- تضم أصفهان منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم ومركز معالجة اليورانيوم، مما يؤكد على أهميتها الاستراتيجية في البرنامج النووي الإيراني.
- تعد أصفهان موطناً لصناعات وقواعد عسكرية حساسة، بما في ذلك إنتاج مسيّرات متطورة وقواعد صاروخية، مما يعزز من مكانتها الاستراتيجية في المنطقة.
ارتبط اسم أصفهان بالبرنامج النووي الإيراني حيث تضم منشأة نظنز
تضم أصفهان قواعد ومواقع عسكرية حساسية مسؤولة عن أبرز الصناعات
وسط التوتر مع إسرائيل برز اسم قاعدة شكاري الجوية التي تصدت لأجسام
أصفهان الإيرانية التي لطالما اشتهرت في كتب التاريخ والسياحة لمكانتها الكبيرة سياسياً وأثرياً، ودورها في السياسة والأدب والثقافة والفنون، حتى قبل أن يبرز اسم طهران كعاصمة قبل 239 عاماً، باتت اليوم اسماً مرتبطاً بما هو أبعد من السياسة، لكنه في صلبها، أي بالبرنامج النووي الإيراني، فضلاً عن الصناعات العسكرية أيضاً، فأصفهان اليوم عنوان يختصر تاريخ إيران القديم والحديث بكل تعقيدات السياسة الإيرانية والتوترات التي تواجهها هذه السياسة في الصراع مع الغرب وكذلك مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
انفجارات أصفهان، أمس الجمعة، وسط حديث إسرائيلي وأميركي عن هجوم ونفي إيراني له، أعادت هذه المنطقة الإيرانية الحسّاسة إلى واجهة الأحداث في المنطقة والعالم. ولا تزال ملابسات ما حصل في أصفهان فجر الجمعة غير واضحة تماماً، فبينما تتحدث السلطات الإيرانية عن تصدّي الدفاعات الجوية فيها لـ"أجسام طائرة"، تشير تقارير استخبارية إسرائيلية وغربية إلى هجوم إسرائيلي بالصواريخ، يقال إنها أطلقت من مقاتلة من خارج الأجواء الإيرانية.
تقع محافظة أصفهان في مساحة تتجاوز 107 آلاف كيلومتر مربع وسط إيران، رشّحها موقعها الاستراتيجي في عمق الأراضي الإيرانية بعيداً عن الحدود وإشكالياتها ومشكلاتها، لتحتضن منذ قرابة ثلاثة عقود تقريباً العديد من المنشآت الإيرانية الاستراتيجية الحساسة، مرتبطة بالبرنامجين النووي والعسكري، لكن ارتباطها بـ"النووي" الإيراني أوثق وأعمق من غيره، فواكبت أصفهان اسماً وجغرافيا مسار تقدّم وتطور البرنامج النووي الإيراني، وتحتوي اليوم على منشأتين نوويتين مهمتين.
منشأة نظنز
تعد منشأة نطنز أو منشأة "الشهيد مصطفى أحمدي روشن"؛ العالم النووي الإيراني الذي اغتالته إسرائيل عام 2012، الأهم في إيران لتخصيب اليورانيوم، إذ تحتوي على أكبر عدد لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في التخصيب، وتستوعب طاقتها تشغيل 54 ألف جهاز طرد مركزي. تقع المنشأة في منطقة نطنز بمحافظة أصفهان على بعد أكثر من 220 كيلومتراً من العاصمة الإيرانية طهران.
بُنيت المنشأة في مساحة 1400 هكتار في صحراء إيران المركزية، وكشفت عنها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة عام 2002، الأمر الذي أسس لمرحلة جديدة من الخلافات والصراع مع الغرب بشأن برنامج إيران النووي، مستمرة حتى يومنا هذا، ولم ينجح الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في إنهاء هذا الصراع الذي هو ضمن صراع أوسع بين الطرفين.
وتقع أقسام من صالات تخصيب اليورانيوم في نطنز في أعماق 40 إلى 50 متراً تحت الأرض، لكن كونها تقع في صحراء مفتوحة، وهو ما يشكل تهديداً لها أمام هجمات جوية في ظل استمرار التهديدات الإسرائيلية والأميركية ضد البرنامج النووي الإيراني، عملت السلطات الإيرانية النووية على إنشاء منشأة فوردو الأكثر تحصيناً في أعماق 90 متراً داخل جبال منطقة تحمل الاسم نفسه في محافظة قم التي تقع بين أصفهان وطهران.
