تنهي الاحتجاجات المستمرة في السويداء، جنوب سورية، اليوم السبت أسبوعها الأول، متخذة طابعاً مختلفاً عن الحركات الاحتجاجية السابقة، رغم وجود العديد من العوامل المشتركة فيما بينها، وهو تفاقم الوضع المعيشي وتردي الأوضاع الاجتماعية.
فعلاوة على تجمع المحتجين أمام مقام "عين الزمان"، ذي الرمزية عند طائفة الموحدين الدروز الذين يشكلون غالبية سكان السويداء أمس الجمعة، فقد ظهرت خلال الوقفة الاحتجاجية أعلام الطائفة في الوقفة، إضافة لمشاركة مشايخ ورجال دين.
وكانت النقطة الرئيسية للاحتجاجات، خلال الأيام الخمسة الأولى، أمام "دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز" في مدينة السويداء، قبل انتقالها في اليوم السادس، أمس الجمعة، إلى أمام مقام "عين الزمان".
وجاءت هذه التطورات بعد الكشف عن تأييد شيخ العقل الأول لطائفة الموحدين الدروز في سورية، حكمت الهجري، لأي حراك سلمي يطالب بالحقوق المشروعة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة، بحسب ما أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أول من أمس الخميس.
طالب المحتجون في السويداء بدولة مدنية ديمقراطية
ونقلت المصادر عن الهجري طلبه، يوم الأربعاء الماضي، عدم "الاصطياد في الماء العكر في ظل هذه الأزمات"، مشيراً إلى أن المواطنين لهم الحق في التعبير عن رأيهم، وتحصيل حقوقهم المشروعة، وأن هذه التوجيهات صدرت عنه فقط، ولم يُصدر غيرها.
الاحتجاجات في السويداء قد تستمر اليوم
وشارك في الاحتجاجات أمس الجمعة العشرات من أهالي المحافظة. ومن المتوقع أن تستمر اليوم كذلك، بعد تفاقم تدني الأوضاع المعيشية، وهي حالة تعيشها سائر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، علاوة على قلة الخدمات التي يقدمها النظام للمواطنين، وكذلك رفع الدعم الحكومي عن مئات العائلات في السويداء وفي مناطق أخرى.
ولم تكن هذه الموجة من الاحتجاجات هي الأولى من نوعها في السويداء، إذ شهد العام الماضي مثيلاً لها، فيما كانت أشد الاحتجاجات صيف العام 2020. وكان موضوعها الرئيسي واحد، وهو تفاقم الأوضاع المعيشية والأمنية في المحافظة. لكن كل تلك الاحتجاجات غلب عليها الطابع السياسي، بالمطالبة بإسقاط النظام في دمشق، وإن كان هذا الشعار لم يكن بحدة احتجاجات صيف 2020.
رفع شعار "الدين لله والوطن للجميع"
ورفع المحتجون، أمس الجمعة، شعارات من قبيل "الدين لله والوطن للجميع"، مطالبين بدولة مدنية ديمقراطية بعيدة عن الخلفيات المذهبية أو العرقية، ونبذ تصرفات الإذلال التي اتبعها النظام مع السكان في مناطق سيطرته.
كما رصدت "العربي الجديد" انتشاراً أمنياً مكثفاً عند مركز مدينة السويداء (مركز المحافظة)، بالإضافة إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى ساحة السير والمباني الحكومية القريبة منها، وخاصة مبنى المحافظة وقيادة الشرطة، قبيل خروج الاحتجاجات وبالتزامن معها.
وانفضت التظاهرة أمام مقام "دار الزمان" من دون تسجيل أي حوادث، سواء من قبل قوات النظام باتجاه المحتجين أو العكس. وبدا واضحاً وجود رغبة في تجديد الاحتجاجات اليوم السبت، وربما خلال الأيام القليلة المقبلة.
وحتى الآن، لم يلجأ النظام إلى الخطوات المعتادة، بإرسال شخصيات مرتبطة به من داخل السويداء لتهدئة التوتر هناك. لكن وفداً روسيا وصل، أمس الأول الخميس، إلى المحافظة.
