أسابيع حاسمة في تونس

19 سبتمبر 2022
تحرك لأنصار "النهضة" في يوليو الماضي بعد استدعاء الغنوشي للتحقيق حينها (Getty)
+ الخط -


يحقق الرئيس التونسي قيس سعيّد، بعض النقاط على حساب معارضيه، ويبدو أنه قرر المرور إلى السرعة القصوى في مواجهتهم، بتسليط مزيد من الضغط على أهم عنصر منهم، حركة النهضة، بدعوة زعيمها راشد الغنوشي من جديد أمام قاضي التحقيق في ملف ما يُعرف بالتسفير إلى بؤر التوتر.

تقول "النهضة" إن ملاحقة قيادييها تتكثف في هذه الفترة لإلهاء التونسيين عن واقعهم الاقتصادي المزري والزيادات الصاروخية المتواترة في الأسعار، وتعتبر أن هذا الأسلوب لا يجدي أمام المحلات الفارغة من السلع.

وتزامن خبر دعوة الغنوشي للتحقيق، ليل السبت-الأحد، مع زيادة أسعار المحروقات في اليوم نفسه. كما تزامن صدور قانون الانتخابات البرلمانية الخميس، مع توقيع اتفاق زيادة الأجور مع الاتحاد العام التونسي للشغل.

وبهذا التقارب مع الاتحاد، يحقق سعيّد بعض الانتصارات الظرفية على حساب معارضيه، لأن هذا الاتفاق قد يمهد لنجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لضخ بعض الأوكسجين في خزائن الدولة الفارغة، وتخفيف الضغط الاجتماعي في أقرب فترة ممكنة قبل الانفجار. وهو في الوقت نفسه يحيّد جزئياً اتحاد الشغل في هذه المعركة الضارية التي ستشهد توتراً في الأسابيع المقبلة، التي ستكون حاسمة في هذه المعركة.

زعيم حزب العمال اليساري، حمة الهمامي، أكد خلال ندوة في صفاقس السبت، أن حزبه بمعية الأحزاب الأخرى التي شاركت في الحملة الوطنية لمقاطعة الاستفتاء (التكتل والجمهوري والقطب والتيار الديمقراطي) "ستعمل على مقاومته وإسقاطه، باعتبار أن المعركة ضد قيس سعيّد وضد الشعبوية هي معركة وجود"، بحسب قوله.

وتجتمع هذه الأحزاب اليوم الإثنين لتعلن عن موقفها من الانتخابات التشريعية، ومن مرسوم مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، الذي أصدره سعيّد الجمعة. وتعتبر المعارضة هذا المرسوم مرحلة جديدة لتكميم الأفواه وضرب حرية التعبير نهائياً، ولذلك تقول إن المعركة أصبحت وجودية وإن هذه الأسابيع ستكون مفصلية في طبيعة هذا الصراع مع سعيّد.

وقد تعلن "جبهة الخلاص" هي الأخرى قريباً عن خطوات تصعيدية جديدة، وتخرج إلى الشارع مرة أخرى، لحشد قواها بعد موسم الصيف الطويل، وتوجيه رسالة تثبت من خلالها أن المعارضة ضد سعيّد تتوسع ولا تتراجع كما قد يتبادر إلى الأذهان، وتنبّه المراقبين الدوليين للأحداث في تونس أن المعركة لم تحسم بعد وأن التونسيين لم يستسلموا للأمر الواقع.

لكن هذه المعارضة لا تزال رهينة حسابات قديمة تعطّل توحدها في مواجهة خطر سيضرب التجربة الديمقراطية نهائياً، وهي، في هذه المعركة الوجودية على حد قولها، لا تتجاوز تفاصيل معارك جزئية على أهميتها. فهي ربما تقبل خسارة كل شيء ولكن لا تتنازل لصالح منافسيها، وهذا نوع من العمى السياسي الذي طالما ضيّع على البلاد وقتاً ثميناً.