وتقع فوردو على بعد 160 كيلومتراً من العاصمة الإيرانية، غير أنّ إيران عملت على حفر شبكة أنفاق ضخمة جنوب منشأة نطنز، عام 2022، اعتبرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، حينها، أكبر جهد إيراني حتى الآن لبناء منشآت نووية جديدة في أعماق الأرض قادرة على الصمود بوجه القنابل والهجمات الإلكترونية.
وأكدت منظمة الطاقة النووية الإيرانية صحة التقارير عن الإنشاءات المحصنة الجديدة جنوب نطنز، مشيرة إلى أن الهدف منها هو تعزيز التدابير الأمنية، وكذلك نقل مصنع تسا لصناعة أجهزة الطرد المركزي في منطقة كرج، غربي طهران، بعد استهداف المصنع عام 2021.
وكشف رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية السابق البرلماني فريدون عباسي، مطلع شهر مايو/ أيار 2021، أنّ منشأة نطنز تعرضت لـ"خمس عمليات تخريبية كبيرة خلال السنوات الـ15 الأخيرة"، مع الحديث عن وقوع عمليات "صغيرة" أخرى في هذه المنشأة. وقال عباسي، في مقابلة مع وكالة فارس الإيرانية، إن الانفجار الأول وقع خلال عام 2011 عبر "وضع متفجرات في مستشعرات قياس الهواء في أجهزة الطرد المركزي"، مشيراً إلى أن هذه المتفجرات كانت بحجم حبات العدس ووقع الانفجار منتصف الليل.
وبدأت الهجمات "التخريبية" في المواقع النووية الإيرانية عام 2010 بهجمات إلكترونية، حيث استهدف فيروس ستاكس نت، المصنف على أنه أخطر فيروس عسكري، عام 2010 منشأة نطنز الكبرى في البلاد لتخصيب اليورانيوم، ومفاعل بوشهر النووي بالقرب من الخليج.
موقع UCF
وإلى جانب منشأة نطنز، تحتضن أصفهان أيضاً مركزاً نووياً مهماً آخر تحت مسمى موقع أصفهان النووي أو مركز معالجة اليورانيوم (UCF)، الذي بُني على مساحة 60 هكتاراً، وهو يشتمل على نحو 60 منشأة ومركز إنتاج تعمل في الصناعة النووية الإيرانية، منها عدة مفاعل نووي. ومن أهم النشاطات النووية في مركز معالجة اليورانيوم هو انتقال الكعكة الصفراء إليه لمعالجتها، وإعدادها في عملية التخصيب لإنتاج الوقود النووي، لكن المركز لا يقوم بتخصيب اليورانيوم.
ومن أهم أعمال المركز أيضاً تحويل الكعكة الصفراء إلى مركبات يورانيوم أخرى مثل ثنائي أكسيد اليورانيوم وسداسي فلوريد اليورانيوم ورباعي فلوريد اليورانيوم. كما يقوم المركز بإنتاج غاز فلور الذي يعدّ مركباً أساسياً في الصناعة النووية، وبعد إنتاج سداسي فلوريد اليورانيوم يتم نقله إلى منشأة نطنز لاستخدامه في أجهزة الطرد المركزي لزيادة نقاء اليورانيوم المخصب الذي ينتقل إلى مركز معالجة اليورانيوم لتجهيزه للاستخدام في وقود المفاعل النووي. وفي 5 فبراير/ شباط 2024، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، عن مشروع بناء المفاعل الرابع وهو مفاعل بحثي في موقع أصفهان النووي أو ما يعرف بمركز معالجة اليورانيوم UCF.