وفي حين أنه كان من المتوقع أن يلتقي الوفد الروسي بوجوه اجتماعية ودينية معروفة، فإنه توجه، في المقابل، إلى مبنى المحافظة ليلتقي المحافظ نمير مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، ورئيس فرع أمن الدولة (جهاز مخابرات رئيسي يتبع للنظام) العميد سالم الحوش، دون معرفة ما أفرز عنه الاجتماع.
العيش الكريم من حق المواطن
وقال مهران.ع (أخفى اسم عائلته لأسباب أمنية)، وهو أحد المشاركين باحتجاجات أمس وما سبقها لـ"العربي الجديد": "وقفنا من أجل إسماع وجع الناس في السويداء وكل المحافظات السورية، بأن من حق المواطن العيش الكريم، وأن على السلطة إيقاف الفساد".
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد": "نتعرض لهجوم من العديد من الأطراف، ويتم تخويننا. أكدنا اليوم (أمس) أننا متمسكين بسوريتنا، وأن شعار (قائد الثورة السورية) سلطان الأطرش، الدين لله والوطن للجميع بوصلة أهل الجبل".
نورس عزيز: الطبقة المسحوقة هي الناشطة في حراك السويداء
وتابع: "ما نريده التراجع عن القرارات الجائرة ومحاربة الفساد، وإيجاد حل للأزمة السورية، وأن تتحمل السلطة مسؤوليتها في حل مشاكل المواطنين". وقال: "نحن لا نطالب برغيف خبز ولتر مازوت، نحن نريد العيش الكريم وحفظ الكرامة للسوريين جميعاً".
الطبقة المسحوقة هي الناشطة باحتجاجات السويداء
من جهته، رأى الكاتب والصحافي من السويداء نورس عزيز أن "هذا الحراك يختلف عن سابقيه، وذلك لأن الطبقة المسحوقة والطبقة المحايدة هي من تنشط اليوم في حراك السويداء".
واعتبر أنه وعلى "الرغم من عدم التنظيم والتخطيط المسبقين، فإن وجود شيوخ دين مع راية (الخمسة حدود – رمز ديني للموحدين الدروز) كفيلة بحشد الشارع في السويداء، على اختلاف توجهاتهم، معارض وموالٍ وحيادي، وإدراجهم ضمن هذا الحراك".
وأضاف عزيز، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما ميز هذا الحراك هو الخطاب السوري الجامع". وأوضح أن "أحد المتحدثين في الحراك، ومن ضمن الفاعلين فيه، هو شيخ دين، طالب بدولة مدنية ديمقراطية سوريّة جامعة".
وأشار إلى أن ما يميزه أيضاً هو "تصاعد الخطاب من مطالب معيشية إلى توجيه رسائل إلى الفاسدين في السلطة، وتوجيه ردود على (المستشارة السياسية لرئيس النظام السوري) بثينة شعبان، بعد أن حاولت (في مقال نشر في صحيفة "الوطن" في 7 الشهر الحالي) تمرير رسائل مفادها بأن أهالي السويداء عملاء لإسرائيل ويريدون الانفصال". واعتبر أن "الاحتجاج مبشر ومشجع، وحتى اللحظة يحافظ على خطه الوطني".
وأمس الجمعة، ذكرت وسائل إعلام محلية تعمل في دمشق، أن النظام استنفر قواته الأمنية داخل العاصمة وعلى مداخلها، بالإضافة إلى بعض مناطق الساحل السوري.
لكن مراسل "العربي الجديد" في دمشق أكد عدم وجود حركة أمنية غير اعتيادية في العاصمة. وأشار إلى أن الانتشار الأمني، من خلال الحواجز التي تقطع الطرق، لم يتغير، رغم كثافته، وهذا الانتشار بات حالة طبيعية منذ اندلاع الثورة في البلاد.
ويتوقع مراقبون أن تكون السويداء منطلقاً لتوسع الاحتجاجات إلى عموم المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، بما يشبه الانفجار، وذلك بعد وصول نحو 80 في المائة من السوريين إلى ما دون خط الفقر، بسبب سياسات اقتصادية وأمنية يفرضها النظام، يصفها بعضهم بالمقصودة وغرضها الإذلال. ويضاف إلى هذا تردي الأوضاع الأمنية والفلتان، الذي تقف وراءه الأجهزة الأمنية وتنفذه مليشيات يديرها خارجون عن القانون تحت أعين النظام.