أسباب سياسية وراء انخفاض قيمة قرض صندوق النقد لمصر

31 أكتوبر 2022
لا تستطيع الحكومة رفع الدعم عن الخبز (روجيه أنيس/Getty)
+ الخط -

"اضطرت الحكومة المصرية، تحت تأثير تقارير أمنية تُحذر من انفجار شعبي محتمل، إلى تأجيل قرار رفع الدعم نهائياً عن الخبز والمواد التموينية والطاقة، وهو ما تسبّب في عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بالشكل الذي تريده الحكومة". هذا ما رجّحته مصادر اقتصادية دولية، وأخرى دبلوماسية غربية، في ما يتعلق بحصول مصر على قرض صندوق البنك الدولي.

وأشارت المصادر إلى أن جهات توصف في مصر بـ"السيادية"، رفعت تقارير إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، تحذر من غضب شعبي واسع المجال، قد يقع في حال اتخذت الحكومة إجراءات اقتصادية إضافية من شأنها زيادة العبء على كاهل المواطنين، مثل رفع الدعم نهائياً، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير.

مصر تتراجع عن تلبية شروط صندوق النقد

وما إن تمّ الإعلان الخميس الماضي عن القرض المقدّم من صندوق النقد الدولي للحكومة المصرية، بعد جولة مفاوضات ماراثونية استمرت لنحو 7 أشهر، حتى ثارت التساؤلات بشأن انخفاض قيمة القرض إلى 3 مليارات دولار، إضافة إلى مليار آخر من صندوق التنمية المستدامة، وحزمة تمويلية من شركاء التنمية، مقدرة بـ5 مليارات دولار.

حذّرت المؤسسة العسكرية، بأنها لن تكون في المواجهة، بحال انفجر الغضب الشعبي

وكانت الحكومة المصرية على وشك تنفيذ كامل شروط صندوق النقد، بما فيها إلغاء الدعم، من أجل الحصول على القرض الذي كان يُقدّر بـ20 مليار دولار، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة، بناء على توجيهات رئاسية، جاءت بسبب الخوف من الغضب الشعبي.
ونصحت المؤسسة العسكرية، بعدم إلغاء الدعم نهائياً عن المواطنين، وحذّرت هي أيضاً من أنه في حالة الانفجار الشعبي، فإنها لن تكون في المواجهة، وفي الوقت نفسه تحافظ على مشروعاتها الاقتصادية الكبرى، وعدم طرحها للبيع كما كانت تخطط الحكومة، من أجل تنفيذ أجندة صندوق النقد.

وكانت الحكومة المصرية قد دخلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بسقف طموحات مرتفع، بشأن قيمة القرض الذي ترغب في الحصول عليه. وبحسب مصادر مطلعة على المفاوضات، كانت قد تحدثت لـ"العربي الجديد" في يوليو/تموز الماضي، فإن القاهرة "بدأت المفاوضات بطلب قرض بقيمة 20 مليار دولار، قبل أن تنخفض القيمة تدريجياً خلال جولات المفاوضات، لتصل إلى الرقم المعلن عنه خلال المؤتمر الصحافي الخميس الماضي، والمقدر بـ3 مليارات مباشرة من الصندوق".

مصادر اقتصادية غربية في القاهرة، كشفت لـ"العربي الجديد"، الأسباب وراء تراجع قيمة القرض، مشيرة إلى أن "عدم قدرة الحكومة المصرية على الالتزام بمجموعة من شروط الصندوق، كانت السبب الرئيس وراء هذا التباين الكبير بين ما طلبته من بعثة الصندوق، والرقم النهائي الذي تمّت الموافقة عليه".

أحد الأسباب الرئيسية وراء قرار تحديد الصندوق لرقم الثلاثة مليارات دولار، "مرتبط بعدم قدرة الحكومة المصرية على إلغاء بعض بنود الدعم المقدم للشرائح المجتمعية الأكثر عدداً في البلاد، وعلى رأسها دعم الخبز"، وذلك وفقاً لمصدر غربي على اطلاع بتفاصيل المفاوضات بين الحكومة المصرية وبعثة الصندوق.