صناعات وقواعد عسكرية في أصفهان
فضلاً عن احتوائها على أهم المنشآت النووية الإيرانية، تضم أصفهان أيضاً صناعات وقواعد ومواقع عسكرية حساسية، منها مجمعات لوزارة الدفاع الإيرانية والتي تنشط في الصناعات العسكرية، وتعرّض بعضها خلال السنوات الأخيرة لـ"أعمال تخريبية"، منها مجمع أمير المؤمنين الذي تعرّض لهجومين بالمسيّرات الصغيرة خلال شهري إبريل/ نيسان من عامي 2022 و2023. ومن الصناعات العسكرية الحساسة في أصفهان أيضاً صناعات "شاهد" الجوية للقوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري الإيرانية. مركز شاهد الذي يقع في قاعدة بدر الجوية للحرس الثوري الإيراني في أصفهان، شملته العقوبات الأميركية في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
صناعات "شاهد" أنتجت الجيل المتطور من مسيّرات شاهد 136 الانتحارية التي ذكرت وسائل إعلام إيرانية أنّ الحرس الثوري استخدمها في الهجمات على إسرائيل، ليل السبت/ الأحد الماضي. وأصبحت مسيّرة شاهد 136 الإيرانية الأكثر شهرة لكثرة الحديث عن استخدامها في الحرب الروسية ضد أوكرانيا وسط نفي إيران لتزويد روسيا بها. وتزن المسيّرة نحو 200 كيلوغرام. وتحمل بين 25 و30 كيلوغراماً من المتفجرات في رأسها. وتحلّق على ارتفاع منخفض، كما أنها تتخفى عن الرادار.
كذلك، ثمة قواعد صاروخية باليستية تابعة للحرس الثوري الإيراني في جنوب وجنوب شرق إصفهان. وتشكل القواعد الجوية الإيرانية في أصفهان، في مقدمتها قاعدة شكاري الثامنة للجيش وقاعدة بدر وقواعد صاروخية وأنظمة الدفاع الجوي المنتشرة في المحافظة، مظلة جوية لحماية المنشآت الحساسة فيها، في مقدمتها المنشآت النووية.
قاعدة شكاري الجوية
في خضم التوترات الجديدة مع إسرائيل، برز اسم قاعدة شكاري الجوية، وهي القاعدة الثامنة للجيش الإيراني، التي تعد واحدة من 17 قاعدة جوية نشيطة للجيش في البلاد، وتعتبر "قلب الدفاع الجوي" الإيراني، لكونها تقع في وسط إيران وعمقها الاستراتيجي وتشكل مظلة للدفاع الجوي عن أهم المنشآت النووية. ومع سماع دوي انفجارات في أصفهان، فجر الجمعة، عزتها السلطات العسكرية الإيرانية إلى تصدي الدفاعات الجوية في قاعدة شكاري لـ"أجسام جوية طائرة"، نافية في الوقت ذاته صحة تقارير أميركية وإسرائيلية، منها تقرير لـ"نيويورك تايمز" الأميركية، اليوم السبت، عن تدمير أو إتلاف نظام الرادار المستخدم في نظام الدفاع الجوي إس-300 روسي الصنع في قاعدة شكاري الجوية.
وأضافت الصحيفة أنها حصلت على صور التقطتها أقمار صناعية، تكشف أن الهجوم الإسرائيلي على قاعدة شكاري الجوية في أصفهان أصاب جزءاً مهماً من منظومة للدفاع الجوي، لكن وكالة نور نيوز المقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني نقلت عن مسؤول إيراني نفيه لصحة ما أوردته "نيويورك تايمز".
قاعدة شكاري التي تعرف أيضاً باسم قاعدة "الشهيد الطيار عباس بابائي" تقع شمال شرقي مدينة أصفهان، بالقرب من مطارها الرئيس. وتعمل في القاعدة ثلاث كتائب جوية قتالية وكتيبتان تدريبيتان، منها كتيبة 81 لمقاتلات إف 14 الاعتراضية، وكتيبة سرب مقاتلات سوخوي 24 وكتيبة مقاتلات إف 7.
وتستعد القاعدة لاستقبال مقاتلات سوخوي 35 الروسية المتطورة بعدما تقدّمت طهران بطلب لشرائها قبل نحو عامين، لكن الصفقة رغم الإعلان عن موافقة روسية مبدئية لم تتم بعد، إلا أن وسائل إعلام إيرانية، ذكرت، اليوم السبت، على وقع التوترات الساخنة الحديثة، أن روسيا تعتزم تسليم 12 مقاتلة من طراز سوخوي 35 إلى طهران قريباً، مشيرة إلى أن الدفعة الأولى من هذه المقاتلات سيتم تسليمها إلى إيران هذا الأسبوع، غير أن وزارة الدفاع الروسية أو الجهات الرسمية في إيران لم تؤكد أو تنف هذا الخبر بعد.