كيف أثر إسقاط المقاتلة الروسية على الثورة السورية والعلاقات مع تركيا؟

22 يوليو 2024
علم المعارضة السورية مكتوب عليه "سوريا الحرة" في تل أبيض، 13 أكتوبر 2019(Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **حادثة إسقاط المقاتلة الروسية**: في 2015، أسقطت تركيا مقاتلة روسية، مما أدى إلى تقارب تركي-روسي وتقديم تنازلات في الملف السوري، وأثر سلباً على المعارضة السورية المسلحة.

- **التراكمات والأزمات**: منذ 2015، تراكمت الأزمات بين جمهور الثورة السورية وتركيا، خاصة في شمال سوريا، مع تراجع سيطرة المعارضة وتهجير المدنيين، واستخدام تركيا لقوات المعارضة لخدمة أجندتها.

- **الهيمنة التركية**: أصبحت المعارضة السورية تحت سيطرة أنقرة، التي استخدمت ملف اللاجئين كورقة ابتزاز ضد أوروبا، مما زاد من الكراهية ضد اللاجئين السوريين وأدى إلى ترحيلهم قسراً.

كانت حادثة إسقاط المقاتلة الروسية من سلاح الجو التركي في الأجواء السورية نهاية العام 2015 نقطة تحول درامية في مسار الثورة السورية. هذه الحادثة لم تؤدِّ فقط إلى تراجع كبير في المكاسب التي حققتها المعارضة السورية المسلحة، بل مثلت أيضاً بداية لتحجيم سيطرة المعارضة على أجزاء واسعة من البلاد، وذلك نتيجة للتقارب التركي-الروسي. فقد قدمت أنقرة، تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، الكثير من التنازلات في الملف السوري من أجل إصلاح العلاقات مع موسكو بعد تلك الحادثة.

أخيراً، انفجرت الأوضاع بين جمهور الثورة السورية وتركيا، مما كشف عن شرخ كبير في العلاقة بين الطرفين. جاء هذا التوتر بعد الاعتداءات العنصرية على اللاجئين السوريين (أغلبهم من المعارضين) في عدة ولايات تركية، إضافة إلى تصريحات الرئيس التركي عن رغبته في لقاء الرئيس السوري بشار الأسد وتطبيع العلاقات مع دمشق.

المعارضة السورية لم تأخذ هذا الشرخ بعين الاعتبار، حيث وضعت كل ثقلها في السلة التركية، وأصبحت منقادة تماماً من استخبارات أنقرة وخارجيتها. هذا الموقف الضعيف جعلها هدفاً لانتقادات واسعة من جمهور الثورة، تماماً كما هو الحال مع الحكومة التركية.

منذ نهاية العام 2015 وحتى تفجر الأحداث الأخيرة في بداية الشهر الحالي، تراكمت الأزمات بين جمهور الثورة، خصوصاً في شمال سورية، وتركيا. لم تكن أحداث ولاية قيصري والاعتداءات على اللاجئين، وتصريحات الرئيس التركي، وردود الفعل عليها في الشمال السوري سوى نتيجة لتلك التراكمات، وليس السبب الرئيسي لتفجر الوضع.

أسباب التراكمات:


في الأعوام الثماني أو التسع الأخيرة، كانت هذه التراكمات، التي يسجلها جمهور الثورة على حكومة بكونها عبثت في الملف السوري باستخدام تضحياتهم لمصالحها ومصالح الدولة التركية، توسع الشرخ بين الحراك وجمهوره وأبرز حلفائه (تركيا)، والتي تمثلت بالأمور التالية:

أولاً: مشاركة تركيا في مسار أستانة

بدأت روسيا في بداية عام 2017 مسار أستانة، وهو مسار تقني-ميداني-عسكري يهدف إلى إنهاء مسار جنيف التفاوضي الأممي، ونجحت تدريجياً في تحقيق ذلك. انضمت تركيا إلى هذا المسار، وأدى دورها إلى الضغط على المعارضة للجلوس على طاولات الحوار خلال نحو 20 جولة. للأسف، لم يسفر هذا الحوار إلا عن تراجع سيطرة المعارضة على الأرض نتيجة للتفاهمات التركية-الروسية، خاصةً في ما يتعلق باتفاق "مناطق خفض التصعيد الأربع". على الرغم من كون تركيا الضامن للمعارضة المسلحة في هذا السياق، فقد تخلت روسيا عن الاتفاق وفرضت سيطرتها على المناطق الأولى (دمشق ومحيطها)، والثانية (حمص ومحيطها)، والثالثة (درعا والقنيطرة ومحيطهما)، مما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من المدنيين وتحويلهم إلى نازحين في ظروف مأساوية، إضافة إلى مئات القتلى جراء الهجمات الروسية والنظام، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي في دوما بريف دمشق.

في عام 2018، توسعت المعارك في "منطقة خفض التصعيد" الرابعة، أي إدلب ومحيطها. على الرغم من نشر قوات النظام وروسيا لـ12 نقطة مراقبة في المنطقة، فقد اجتاحت قوات النظام وروسيا إدلب ابتداءً من جنوبها، أي ريف حماة الشمالي الغربي وريف إدلب الجنوبي، وريفي حلب الجنوبي والغربي، مما أسفر عن فقدان المعارضة نحو نصف المنطقة، مع مقتل الآلاف من المدنيين وتهجير قرابة مليوني مدني، مما خلق أزمة نزوح كبيرة في الشمال الغربي من البلاد وعلى حدود تركيا.

ثانياً: استخدام المعارضة لخدمة الأجندة التركية

سعت تركيا لإعادة هيكلة قوات المعارضة المسلحة في مناطق نفوذها، مثل ريف حلب الشمالي والشرقي، تحت مسمى "الجيش الوطني"، الذي تتحكم فيه القوات والمخابرات التركية بالكامل. بدأت تركيا في عام 2016 معركة ضد تنظيم داعش بالتعاون مع قوات المعارضة، مما ساهم في استعادة مدينتي جرابلس والباب ومحيطهما، وعزز مكانة أنقرة أمام الغرب وعضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

بعد نجاح هذه التجربة، أطلقت تركيا عمليات بمشاركة المعارضة ضد المجموعات الكردية، مثل "قوات سوريا الديمقراطية – قسد"، حيث كانت المعارضة السورية وقود هذه المعارك تحت إشراف تركيا. أسفرت هذه العمليات عن نزوح العديد من السكان الأكراد عن مدنهم وقراهم، مما أدى إلى اتهام أنقرة بإحداث تغيير ديمغرافي على حدودها، وهو ما سبّب فجوة بين المكونات العربية والكردية في البلاد، حيث يعتبر جمهور الثورة الأكراد من المكونات الرئيسية.

ثالثاً: تحويل المقاتلين السوريين إلى مرتزقة

دفعت تركيا بمقاتلي بعض فصائل الجيش الوطني إلى القتال مرتزقةً إلى جانبها أو في مناطق نفوذها في أرمينيا وليبيا، مما أدى إلى مقتل العديد من المقاتلين السوريين على جبهات القتال هناك، بعد أن اختاروا هذا الطريق نتيجة للفقر وسوء الأوضاع المعيشية.

رابعاً: الهيمنة على القرار العسكري والسياسي للمعارضة السورية

أصبح "الجيش الوطني السوري" أحد الوحدات المقاتلة في الجيش التركي، وتحت سيطرة أنقرة التامة. هذا التوجه انعكس في عدم تدخل المعارضة لمواجهة الخروقات التي قام بها النظام والروس على مناطق المعارضة، وفقاً لتعليمات أنقرة. كما أن المعارضة السياسية، بما في ذلك الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، أصبحت تتحرك وفق الأجندات التركية، حيث دفعت أنقرة بترشيح رئيس للحكومة المؤقتة من القومية التركمانية، وهو ما واجه انتقادات لكونه تركياً أكثر من كونه سورياً، بسبب مواقفه المتكررة لصالح أنقرة على حساب الأجندة السورية.