وقال المصدر إنه "على الرغم من إيمان مستويات صناعة القرار في مصر، بضرورة التحلّل تدريجياً من الدعم المقدم من الحكومة للمواطنين، إلا أنها في الوقت ذاته تتعامل مع هذا الملف بحذر شديد، خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية الراهنة، وتصاعد دعوات الاحتجاج، وتنامي حالة الغضب الشعبي بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وارتفاع الأسعار لمستويات مرتفعة".

ولفت المصدر إلى أن "بعثة الصندوق كانت تتمسك بضرورة تقديم الحكومة المصرية تصوراً أكثر صرامة تجاه ملف دعم الخبز والمواد التموينية والطاقة". وأشار إلى أن "المسؤولين الذين مثّلوا الحكومة المصرية خلال المفاوضات، شدّدوا على صعوبة المساس الحاد بهذه البنود نظراً لما قد تسبّبه من أزمة سياسية أعمق، تطاول السلام المجتمعي والاستقرار السياسي".

وعلى الرغم من المبررات التي ساقها ممثلو الحكومة المصرية خلال جولات التفاوض بشأن صعوبة إلغاء الدعم وعلى رأسها المرتبطة بشرائح محدودي الدخل، لم تتزحزح مواقف بعثة الصندوق.

تطرقت بعثة الصندوق إلى دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري

وفي منتصف يونيو/حزيران الماضي، ذكر وزير المالية المصري محمد معيط أن الموازنة الجديدة تتضمن تخصيص 356 مليار جنيه (15 مليار دولار) لباب الدعم والحماية الاجتماعية، تضمنت تخصيص 90 مليار جنيه (حوالي 4 مليارات دولار) لدعم السلع التموينية ورغيف الخبز لضمان توفرها لنحو 71 مليون مواطن، و22 مليار جنيه لبرنامج "تكافل وكرامة"، تتضمن زيادة المستفيدين من البرنامج لأربعة ملايين أسرة.

وكانت الحكومة قد نفت أمس الأحد، ما تردد من أنباء بشأن عزمها إلغاء الدعم العيني للخبز وتحويله إلى دعم نقدي، تزامناً مع الأزمة الاقتصادية العالمية. وأكدت وزارة التموين والتجارة الداخلية، استمرار الدعم العيني للخبز كما هو من دون أي تغيير في المنظومة، حيث يتم صرف الخبز المدعم للمواطنين على البطاقات التموينية بواقع 5 أرغفة يومياً لكل فرد بمعدل 150 رغيفاً للمواطن شهرياً.

قلق المستثمرين وأدوار الجيش

السبب الآخر الذي ذكره مصدر اقتصادي مصري بشأن تراجع قيمة القرض، "مرتبط بوضع المؤسسة العسكرية في الاقتصاد المصري، وسيطرتها على قطاعات متعددة، بالشكل الذي يتسبب في قلق لدى المستثمرين من الاقتراب من تلك القطاعات".

وكشف المصدر أنه "خلال جولات التفاوض، لم يقتصر الأمر من جانب بعثة الصندوق على الحديث عن تواجد المؤسسة العسكرية فقط، بل إنه للمرة الأولى يتم التطرق إلى دور الأجهزة السيادية في الاقتصاد، وسيطرتها على قطاعات بعينها، وهو الأمر الذي يجعل من الصعوبة وجود تنافس حقيقي يسمح بمناخ استثماري آمن".

ولفت المصدر إلى أن "صانع القرار المصري وجد نفسه في موقف حرج، بين الضغط على المؤسسة العسكرية، والقبول بتخفيض قيمة القرض الذي لن يتجاوز تأثيره حد التسكين المؤقت للأزمة المالية الحاصلة، على أمل حدوث انفراجة في التفاوض مع بعض الدول الخليجية بشأن حزم مالية واستثمارية خلال الفترة المقبلة".

ودلّل المصدر على الأزمات التي خلفتها جولات التفاوض مع بعثة الصندوق، بإطاحة محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر. وقال المصدر إن عامر "كان متمسكاً بعدم تحرير سعر الصرف قبل تقديم الصندوق دفعة من القرض يمكن بها ضبط سعر الجنيه أمام الدولار الأميركي، وهو الأمر الذي رفضته البعثة، متمسكة ببدء الحكومة المصرية في خطواتها بتنفيذ الشروط أولاً".


 

المساهمون