلاء باتجاه سيناء تتماشى تماماً مع وجهه النظر الدولية ووجهة النظر الأميركية والأوروبية وأيضاً بعض التصريحات المصرية التي تقول إن عمليات رفح لا يجب أن تتم قبل إيجاد مكان آخر للمدنيين، متسائلاً: "أين هو المكان الآخر؟ لا يوجد مكان على الخريطة ستقبل به إسرائيل، وقالت ذلك صراحة غير خروجهم من قطاع غزة، ولا يوجد اتجاه للخروج من غزة سوى باتجاه سيناء وتحديداً رفح المصرية في منطقة محاطة بقوات الأمن المصرية".
واستكمل بالقول: "كيف سيتطور هذا الوضع هو سؤال مفتوح، ولكن هذا الفعل في حد ذاته يمثل كارثة أمنية وعسكرية وأيضاً على مستوى الرأي العام العربي والإسلامي وكذلك المصري، لأن من شأن هذا التهجير أن يعطي فرصة لإسرائيل لكي تستمر في سياساتها العسكرية الغاشمة ضد قطاع غزة".
في السياق، قالت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، إنها حصلت على معلومات من مصدر ذي صلة تفيد بأن أعمال البناء الجارية حالياً شرقي سيناء هي لإنشاء منطقة أمنية معزولة مع الحدود مع قطاع غزة بهدف استقبال لاجئين من غزة في حال حدوث عملية نزوح جماعي من سكان القطاع الفلسطيني.
وفي مقابلة للمؤسسة مع اثنين من المقاولين المحليين، قالا إن أعمال البناء التي حصلت عليها شركات محلية من الباطن بتكليف من شركة "أبناء سيناء" المملوكة للعرجاني، تهدف إلى إنشاء منطقة محاطة بأسوار بارتفاع 7 أمتار، بعد إزالة أنقاض منازل السكّان الأصليين التي دمرت خلال الحرب على الإرهاب، وتمهيد التربة وتسويتها، على أن تنتهي هذه الأعمال في أقصر وقت ممكن لا يتجاوز العشرة أيام.
وأضاف المصدران للمؤسسة، أن هذه المعلومات جرى تداولها على نطاق ضيق بهدف عدم انتشارها، وأن العمل يجري تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وفي تواجد أمني كثيف.
وكانت مؤسسة سيناء قد نشرت أخيراً، تقريراً مدعماً بصور، يوضح بدء السلطات في أعمال إنشاء بوتيرة سريعة للغاية، في ظل تشديد أمني كبير في المنطقة الحدودية شرق سيناء. كما رصد فريق المؤسسة، إنشاء جدار إسمنتي بارتفاع 7 أمتار بدءاً من نقطة في قرية قوز أبو وعد جنوب مدينة رفح ويتجه نحو الشمال باتجاه البحر المتوسط في موازاة الحدود مع قطاع غزة.
وأكدت المؤسسة أن الأعمال الهندسية قد بدأت في وقت مبكر من صباح الاثنين 12 فبراير/شباط الحالي في منطقة حدّها الشمالي ينحصر بين قرية الماسورة غرباً ونقطة على خط الحدود الدولية جنوب معبر رفح، بينما ينحصر حدّها الجنوبي بين قرية جوز أبو رعد ونقطة على خط الحدود الدولية جنوب معبر كرم أبو سالم، في ظل تواجد ضباط تابعين لجهاز الاستخبارات الحربية وعدد من سيارات الدفع الرباعي تحمل عناصر قبلية مسلحة تابعة لمليشيا "فرسان الهيثم" التابعة لاتحاد قبائل سيناء الذي يرأسه العرجاني، بالقرب من منطقة قوز أبو رعد جنوب مدينة رفح بصحبة عدد كبير من المعدات والجرافات وبرفقة عدد من المقاولين المحليين.