أزمة الجزائر وفرنسا: نسف تفاهمات أغسطس وتوقعات بإلغاء زيارة تبون

09 فبراير 2023
أزمة جديدة لا تبدو نهايتها قريبة بين فرنسا والجزائر(فرانس برس)
+ الخط -

عادت العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى نقطة التأزم مرة أخرى، بحيث تجمدت قنوات الاتصال السياسي والدبلوماسي مجدداً، بعد إعلان الجزائر استدعاء سفيرها من باريس للتشاور، عقب أزمة ترحيل الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي من تونس إلى فرنسا، بتدخل فرنسي، وحديث الحكومة الجزائرية عما وصفته بـ"انتهاك للسيادة الوطنية"، ما يعني نسفاً كاملاً لتفاهمات أغسطس/آب الماضي، وتحييداً لزيارة مرتقبة للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس في مايو/أيار المقبل.  

ورأى محللون أن العلاقات الجزائرية الفرنسية انهارت دون سابق إنذار، في أزمة جديدة لا تبدو نهايتها قريبة، كما لا تبدو إمكانية تجاوز تداعياتها ممكنة بالمعطيات القائمة واعتبروا في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه قبل هذه التطورات المستجدة وغير المنتظرة، كان مسار العلاقات بين الجزائر وباريس يتجه نحو منحى تصاعدي وفي غاية الإيجابية، منذ تفاهمات أغسطس الماضي التي تمت خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، والتي عرفت باسم "إعلان الجزائر لشراكة متجددة"، وتلاها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي زيارة غير مسبوقة لرئيسة الحكومة الفرنسية أليزابيث بورن رفقة 16 وزيرا في الحكومة، وزيارات متبادلة بين الأمناء العامين لوزارة خارجية البلدين، كان آخرها زيارة الأمينة العامة للخارجية الفرنسية آن ماري ديسكوت نهاية الشهر الماضي، وكذا الزيارة الأكثر أهمية، لقائد الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة إلى باريس قبل أسبوعين، وهي الأولى منذ 17 عاماً.

خط أكثر من أحمر

وبحسب المحللين، فإن الجانب الجزائري ينظر إلى المسألة من زاوية أن الطرف الفرنسي لم يكن حريصاً على احترام تفاهمات أغسطس 2022، والتي نصت على بنود تخص في شق خاص التعاون والتنسيق الأمني وتبادل المعلومات في كنف احترام سيادة كل طرف، وأنه لم يستوعب دروس أزمة أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والتي تشبه في بعض تفاصيلها ودوافعها الأزمة الحالية.

كذلك تعتبر الجزائر، وفق دبلوماسيين جزائريين تحدث إليهم "العربي الجديد"، أن "حرص باريس على احتضان أشخاص مطلوبين للقضاء الجزائري، ومعروفين بمواقفهم الطاعنة في مؤسسات الدولة الجزائرية، وتعبئة مؤسسات الدولة الفرنسية لنقلهم وحمايتهم، يعطي مؤشراً إلى أن الجانب الفرنسي ما زال مهتماً بإثارة المشكلات في الجزائر".
 
وقرأ الدبلوماسيون ذاتهم قرار استدعاء السفير للتشاور بأنه "يعني في السياق الدبلوماسي مستوى أعلى من الاحتجاج، والحد من قنوات الاتصال". 

وحول هذه التطورات، قال عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، عبد السلام باشاغا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن التطورات الأخيرة "تعني أننا عدنا للمربع الأول في مستوى العلاقات بين الجزائر وباريس".

ولفت إلى أنه "وفقاً للهجة الشديدة التي حملها بيان الرئاسة الجزائرية ومذكرة وزارة الخارجية، فإننا نتوقع التصعيد في المواقف في الفترة المقبلة، وقد نشهد قرارات حادة من الجانب الجزائري، على غرار قرارات أزمة أكتوبر".

وعن أزمة أكتوبر أوضح أنه "وقتها قررت الجزائر إغلاق المجال الجوي الجزائري في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية، خاصة بعد الإشهار الرسمي للموقف والحديث عن انتهاك السيادة، أذ إن الأمر يتعلق بما اعتبرته الجزائر مساساً بالسيادة الوطنية، وهو خط أكثر من أحمر ومسألة بالغة الحساسية بالنسبة للجزائر".

