أزمة سنجار تختبر قدرة السوداني على حسم الملفات الحساسة

أزمة سنجار تختبر قدرة السوداني على حسم الملفات الحساسة

12 نوفمبر 2022
مهجرون من سنجار في مخيم بمدينة زاخو، مايو 2022 (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

تترقّب الأوساط السياسية والاجتماعية المهتمة بالأوضاع في مدينة سنجار العراقية، شمال غربي الموصل، أولى الخطوات التي سيلجأ إليها رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني للتعامل مع ملف المدينة المستعصي على الحل منذ نحو 7 سنوات، وآخرها إخفاق حكومة مصطفى الكاظمي السابقة في حل المشكلة وتنفيذ الاتفاقية الخاصة بتطبيع الأوضاع فيها، والتي عُقدت بين حكومتي بغداد وأربيل في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وتقع المدينة ضمن مثلث جغرافي يربط العراق بسورية، وتقابلها سورياً مدينة الحسكة، وتتبعها بلدات صغيرة أخرى، وتخضع مساحات واسعة منها لنفوذ مسلحي حزب "العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة، الذي شكّل أجنحة وأذرع مسلحة محلية، إلى جانب تكثيف مقراته وتشييد أنفاق تحت المناطق الجبلية لتأمين الحماية من الغارات الجوية التي تنفذها تركيا لاستهداف قادة وأعضاء الحزب البارزين.

وما زال نحو 80 في المائة من أهالي المدينة خارجها، في مخيمات ضخمة في دهوك وأربيل، بسبب استمرار عسكرة المدينة من قبل مسلحي "الكردستاني" وعدم إعمار المناطق بعد الدمار الواسع الذي حل بالمدينة خلال عمليات طرد "داعش" منها، وفقاً لعضو البرلمان العراقي محما خليل المتحدر من مدينة سنجار.

واتهم خليل مسلحي "الكردستاني" بإعاقة عودة الحياة إلى سنجار، التي تضم عدة مكونات قومية ودينية؛ أبرزها العرب والأكراد والأيزيديون والآشوريون، الذين ما زالت قراهم وأملاكهم مهجورة لغاية الآن.

أزمة سنجار وقدرة السوداني

وعلى الرغم من أن توجه السوداني في التعامل مع ملف مدينة سنجار لم يظهر لغاية اللحظة، إلا أن القوى السياسية المعنية بالملف تأمل وجود إرادة حقيقية وجدية لحكومته لإنهاء مشكلة سنجار، والتوصل إلى حل سياسي يعيدها لسلطة الحكومة المركزية ببغداد، وينهي وجود المجموعات المسلحة. ويشير مراقبون إلى أن القوى المعرقلة لتطبيع الأوضاع هي حليفة لرئيس الوزراء وشريكة أساسية له في الحكومة.

ويحظى "الكردستاني" بعلاقات واسعة مع مليشيات عراقية حليفة لإيران أبرزها "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"سيد الشهداء"، و"النجباء"، و"حشد الشبك" و"بابليون"، واتخذت تلك المليشيات خلال حكومة الكاظمي موقفاً معارضاً لاتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار، وعملت على إفشال تطبيقها، وهو ما اعتُبر بطبيعة الحال موقفاً إيرانياً غير مباشر رافضاً لتلك الاتفاقية.


إخلاص الدليمي: لا حل لسنجار سوى بإنهاء وجود الفصائل والكردستاني

ويُعدّ الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان العراق، بزعامة مسعود البارزاني، أكثر الأطراف اهتماماً بملف مدينة سنجار كونه يعتبرها جزءاً من أراضي إقليم كردستان.

وكشفت عضوة البرلمان عن الحزب الديمقراطي، إخلاص الدليمي لـ"العربي الجديد"، عن وجود اتفاق سياسي بين الحزب ورئيس الوزراء الجديد وكذلك مع قوى "الإطار التنسيقي" على حسم ملف مدينة سنجار، مؤكدة أن "حسم الأمور في المدينة كان إحدى النقاط التي تم الاتفاق عليها وبموجبها تم تشكيل الحكومة".

وقالت الدليمي إن "لا خيار لحكومة السوداني إلا بتسوية قضية سنجار عبر تشكيل إدارة محلية للقضاء، وتشكيل لواءين من أبناء سنجار وتسليمهم الملف الأمني وإنهاء وجود الفصائل المسلحة ولاسيما حزب العمال الكردستاني والمجموعات الأيزيدية المرتبطة به، والتي تتقاضى رواتب من مؤسسات الدولة العراقية بينما تعمل لصالح قوى أجنبية تحتل القضاء منذ سنوات".

وعزت الدليمي فشل الحكومة السابقة في تنفيذ بنود اتفاق سنجار لعدم وجود قوى وكتلة سياسية تتبنّى مشروع الكاظمي، مشيرة إلى أن "الوضع الحالي يختلف تماماً عن السابق، لأن حكومة السوداني اليوم تحظى بالدعم من قبل أغلبية القوى السياسية، لا سيما بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان ورفضه الانخراط في الحكومة الحالية".

وأضافت أن "حكومة السوداني ستكون مسؤولة أمام الجميع عن أي إخفاق في ملف سنجار وغيرها من الملفات، بينما سيكون نجاحها في إدارة أزمة القضاء عامل قوة لها على الصعد الدولية والإقليمية والداخلية".

