في وقت تتسارع فيه وتيرة التحركات والمواقف الدولية الخاصة بأزمة سد النهضة، باتت كافة الخيارات مطروحة على الساحة بقوة، بحسب مصادر متعددة مطلعة على مسار الأزمة، بعدما كان التلويح بالحل العسكري قد أخذ في التراجع نوعاً ما.
وفي هذا الإطار، قال مصدر دبلوماسي مصري مسؤول، لـ"العربي الجديد"، إن "الرسالة الإثيوبية إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن، والتي تتهم فيها كلاً من مصر والسودان بإفشال المفاوضات الخاصة بسد النهضة، وعدم تقديمهما تنازلات تساعد على الوصول لحل للأزمة، ما هي إلا محاولة جديدة من جانب أديس أبابا لإضاعة مزيد من الوقت، بشكل يساعدها على إتمام الملء الثاني للسد، ومن ثم فرض الأمر الواقع بعد ذلك".
ستبدأ مصر حملة مفادها أن القاهرة لم تعد في جعبتها تسهيلات إضافية للتوصل لحل سلمي للأزمة
وفسر الدبلوماسي المصري، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، الخطوة التي قامت بها أديس أبابا، قائلاً إن "إثيوبيا سعت لاستباق التحرك المصري السوداني نحو مجلس الأمن، لتبدو كأنها الطرف الأضعف أمام تحالف القاهرة والخرطوم، رغبة منها بأن ينتهي موقف مجلس الأمن، حال لجوء الدولتين له خلال الأيام المقبلة، بتوصيات فقط كما حدث في المرة الأولى، ومن ثم كسب وقت إضافي عبر عملية تفاوضية جديدة على أسس غير سليمة، من دون شرط مُلزم بوقف أعمال البناء لحين إتمام المفاوضات، أو التوصل لاتفاق ملزم قبل عملية الملء الثاني". وكشف الدبلوماسي المصري أن "الجولة الأفريقية، التي بدأها وزير الخارجية المصري سامح شكري، الإثنين الماضي، وتتضمن دول حوض النيل وجنوب أفريقيا، تهدف إلى تحييد الموقف الأفريقي الذي تراهن إثيوبيا دائماً على استخدامه كذريعة لعدم تدويل القضية، وحصرها في الآلية الأفريقية فقط، رغم التداعيات العالمية للأزمة في إحدى المناطق الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية".
على الصعيد ذاته، قال مصدر مصري خاص إنه "على الرغم من تراجع الخطاب الإعلامي المصري بشأن الخيار العسكري كحل للأزمة، إلا أن المناقشات حوله لا تزال حاضرة في اجتماعات الدائرة المصرية المعنية بالملف"، مضيفاً أن "خطة الحل العسكري جاهزة في حال أصدرت القيادة السياسية أوامرها للقوات المسلحة". وأوضح أن "الخطة بأدق تفاصيلها تمت مراجعتها مع الجانب السوداني خلال الأيام الماضية"، لافتاً إلى أنها "تتضمن عدة سيناريوهات عسكرية، أقلها ترجيحاً خيار توجيه ضربة جوية مباغتة". وكشف المصدر أن "خيار توجيه ضربة جوية لنقاط محددة في جسم السد لم يحظ بدعم القادة العسكريين، في ضوء المعلومات الدقيقة التي تملكها مصر والسودان بشأن موقع السد". وقال المصدر إنه، خلال الأيام القليلة المقبلة، ستبدأ مصر حملة عبر مجموعات ضغط ومكاتب علاقات عامة دولية لنقل رسالة إلى مؤسسات صناعة القرار، سواء في أميركا، أو أوروبا، مفادها أن القاهرة لم تعد في جعبتها تسهيلات إضافية للتوصل لحل سلمي للأزمة، يجنب المنطقة بالكامل تبعات النهج الإثيوبي.
