أسبوع على احتجاجات السويداء... الحراك يتجه إلى تنظيم نفسه

27 اغسطس 2023
من التظاهرات في السويداء أمس السبت (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يتراجع زخم الاحتجاجات في محافظة السويداء جنوبي سورية لليوم السابع على التوالي، إذ اكتظت ساحة السير (الكرامة) بآلاف المتظاهرين المطالبين برحيل رأس النظام عن السلطة، مستندين إلى موقف مؤيد من المرجعية الدينية في المحافظة، وعلى تضامن واسع من بقية المناطق السورية. وعمد المتظاهرون، أمس السبت، إلى طلاء صورة كبيرة لرأس النظام بشار الأسد على مدخل مجلس المحافظة، بالدهان الأحمر.

كما شهدت احتجاجات اليوم السابع مشاركة واسعة من نساء وفتيات محافظة السويداء، اللواتي بدأن هذا الحراك احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية، لكنه انقلب إلى تظاهرات حاشدة تطالب برحيل الأسد للتوصل إلى حل سياسي ينهي معاناة السوريين.

ونشرت شبكات إخبارية محلية مقاطع مصورة لعدد كبير من النساء والفتيات في ساحة الكرامة، وهن يهتفن بشعارات ضد النظام ورأسه. وتوافد الى الساحة وسط مدينة السويداء أمس السبت آلاف المحتجين من مختلف بلدات المحافظة، التي تشهد إضراباً كاملاً جراء احتجاجات هي الأوسع في هذه المحافظة التي حاول النظام تحييدها منذ انطلاق الثورة السورية ربيع عام 2011، إلا أن سوء الأحوال المعيشية، ورفض النظام لكل مبادرات الحل في البلاد، وضعت السويداء في مقدمة المناطق المناهضة للنظام في سورية.

وكرر المتظاهرون مطالبهم بتطبيق القرار الدولي 2254 وتحقيق انتقال سياسي لـ"تجنيب البلاد مزيدا من القتل والفتن". وقالت الناشطة المدنية، راقية الشاعر، لـ"العربي الجديد"، إن "اليوم السابع شهد مشاركة نسائية فاعلة كان لها دور كبير في بث الحماسة لدى المتظاهرين، إذ صدحت حناجر النسوة بالأغاني والزغاريد والمطالبة بالحرية للمعتقلين والمعتقلات، فيما كان اللافت رسم خريطة لسورية الحرة العادلة"، في إشارة الى الخريطة التعبيرية المرسومة يدوياً التي كانت انتشرت في سنوات الثورة وكُتبت عليها مطالب السوريين بدولة عادلة ومدنية. وأكدت الشاعر أن "الحراك الشعبي مستمر ولن يتوقف، خصوصاً أن كل القوى السياسية والاجتماعية متفقة على الاستمرار رغم التجييش وبث الشائعات".

توجه لتشكيل لجنة لتنظيم الحراك في السويداء

من جهته، بيّن الناشط المدني ساري الحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "السويداء تتجه إلى تنظيم الحراك الثوري من خلال تشكيل لجنة لقيادته، مكونة من شخصيات وطنية من مختلف مكونات المحافظة"، مشيراً إلى أن هذه اللجنة "ربما ترى النور خلال أيام".

وأكد رفض المحتجين في محافظة السويداء لأي محاولة للتدخل في حراكهم من بعض الأطراف داخل سورية أو خارجها "تحت أي مسمّى"، موضحاً أن "حراكنا وطني خالص، ومطالبنا باتت معروفة من خلال الهتافات واللافتات".

أكد ساري الحمد رفض المحتجين أي محاولة للتدخل في حراكهم
 

وبرأيه فإن هذا النظام انتهى وعليه أن يرحل، فمن دونه يمكن للسوريين أن يصلوا إلى اتفاق ينقذ بلادهم من سيناريوهات سوداء. واكتسب الحراك في محافظة السويداء زخماً كبيراً مع تلقّيه دعماً كبيراً من المرجعية الدينية للدروز السوريين، والتي أعلنت تأييدها للاحتجاج السلمي على سياسة النظام الذي أوصل البلاد إلى حافة الانهيار، وجعلت أغلب السوريين الخاضعين لسيطرته تحت خط الفقر. وكانت مشيخة العقل في السويداء تقف على الحياد، أو تعمل على التهدئة في كل الاحتجاجات التي شهدتها المحافظة خلال السنوات الماضية، إلا أن انقلاباً كما يبدو طرأ على موقفها في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها سكان السويداء، مع عجز النظام الواضح عن تقديم حلول ناجعة لتحسينها.

وبيّن الحمد أن مشيخة العقل لدى الدروز السوريين تقوم على ثلاثة مشايخ، موضحاً أن موقف الشيخ حكمت الهجري، وهو أحد الزعماء الثلاثة، المؤيد للحراك المناهض للنظام "كان حاسماً في استمراره واتساع نطاقه في كل مدن وبلدات وقرى المحافظة".