ولفتت الدليمي إلى أن "السلطة في بغداد قادرة على إنهاء مشكلة سنجار خلال مدة لا تزيد عن أربعة أشهر، في حال توفّرت الرغبة والإرادة الحقيقية لتحقيق ذلك"، مشيرة إلى أن "تأخر حسم وتطبيع الأوضاع في سنجار سيؤدي إلى بقاء نحو 90 في المائة من أبناء القضاء في مخيمات النزوح ولا سيما في محافظتي أربيل ودهوك".

وحذرت النائبة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، من أن "أي تأخير أو عراقيل في تنفيذ اتفاق سنجار خلال المرحلة المقبلة ستكون خطراً على أمن واستقرار نينوى، كما تعني غياب الثقة مجدداً بين الشركاء السياسيين، وبالتالي قد تصل الأمور إلى مقاطعات سياسية أكبر على غرار ما فعله التيار الصدري وذلك لترك قوى الإطار التنسيقي تتحمل مسؤولية الفشل لوحدها".

أما المكون العربي في سنجار، والذي يشكل نحو ثلث سكان المدينة ديموغرافياً، فيرى أن على الحكومة الحالية إعادة النظر باتفاق سنجار كونه همّش العرب ولم يشركهم في إدارة المدينة أو التطوع في الأجهزة الأمنية، بحسب النائب السابق عن سنجار علي المتيوتي.

وقال المتيوتي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "من المتوقع أن تبدأ الحكومة الجديدة بتنفيذ الاتفاقات التي حُددت خلال تشكيلها، ومن بينها تفعيل وتنفيذ اتفاق سنجار، غير أنه تتوجب إعادة النظر فيه، لأنه جرى بمشاركة مكون واحد وهو المكون الأيزيدي، من دون مشاركة باقي المكونات ولاسيما العرب".


علي المتيوتي: أي حل لملف سنجار لا يشارك فيه العرب سيكون ناقصاً

وشدّد المتيوتي على أن "أي حل لملف سنجار لا يشارك فيه العرب سيكون ناقصاً"، داعياً السوداني إلى "إشراك العرب في إمساك الملف الأمني عبر شمولهم في التطوع للألوية الخاصة بمدينة سنجار".

وخلص إلى اعتبار أن "حل قضية سنجار يتم عبر ثلاثة جوانب: الأول إخراج حزب العمال الكردستاني من القضاء، والثاني عزل أبناء سنجار من الذين انخرطوا في تلك المجموعات من أجل إعادة تأهيلهم من جديد، والثالث عبر إشراك العرب وجميع المكونات في إدارة المدينة وإمساك الملف الأمني فيها".

مشكلة سنجار دولية لا محلية

ورفض الآلاف من أبناء سنجار من الأيزيديين والأكراد والعرب العودة إلى مناطقهم طيلة السنوات الماضية، بسبب سيطرة الفصائل المسلحة على مناطق القضاء عامي 2015 و2016 بعد طرد مسلحي "داعش" الذي هاجم القضاء في أغسطس/آب 2014.

ويُنظر للأزمة في سنجار على أنها مشكلة دولية وليست محلية، فبقاء حزب "العمال الكردستاني"، والفصائل القريبة منه، يأتي بدعم إيراني وإن لم يكن علنياً، يقابله رفض تركي شديد على اعتبار أن مسلحي تلك التنظيمات يشنون هجمات داخل العمق التركي ويهددون أمن تركيا القومي.

بدوره، أكد محافظ نينوى نجم الجبوري، أن "مشكلة سنجار هي مشكلة بين دولتين إقليميتين"، في إشارة إلى تركيا وإيران. وكشف خلال كلمة له في مؤتمر "ميري" الذي أنهى أعماله في أربيل الأسبوع الماضي، تحت اسم "العراق للجميع"، عن "صعوبة الأوضاع في القضاء لعدم وجود سلطات محلية في القضاء إذ لا توجد إدارات للنواحي ولا قائممقام للمدينة". مع العلم أن "العمال الكردستاني" والفصائل الموالية له فرضت إدارة محلية غير شرعية في سنجار، ولا تتبع الحكومة العراقية.

من جانبه، رهن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الموصل، فراس إلياس، أي تقدم في ملف سنجار وحل أزمتها بتوافق الإرادات الداخلية والخارجية. وقال في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "إخفاق تطبيق اتفاق تطبيع الأوضاع في سنجار كان متوقعاً، وذلك بفعل التداخلات الداخلية والخارجية المعقّدة التي تشهدها المدينة، وهي ذات التداخلات التي ستجد حكومة السوداني نفسها مجبرة على مواجهتها، خصوصاً أن الإقليم يحاول حسم هذا الملف عبر اتفاق سياسي مع الحكومة، في مقابل رفض قوى الإطار التنسيقي لذلك".

وأضاف إلياس أن "الأمر لا يتعلق فقط بجدية السلطات والضغط الدولي في المدينة بقدر تعلقه بالإرادة السياسية للقائمين على المشهد السياسي في العراق"، مبيناً أن لكل طرف سياسي رؤية خاصة للحل في سنجار، وما يزيد الوضع تعقيداً هو خضوع المدينة لما يعرف دستورياً بالمناطق المتنازع عليها، إلى جانب تمركز كبير لعناصر "الكردستاني" فيها.

وخلص إلياس إلى القول إن "أي فرصة للحل تقتضي توافق الإرادات الداخلية والخارجية حول سنجار، لكن مثل هذا التوافق لن يكون حاضراً على الأقل في المستوى المنظور".

المساهمون