خامساً: التعامل مع ملف اللاجئين السوريين

استخدمت حكومة أردوغان ملف اللاجئين ورقةَ ابتزاز ضد أوروبا على مستويين: الأول، استجرار الأموال الأوروبية والدولية للإنفاق على اللاجئين في تركيا، والثاني، الضغط على أوروبا لدفع اللاجئين إلى عبور الحدود نحو أوروبا لتحقيق مكاسب سياسية أخرى. كان لزاماً على الحكومة التركية استخدام ورقة اللاجئين في الاستحقاقات الداخلية والخارجية، بما في ذلك الادعاء بإنفاق نحو 40 مليار دولار على اللاجئين، وهو رقم قدمته الحكومات الغربية، خاصةً الاتحاد الأوروبي. هذا الأمر مهد الطريق لزيادة الكراهية ضد اللاجئين والضغط عليهم، مما أدى إلى ترحيلهم قسراً إلى الشمال السوري باستخدام ذرائع عدة، على الرغم من أن معظم اللاجئين لا ينتمون إلى مناطق الشمال السوري ويطالبون بحل سياسي شامل يعيدهم إلى مدنهم وقراهم الأصلية.

سادساً: إعادة اللاجئين

تدافع أنقرة عن إجراءات إعادة اللاجئين إلى الشمال السوري تحت بند "العودة الطوعية"، حيث ادعت أنها أنشأت مدناً نموذجية لاستيعاب العائدين. ومع ذلك، أظهرت التقارير وجود فساد ونقص في المواد المستخدمة في بناء تلك التجمعات وتجهيزها. فبينما روجت الحكومة التركية لمشاريع البناء حلّاً للمخيمات، أوضح سكان تلك التجمعات أن المساكن تعاني سوء الإنشاء، بما في ذلك تسرب مياه الأمطار في الشتاء واختراق الحرارة في الصيف، وفقدان المرافق الأساسية مثل شبكات المياه والصرف الصحي والطرقات، مما دفع الكثيرين إلى مغادرتها.

وتؤكد معلومات لـ"العربي الجديد" أن تلك التجمعات بُنيت عبر الشركات التركية وبإشراف المنظمات التركية، ولا سيما "إدارة الطوارئ والكوارث – آفاد" و"وقف الديانة التركية"، بأموال المانحين، حيث قدمت دولة قطر الأموال بشكل رئيسي، وتأتي المساعدات الأوروبية في المرتبة الثانية. ورغم أن حكومة أردوغان اعترفت مؤخراً بمصدر تلك الأموال، لكنها لا تعترف بسوء تنفيذ تلك التجمعات من طرف منظماتها وشركاتها، بل تحتكر التنفيذ عبر تلك المنظمات والشركات من دون السماح بتدخل أي من الشركات أو المنظمات السورية.

سابعاً: الملف السوري ورقةً للعبث السياسي

تُستخدم المسألة السورية أداةً سياسية لتحقيق المصالح، حيث تلعب حكومة أردوغان دوراً مهماً في علاقاتها بين الغرب والشرق من خلال ملف سورية. فقد باتت أنقرة تستخدم هذا الملف ورقةَ مساومةٍ بين حليفها الروسي والغرب، وكذلك في المحيط الإقليمي والعربي. ومنذ نحو أربعة أعوام، بدأت أنقرة تلوح بإمكانية فتح مسارات التفاوض مع النظام لتطبيع العلاقات، وقد بدأت بالفعل محادثات تقنية بوساطة روسية في هذا الشأن. ومع ذلك، تُحرك هذه الأداة من دون مراعاة تدخل أنقرة مع المعارضة و"تورطها" في الانفصال عن المحيط الإقليمي والعربي. ويعتبر جمهور الثورة هذا بمثابة تخلٍّ من طرف أنقرة عن الحراك، وتلاعب بتضحياتهم لتحقيق مصالح لا علاقة لها بقضيتهم.

وفي الآونة الأخيرة، بات جمهور الحراك والثورة يطالب بإعادة صياغة العلاقة بين المعارضة وتركيا، ودعوة أجسام المعارضة الرسميةإلى استقلال قرارها عن القرار التركي، وإلا فالتنحي جانباً وترك الأمر لأجسام أخرى. ويستمر الدفع الشعبي في هذا الاتجاه، وقد تسفر هذه المطالبات عن نتائج في الفترة المقبلة.

المساهمون