استمع إلى الملخص
- **ردود الفعل الحكومية والسياسية**: الحكومة العراقية حذرت من الحملات المضللة وأكدت التزامها بمحاربة الفساد، بينما رفض قادة الأحزاب التطرق للملف، وكشفت التحقيقات عن جيوش إلكترونية تصنع الأخبار المزيفة.
- **تفاصيل إضافية وتورط شخصيات بارزة**: محمد جوحي متهم بدفع المتظاهرين خلال احتجاجات 2019 ودعم ترشيح مصطفى الكاظمي، مع تورط شخصيات بارزة أخرى، والتحقيقات مستمرة وتشمل نحو 30 موظفاً.
مرَّ نحو أسبوعين على حديث اكتشاف شبكة "تنصّت سياسي وتزوير" داخل مكتب رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، قيل إنها تضمّ موظفين وضباطاً متخصصين في الأمن الرقمي، تزامناً مع قرار حكومي بالتحقيق مع أحد موظفي مكتب السوداني وكفّ يده إلى إشعار آخر. ووسط رفض قادة وأعضاء الأحزاب التطرق إلى ملف شبكة التنصت بمكتب السوداني رغم أن برلمانياً أفصح عن بعض الشخصيات التي تم التنصت عليها، من ضمنها وزراء ونواب وقادة أحزاب ومسؤولون، برز، أول من أمس الأحد، بيان للحكومة العراقية حذرت فيه من "الحملات المضللة". وأكدت الحكومة في البيان أنها تتابع "من منطلق التزامها ومسؤولياتها القانونية الحملات المضللة التي تستهدف إعاقة عملها في مختلف المجالات، ومنها ما جرى تناوله من معلومات غير دقيقة تستبطن الغمز، وبعضها تضمن الاتهام المباشر للحكومة تجاه قضايا تخضع الآن لنظر القضاء". وأضافت أن السلطة التنفيذية تنتظر "ما سيصدر عنه (القضاء) بهذا الصدد، مع تأكيد الحكومة المستمر على الالتزام بالقانون واحترام قرارات القضاء".
وشدّدت الحكومة "على المضي بمحاربة الفساد وكل أشكال التعدي على القانون، وذلك بالتعاون المستمر والوثيق مع السلطتين القضائية والتشريعية"، معوّلة "في هذا المسار، على يقظة المواطن ووعيه حتى لا يكون ضحيّة لمن يشوّه الحقائق ويتعمد تضليل الرأي العام". وأضافت أن "هناك من يعمل على جرّ الحكومة وإشغالها عن نهجها الوطني، عبر محاولات يائسة لا تصمد أمام الإجراءات القانونية الحقيقية والفعلية، التي تعمل الحكومة على تنفيذها ودعمها". وتابعت: "أثبتت السنتان الماضيتان من عمر الحكومة قوة الإرادة في هذا الاتجاه، والتصميم المتواصل على تنفيذ الإصلاحات وعدم التهاون في الحق العام، مهما كانت الضغوط والتبعات". ويعاقب القانون العراقي بالسجن 10 سنوات على جريمة التزوير والاحتيال على الدولة، إذا اقترنت بالانتفاع المادي. وذكر قانونيون، أن قضية شبكة التجسس من قبل موظفي الدولة، تعتبر من الجرائم المركبة، لا سيما أنها تجمع الاحتيال والانتحال، بالتالي فإن عقوبتها تكون أكبر.
التحقيق بشأن شبكة التنصت بمكتب السوداني
وبدأت قصة شبكة التنصت بمكتب السوداني بعد توجيه الأخير بتشكيل لجنة تحقيقية بحق أحد الموظفين العاملين في مكتبه، دون الإشارة إلى اسمه، لتبنيه منشوراً مسيئاً لبعض المسؤولين وعدد من أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق. ووفق بيان حكومي، الشهر الماضي، فإن السوداني دعا إلى "عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون، وهو يدعم كلّ الإجراءات القانونية بهذا الصدد". تبع ذلك، تداول صفحات داعمة للحكومة معلومات تحدّثت عن موظف في مكتب السوداني أطلق عبارات نابية وألفاظاً خادشة ضد بعض الأشخاص، لكن تبيَّن في ما بعد أنه طرف في شبكة "تنصت سياسي".
وعقب ذلك قال عضو البرلمان العراقي مصطفى سند، على منصة إكس في 19 أغسطس/ آب الماضي، إن "محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب اعتقلت شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء، وعلى رأسهم محمد جوحي وعدد من الضباط والموظفين". وأضاف أن "الشبكة كانت تمارس أعمالاً غير نظيفة، منها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسها رقم هاتفي)، وكذلك تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية وصناعة أخبار مزيفة وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات".
وكتب أن "المتهم هو محمد جوحي، وموقعه من الشبكة رئيسها، وتولى منصب معاون مدير عام الدائرة الإدارية بمكتب رئيس الوزراء، وهو سكرتير الفريق الحكومي ومسؤول التواصل مع النواب". ولفت إلى أن الشبكة "اعترفت بأعمالها وتم تدوين أقوال أفرادها ابتداءً (شهادة ابتدائية) وقضائياً، وهناك ضغوطات تمارس من أجل إخراجهم، لكن لم يخضع القاضي المختص لتلك الطلبات، وبدورهم قام النواب المتضررون بتقديم الشكاوى وصدقت أقوالهم".
