أسرى تنظيم "داعش" في سورية: استعصاء يعمقه التهرّب الدولي

27 يناير 2022
استهدف هجوم "داعش" سجن غويران في الحسكة (فرانس برس)
+ الخط -

دفعت الأحداث الدامية في مدينة الحسكة، عاصمة محافظة الحسكة في الشمال الشرقي من سورية، والتي استمرت لأيام، بعد اقتحام تنظيم "داعش" سجن "الصناعة" في المدينة والاستعصاء داخله، ليل الخميس - الجمعة الماضيين، ملف أسرى التنظيم إلى واجهة الحدث السوري، بعد التغاضي عن هذا الملف الممتد منذ سنوات، من قبل المجتمع الدولي، وتحديداً الدول التي ينتمي إليها عناصر التنظيم والتي ترفض استقبالهم.

هجوم "داعش" بالحسكة يصل إلى نهايته

ويبدو أن التصعيد الذي قام به عددٌ كبير من أسرى التنظيم في سجنهم الأكبر في الحسكة، وصل أمس إلى نهايته، بعدما فقد عناصر التنظيم القدرة على الاستمرار أكثر في القتال ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي حاصرت السجن وتعاملت لأيام مع فارين خارجه.

وأعلنت "قسد"، أمس الأربعاء، انتهاء عمليتها العسكرية والأمنية ضد عناصر التنظيم، بالسيطرة الكاملة على سجن "الصناعة" واستسلام جميع عناصر "داعش". وأكد بيان لهذه القوات "تتويج حملة مطرقة الشعوب العسكرية والأمنية، بالسيطرة الكاملة على سجن الصناعة في الحسكة من قبل قواتنا، واستسلام جميع عناصر" التنظيم. 

إبراهيم مسلم: حلّ معضلة أسرى "داعش" يكمن في إنشاء محكمة خاصة

وجاء ذلك بعد وقت قصير من بثّ قوات "قسد"، التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي، مقطع فيديو، أمس، يظهر تحرير عدد من عناصرها كانوا محتجزين في السجن بعد "صفقة" مع التنظيم، تتضمن إدخال فريق طبي إلى السجن لمعالجة مصابين من عناصر "داعش" نتيجة الاشتباكات.

من جهته، أكد المركز الإعلامي لـ"قسد"، في بيان، أمس، "استسلام نحو ألف مرتزق"، مضيفاً أن القوات الكردية تواصل حملات التمشيط الواسعة النطاق في محافظتي دير الزور والحسكة. ويعني فحوى البيان، أن عدداً من عناصر "داعش"، من الأسرى أو المهاجمين للسجن، قد نجحوا في الهروب إلى خارج مدينة الحسكة.

وكان تنظيم "داعش" شنّ، ليل الخميس – الجمعة الماضيين، هجوماً هو الأكبر منذ إعلان القضاء عليه في منطقة شرقي نهر الفرات مطلع عام 2019، حيث استهدف بسيارتين مفخختين بوابات سجن "غويران"، قبل أن يشن العشرات من عناصره هجوماً لفتح هذه البوابات وإخراج سجناء التنظيم منه.

ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قتل في هذه العملية بحي غويران، 159 شخصاً، هم: 107 من عناصر تنظيم "داعش"، و45 عنصراً من قوات الأسايش الكردية، وحرّاس السجن، وقوات مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى 7 مدنيين.

ووصف النظام السوري، عبر وسائل إعلامه، أحداث مدينة الحسكة الأخيرة بـ"المسرحية"، متهماً "قسد" بـ"التواطؤ" فيها، واستثمار ما يجري لـ"استجلاب مزيد من الاعتراف الدولي" به، وبما يسمى "الإدارة الذاتية الكردية الانفصالية التي تسيطر عليها، كأهم الكيانات والقوى القائمة بحكم الأمر الواقع لمحاربة التنظيم"، وفق صحيفة "الوطن" التابعة للنظام.

وكانت ما تسمّى بـ"هيئة أعيان شمال وشرق سورية"، دعت أول من أمس الثلاثاء، التحالف الدولي لمحاربة "داعش" الذي تقوده الولايات المتحدة، والأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية، للاعتراف بـ"الإدارة الذاتية"، وحلّ ملف عناصر "داعش" المعتقلين في سجون هذه الإدارة التابعة لقوات "قسد".

سجون سرّية ومعلنة في شرقي الفرات

وتحتجز "قسد" الآلاف من عناصر وقيادات "داعش" منذ سنوات عدة، في العديد من السجون المعلنة والسرّية، وهو ما شكّل عبئاً كبيراً على هذه القوات، التي لطالما طالبت الدول التي يحمل هؤلاء العناصر جنسياتها، باستلام رعاياهم، وهو ما قوبل بالرفض.