وكشفت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة أن مصر أعادت إبلاغ قوى إقليمية بخيار لجوئها إلى الحل العسكري في حال استمر النهج الإثيوبي، محملة تلك القوى مسؤوليتها. وقالت المصادر إنه "على الرغم من تحذيرات سابقة من القوى الدولية الكبرى، بتوقيع عقوبات قاسية على مصر والسودان في حال إقدامهما على عمل عسكري ضد السد، إلا أن موقف مصر الذي يعد الأحدث هو استعدادها لتحمل تبعات تلك الخطوة، طالما أنها كانت الخيار الأخير الذي لا حلول بعده". وكشفت المصادر أن هناك تقارير غربية تتكهن بأن تكثيف التحركات المصرية السودانية على الصعيد الدبلوماسي والدولي خلال النصف الأول من إبريل/ نيسان الحالي، يعد استباقاً للعمل العسكري واستطلاعاً للنوايا الحقيقية للدول الكبرى بشأن التوصل لحل سلمي للأزمة.
كشف مصدر مصري أن خطة الحل العسكري جاهزة في حال أصدرت القيادة السياسية أوامرها للقوات المسلحة
كما كشفت المصادر عن تلويح مصر، في اتصالات جرت أخيراً مع قوى أوروبية مؤثرة، بعدم قدرة القاهرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه بعض القضايا والأزمات التي تؤرق الاتحاد الأوروبي بحال عدم التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة. وقالت إن "القيادة المصرية أخبرت مسؤولين أوروبيين بارزين بأنه لن يكون بمقدورها السيطرة على التأثيرات الداخلية لأزمة نقص المياه، وما سيرتبه ذلك من أزمات أعمق ستطاول أوروبا حتماً"، ربما في إشارة إلى ملفات اللجوء، وحدوث حالة فوضى بالمنطقة. وبحسب المصادر، فإن المحادثات والاتصالات الدولية خلال الأسبوع المقبل هي التي ستحدد شكل الحل الخاص بالأزمة.
من جانبه، علق عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية الخبير بملف أزمة السد، على الرسالة الإثيوبية لمجلس الأمن التي تتهم مصر بعدم تقديم تنازلات، قائلاً "وكأننا نحن، (في إشارة للقاهرة)، الذين هربنا وانسحبنا في اليوم الأخير من مفاوضات واشنطن، وكأننا الذين أفشلنا المفاوضات بإقحام مواضيع جديدة، مثل حصة مائية، وإلغاء اتفاقية 1951، وكأننا أيضاً الذين رفضنا الوساطة الدولية الرباعية، وكأننا الذين رفضنا دعوة السودان الأخيرة لعقد قمة لرؤساء الوزراء، وكأننا الذين نقضنا الاتفاقيات السابقة، وإعلان مبادئ سد النهضة 2015". كما عدد شراقي، في منشور على حسابه الشخصي بموقع "فيسبوك"، حجم التنازلات المصرية منذ بدء عملية التفاوض على مدار السنوات الماضية، رداً على اتهام إثيوبيا لمصر والسودان بعدم حسن النية، قائلاً "نحن الذين وافقنا على أن نتفاوض والبناء مستمر، وأن تكون اللجنة الفنية الحالية وطنية، وليس بها خبراء دوليون كما أرادت اثيوبيا في أغسطس/ آب 2014". وأضاف "وافقنا أيضاً على عمل دراسات هيدرولوجية وبيئية واجتماعية واقتصادية دون هندسة أمان السد كما طلبت إثيوبيا. ووافقنا على اختيار المكتب الفرنسي الذي فرضته إثيوبيا، وقبلنا أن يكون المكتب الهولندي مساعداً، والذي انسحب بعد ذلك معترضاً. كما وافقنا على التقرير الاستهلالي للمكتب الفرنسي ورفضته إثيوبيا". وتابع "وافقنا على اتفاق واشنطن رغم ما به من تخزين 18.5 مليار متر مكعب في السنة الأولى، وأكملنا التفاوض رغم عدم إجراء دراسة من الدراسات التي أوصت بها لجنة الخبراء الدولية منذ 2013 حتى اليوم، إضافةً إلى الموافقة على سرية تقرير لجنة الخبراء الدولية حتى اليوم رغم نقضه للنقص الشديد للدراسات الإثيوبية لسد النهضة".