ثم ظهر سند في لقاء تلفزيوني، بعد أيام قليلة، مشيراً فيه إلى أن شبكة التنصت بمكتب السوداني "كانت تتنصت على هواتف النواب"، وأن "رقم هاتف مزيفاً كان يستخدم لتوجيه النواب أو الضغط عليهم للتصويت في مشاريع قوانين وملفات حساسة مثل اختيار مرشح رئيس البرلمان". وأضاف أن "الموظف بمكتب السوداني استعان بضابط في الأمن الوطني خبير في الأمن الرقمي لمساعدته على التنصت وابتزاز النواب".
مؤسس الشبكة هو محمد جوحي المتهم بأنه ساهم بدفع المتظاهرين خلال احتجاجات أكتوبر 2019 للاحتكاك مع الأجهزة الأمنية
وحول شبكة التنصت بمكتب السوداني أشارت معلومات، حصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أن مؤسس الشبكة هو محمد جوحي، الذي يتهم من قبل الأوساط المدنية والليبرالية، بأنه كان واحداً من أسباب دفع المتظاهرين خلال فترة احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 للاحتكاك مع الأجهزة الأمنية. كما أنه دعم ترشيح مصطفى الكاظمي لتولي رئاسة الحكومة العراقية السابقة (2020-2022)، مع العلم أنه كان موظفاً في وزارة الصحة، ثم انتقل إلى مبنى رئاسة الوزراء بمساعدة عمه القاضي رائد جوحي الذي كان يشغل منصب مدير مكتب الكاظمي. وأوردت تقارير صحافية محلية أن رئيس السلطة القضائية فائق زيدان كان من بين أهداف شبكة التنصت بمكتب السوداني. لكن المركز الإعلامي في مجلس القضاء الأعلى، نفى وجود محاولات تنصت على زيدان، مؤكداً في بيان، الخميس الماضي، "عدم صحة ما يتم تداوله على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بخصوص وجود محاولات تنصت على رئيس مجلس القضاء الأعلى".
بدورها كشفت عضو مجلس النواب سروة عبد الواحد، تفاصيل أخرى عن شبكة التنصت بمكتب السوداني. وأكّدت، على منصة إكس في 20 أغسطس الماضي، أن "محمد جوحي الذي زوّر وهدد وأرسل أخباراً مفبركة إلى النواب ليس المتهم الوحيد بانتحال الصفة، فهناك شخص اسمه جهاد، يدعي أنه مستشار رئيس مجلس الوزراء". وأوضحت أنه يجري التحقيق مع جهاد "أيضاً بسبب إساءته إلى رئيس الوزراء من خلال استخدام اسمه وتهديده للنساء وإهانتهن، والقضية الآن أمام القضاء". وأضافت أنه "لذلك على مكتب رئيس مجلس الوزراء متابعة الإجراءات وعدم التنازل عن حقه ليكون هؤلاء عبرة لكل مبتز رخيص يمارس ابتزازه باسم السلطات، ونحن بحاجة إلى تنظيف المجتمع من هؤلاء الحشرات".
ابتزاز مالي وسياسي
وتواصلت "العربي الجديد" مع ثلاثة مصادر اطلعت على قضية شبكة التنصت بمكتب السوداني. وقالت تلك المصادر إن "الشبكة تجسست على هواتف بعض النواب والسياسيين من كل الأحزاب، أي أنها لم تستهدف جماعة على حساب جماعة، وحاولت اختراق هواتف نائبات لأجل الوصول إلى صور أو فيديوهات يمكن استخدامها لأغراض الابتزاز المالي أو السياسي". وأوضحت أن "التحقيقات ما تزال مستمرة، لكن الأولية منها بيَّنت أن الشبكة كانت تمتلك جيوشاً إلكترونية، تصنع الأخبار المزيفة وتنشرها في الأوساط الصحافية والسياسية والبرلمانية".
عضو بـ"الإطار التنسيقي": هناك شكوك بأن الشبكة تعمل لصالح رئيس حكومة سابق
وأشارت المصادر إلى أن "التحقيق شمل نحو 30 موظفاً من العاملين في مكاتب رئيس الوزراء وبعض مستشاري الحكومة، لكن التحقيقات أفضت إلى وجود جماعة محددة متورطة في هذه الشبكة". وقالت إنه "لا يبدو أن التوجه السياسي يمنحهم الفرصة للخروج من الاحتجاز، بل سيُعاقبون وفق القانون العراقي، بتهم الابتزاز والتزوير والتجسس، وهناك دعاوى في القضاء تقدم بها متضررون". كما أشار عضو في البرلمان عن "الإطار التنسيقي"، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الشبكة أحرجت معظم الأحزاب السياسية والحكومة أمام الرأي العام، إذ إن اكتشاف شبكة تنصت داخل مكتب السوداني، يمثل خرقاً غير اعتيادي للدولة، ويهدد بتسريب معلومات حكومية قد تكون سرية". وأوضح النائب، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "هناك شكوكاً بأن الشبكة تعمل لصالح رئيس حكومة سابق".