كما دعت "قسد" في العديد من المناسبات إلى تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة عناصر "داعش" المعتقلين، إلا أن المجتمع الدولي لم يتجاوب.

ويجعل هذا الواقع مصير هؤلاء العناصر، ومصير عائلاتهم، مجهولاً، إذ تحتجز أغلب عائلات أسرى "داعش" في مخيم الهول في ريف الحسكة، الذي يعيش فلتاناً أمنياً كبيراً، ما يؤدي إلى مقتل أشخاص، بشكل شبه يومي.

وكانت قوات "قسد" قد أسرت أكثر من 10 آلاف عنصر وقيادي من "داعش" منذ بداية عام 2016، وحتى بداية عام 2019، مع الإعلان الرسمي عن نهاية التنظيم في شرقي الفرات.

وتحدثت تقارير عدة في عام 2020، عن وجود 19 ألف أسير من "داعش"، لدى "الإدارة الذاتية"، من بينهم 12 ألف سوري و5 آلاف عراقي، وألفا أجنبي يتحدرون من 55 دولة، محتجزون في 12 سجناً، في مناطق عدة، في شرقي الفرات.  

"قسد" تستثمر ملف أسرى "داعش"

وحاولت "قسد" استثمار هذا الملف لتحصيل دعم ومكاسب سياسية، حيث رفضت أواخر 2019 تسليم هؤلاء الأسرى إلى فصائل المعارضة السورية، التي اقترحت تسلمهم، وتعهدت بضمان عدم فرار أي أسير، ووضعهم في مراكز أمنية خاصة.

فضل عبد الغني: لأسرى داعش حقوق لا يجوز انتزاعها من قبل أي جهة

كما تعهدت "قسد" بـ"ضمان العمل على إجراء محاكمات عادلة للمتورطين بالجرائم والعمليات الإرهابية من خلال المحاكم السورية المختصة الموجودة في المنطقة، ووفق المعايير الدولية والإنسانية، وإخضاع النساء والأطفال لدورات إعادة التأهيل، بإشراف مجموعات متخصصة وكوادر المركز السوري لمحاربة الفكر المتطرف".  

وفي حينه، قال القائد العام لـ"قسد"، مظلوم عبدي، في تصريحات تلفزيونية: "مسلحو داعش المعتقلون وعائلاتهم لدينا. نحن من ألقى القبض عليهم، ونحن من يحدد مصيرهم".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لوّحت القوات الكردية بورقة الأسرى، لإيقاف العملية العسكرية التركية التي حملت اسم "نبع السلام"، في شرقي الفرات، حيث هرب بالفعل عدد من أسرى التنظيم حينها، ما تسبب بقلق دولي.  

ويرى الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية"، إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن حلّ معضلة أسرى "داعش" في الشمال الشرقي من سورية "يكمن في إنشاء محكمة خاصة، على أن ينقل كل عنصر لتنفيذ الحكم الذي يصدر عليه، إلى البلد الذي يحمل جنسيته"، مشدداً على "وجوب إعادة الأطفال إلى بلدانهم الأصلية".

من جهته، يعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ملف محتجزي "داعش" لدى "الإدارة الذاتية" في الشمال الشرقي من سورية "يتم التعامل معه من قبل تلك الإدارة بطريقة غير قانونية وغير أخلاقية".

ويتحدث عبد الغني عن "وجود عشرات الآلاف من المحتجزين من داعش، وآخرين تبرّر قسد احتجازهم في السجون بحجة مساعدتهم للتنظيم إبان سيطرته على جزء كبير من الشمال الشرقي من سورية، ولكن من دون أن تقدم أي أدلة على ذلك".

ويوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن "أي أحد يريدون التخلص منه، يلصقون هذه التهمة به على طريقة النظام السوري الذي يلصق تهمة الإرهاب بكل معارضيه".

ويبيّن عبد الغني أن مخيم الهول "يضم نحو 10 آلاف محتجز"، معتبراً أنه "حتى الأعداد هي غير دقيقة لأن قسد لا تفصح عن العدد الحقيقي، إذ لا شفافية في الإحصائيات".

ويشدد عبد الغني على "حصول انتهاك لحقوق هؤلاء السجناء، إذ حتى لو كانوا من داعش، أو متهمين بالانتساب إليه، فلهم حقوق لا يجوز انتزاعها من أي جهة كانت، من قبيل الحصول على محاكمة عادلة، والإقامة في مركز احتجاز مناسب، وتوكيل محامين، والاتصال بذويهم".  

المساهمون