وأشار إلى أن "الهجري كان موالياً للنظام، إلا أنه كما يبدو اكتشف أنه كان يسير في الطريق الخطأ"، مضيفاً: اليوم تحوّل إلى محرك رئيسي للحراك والاحتجاجات في المحافظة.

وأشار إلى أن الهجري "يطالب دائماً المتظاهرين والمحتجين بحماية مؤسسات الدولة من التخريب والابتعاد عن استخدام العنف في حراكهم". وأوضح الحمد أن "للشيخ يوسف الجربوع أهمية كبيرة، فهو يعد زعيم مدينة السويداء مركز المحافظة"، مضيفاً أن "لديه ميلاً للسلطة". وتابع: "أما الشيخ الثالث حمود الحناوي، فهو متقدم في السن، ويميل إلى الوسطية".

انتشار لعناصر "كتائب البعث" في جرمانا

وتلقى الحراك في محافظة السويداء وفي محافظة درعا المجاورة تأييداً ومساندة من مختلف المناطق السورية، سواء تلك الخاضعة للنظام، أو الخاضعة إلى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في الشمال الشرقي من سورية، أو "الجيش الوطني" في شمال البلاد، أو "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) في شمال غرب سورية.

وذكرت مصادر محلية في حي جرمانا، على أطراف دمشق الجنوبية الشرقية، والذي يقطنه دروز سوريون، بعضهم ينحدر من السويداء، أن مُسلحين يتبعون لمليشيا "كتائب البعث"، المساندة لقوات النظام، انتشروا أول من أمس الجمعة في الحي لترهيب الأهالي بعد ورود معلومات عن التحضير لتنظيم حراك شعبي، للتنديد بغلاء الأسعار وتدني المستوى المعيشي لدى غالبية سكان المنطقة.

وكان هذا الحي شهد خلال الأيام القليلة الماضية حراكاً محدوداً مسانداً للاحتجاجات في السويداء، إلا أن القبضة الأمنية المحكمة على دمشق تحول دون استمراره أو اتساع نطاقه.

وأكدت المصادر أن التململ من التردي الاقتصادي يعم العاصمة دمشق، مضيفة: "لكن السكان يدركون أن ردة فعل النظام اتجاه أي تحرك سلمي ضده ستكون وحشية، لهذا ربما لن تشهد دمشق احتجاجات كالتي نتابعها في السويداء".

وكانت قوات النظام السوري فرقت، ليل الجمعة السبت، تظاهرة في ريف محافظة درعا جنوبي سورية، طالبت بإسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين. وقال الناشط أبو البراء الحوراني، العضو في "تجمع أحرار حوران"، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر قوات النظام أطلقوا الرصاص، مساء الجمعة، على المتظاهرين عند مبنى البريد في مدينة الصنمين بريف محافظة درعا الشمالي، ما أسفر عن تفريق المتظاهرين، دون وقوع إصابات بشرية، لافتاً إلى أنّ مطالب المتظاهرين تركزت على إسقاط النظام، والإفراج عن المعتقلين.

مساندة الشمال السوري للاحتجاجات مستمرة

وكان الشمال السوري شهد الجمعة الماضي تظاهرات واسعة النطاق تأييداً ومساندة للحراك الثوري في محافظة السويداء، في خطوة أعادت إلى الأذهان بدايات الثورة السورية في العام 2011 حين طالب عموم السوريين بالتغيير، فاختار النظام الحل العسكري لقمع الثورة، إلا أنه فشل في ذلك، رغم مقتل وتشريد ملايين السوريين وتدمير مدن وبلدات وأحياء بشكل كامل.

زين الدين: مساندة الشمال للاحتجاجات في الجنوب مستمرة

وبيّن عبد المنعم زين الدين، وهو منسق في الثورة السورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مساندة الشمال السوري لاحتجاجات محافظتي السويداء ودرعا في جنوب سورية "مستمرة"، مضيفاً: سيستمر خروج السوريين في المدن والبلدات بوقفات وتظاهرات مساندة للجنوب، فضلاً عن المساندة الشعبية والإعلامية والفكرية والسياسية في كل المحافل والمجالات ما دام الحراك في الجنوب مستمراً.

وتعليقاً على التظاهرات التي خرجت في شمال سورية، يوم الجمعة الماضي، بيّن الباحث السياسي ياسين جمول، في حديث مع "العربي الجديد" أن "أهمية ما يجري في السويداء تدفع السكان والمهجرين في مناطق الشمال السوري في كل حركة احتجاج للانتفاض تأييداً لها بعيداً عن أي شعارات طائفية أو مذهبية أو سياسية، متناسين ما يزيد على 12 سنة قضوها وحدهم تحت القصف والقتل والتعذيب".