وتابع شراقي "وافقنا على التفاوض تحت رعاية الاتحاد الأفريقي رغم انسحاب إثيوبيا قبلها من واشنطن. ووافقنا على أن تكون مفاوضات الاتحاد الأفريقي على مستوى وزراء الري فقط دون الخارجية، ووافقنا أن يكون دور المراقبين مشاهدة فقط، ولا يتحدثون إلا إذا طلب منهم بناء على طلب إثيوبيا". واختتم شراقي تعليقه بشأن التنازلات المصرية، قائلاً "نتفاوض طوال 10 سنوات، ولم نذكر الاتفاقيات التاريخية الخمس التي تنكرها إثيوبيا. وبعد كل ذلك تقول إننا لا نتفاوض بحسن نية، ولسنا مستعدين لتقديم تنازلات".
اتهمت الخارجية الإثيوبية القاهرة والخرطوم بعدم تقديم تنازلات
وكانت إثيوبيا قد دعت في رسالة رسمية الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي إلى حث مصر والسودان على العودة إلى المفاوضات الثلاثية بشأن الملء الأول، والتشغيل السنوي لسد النهضة، واحترام العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي. واتهمت الخارجية الإثيوبية، في بيان نشرته على حسابها باللغة العربية على "فيسبوك"، القاهرة والخرطوم بعدم تقديم تنازلات، قائلة "لا تتفاوض مصر والسودان بحسن نية، وليستا مستعدتين لتقديم التنازلات اللازمة للوصول إلى نتيجة مربحة للجميع". وتضمنت الرسالة كذلك أن البلدين اختارا "إفشال" المفاوضات و"تدويل" القضية لممارسة ضغط لا داعي له على إثيوبيا.
يأتي هذا فيما دعت إثيوبيا لعقد اجتماع للاتحاد الأفريقي لإنهاء الجمود بشأن محادثات سد النهضة بين الأطراف الثلاثة. وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان، أمس الأربعاء، إن "إثيوبيا ترى أن الطريق إلى الأمام في مفاوضات سد النهضة هو أن تطلب من رئيس الاتحاد الأفريقي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي الدعوة إلى اجتماع لإنهاء الجمود بشأن مفاوضات سد النهضة". وأضاف البيان أن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في رده على رسالة نظيره السوداني عبد الله حمدوك في 13 إبريل الحالي، "قال إن افتراض فشل عملية التفاوض ليس صحيحاً، لأننا رأينا بعض النتائج الملموسة، بما في ذلك التوقيع على إعلان المبادئ، وإنشاء المجموعة الوطنية المستقلة للبحوث العلمية، وعملها في ما يتعلق بجدول الملء على أساس مرحلي".
وأوضح البيان أن "الرسالة التي بعث بها رئيس الوزراء الإثيوبي استشهدت أيضاً باجتماع كينشاسا، والتفاهم الذي تم التوصل إليه بشأن استئناف المفاوضات الثلاثية المتوقفة التي يقودها الاتحاد الأفريقي، والاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن استمرار وتعزيز دور المراقبين (الاتحاد الأوروبي وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة)، والحاجة إلى رئيس الاتحاد الأفريقي الحالي لاستخدام الموارد الموجودة تحت تصرفه لأداء دوره التيسيري بشكل فعال".
كما تضمنت الرسالة، بحسب البيان، اعترافاً بالمسائل القانونية والتقنية التي يجب معالجتها لتحقيق نتيجة مربحة للجانبين، مطالبة بإتاحة الفرصة للعملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي للتعامل مع القضايا الأكثر إلحاحاً، على الرغم من الانقطاع تسع مرات. وأشارت إلى أنه "إذا تفاوضت الأطراف بحسن نية فإن النتائج في متناول أيدينا. وما زالت إثيوبيا تعتقد أن أفضل طريقة للمضي قدماً هي مواصلة المفاوضات الثلاثية في إطار العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي للوصول إلى نتيجة مربحة للجانبين". يذكر أن حمدوك دعا، منتصف إبريل الحالي، نظيريه المصري والأثيوبي إلى عقد قمة خلال 10 أيام، لتقييم المفاوضات حول سدّ النهضة بعد الوصول إلى طريق مسدود.