واستدرك قائلاً إنه "لا تعرف طبيعة المواقف اللاحقة، لكننا قد نتحدث لاحقاً عن إمكانية مطالبة الجزائر لدبلوماسيين وأمنيين فرنسيين يعملون في السفارة بالمغادرة واعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم".

ولفت إلى أنه "بغض النظر عن التفاصيل التقنية للقضية، فمن المؤكد أن اتصالات كانت تجري من قبل الجانب الجزائري مع الطرف الفرنسي بشأن عدم التدخل في قضية أميرة بوراوي، قوبلت بتعنت من الجانب الفرنسي الذي دبر أمر ترحيلها".

ورجح بأنه "وفق المعطيات الحالية للأزمة الطارئة، فإننا يمكن أن نقول إن زيارة الرئيس تبون المقررة إلى باريس في مايو المقبل، باتت في حكم النسيان أو التأجيل على الأقل، ما لم يحدث ما يفك الأزمة".

فخ سياسي

لكن تحليلات سياسية تعتبر أن القضية "فخ سياسي" ضمن مؤشرات كثيرة كانت تدل على وجود محاولات من أطراف فرنسية، لخلق حالة أزمة بين البلدين، وأن جهوداً غير محمودة كان واضحاً أنها تسعى بكل قوة لتعطيل مسار إعادة بناء العلاقات كانت قائمة منذ فترة، خاصة من شخصيات ومجموعات يمينية، لم تكن راضية بقدر كبير على تحسن العلاقات بين الجزائر وباريس والتفاهمات على إعادة بناء العلاقات على أسس جديدة.

وأوضحت هذه التحليلات وتمثلت في سلسلة مواقف وتصريحات استفزازية أطلقها سفراء فرنسيون سابقون في الجزائر ومسؤولون سابقون في جهاز المخابرات الفرنسية، على غرار السفير كزافييه دريانكور، وبرنار باجولي، وتعتبر هذه التحليلات أن الجزائر وباريس بصدد أزمة دبلوماسية عاصفة لا سابق لها.

وفي السياق، قال الباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية في جامعة باريس، فيصل ازغدارن في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "بعيداً عن الحيثيات التقنية والجدل السياسي الذي سيتبعه، بمقدور هذا الحدث إعادة العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى سباتها ولأجل غير مسمى".

وأضاف أنه "من المؤكد أن هناك أطرافا عديدة سعت إلى عرقلة هذه العلاقات خاصة أن التوقيت السياسي للأزمة يدل على ذلك"، موضحاً أنه "في خضم الاتصالات لتحضير زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا، تأتي هذه الحادثة لتعيد العلاقات بين البلدين إلى نقطة الصفر".

واستطرد قائلاً: "ما هو مؤكد، هو أن ثمة أطراف من الجانب الفرنسي لا تتحمل أي تقارب جزائري-فرنسي، ويهمها أن ترهن مستقبل العلاقات بين البلدين وكل ما يدور في فلك هذه العلاقات من قضايا الأمن في منطقة الساحل وأفريقيا الغربية وجهود تسوية القضايا الإقليمية ذات صلة، ضمن مناخ التوتر".

وأشار إلى أن "هذه القضية يمكن أن تمثل فخاً سياسياً "لقد استطاعت السلطات الجزائرية تجاوز المحاولة الاستفزازية للسفير الفرنسي الأسبق كزافييه دريونكور، الذي أساء للجزائر على أعمدة جريدة لوفيغارو قبل أسبوعين، والتي كانت محاولة يائسة لزرع قنبلة موقوتة تحسباً للحوار الجزائري الفرنسي".

وقرر تبون، مساء الأربعاء، استدعاء السفير الجزائري من باريس سعيد موسي للتشاور، كما أبلغت الخارجية الجزائرية السفارة الفرنسية، بمذكرة احتجاج قوي، إزاء ما وصفته "بعملية تهريب غير شرعية لمواطنة جزائرية، وانتهاك السيادة الوطنية من قبل موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية شاركوا في عملية تسلل سرية وغير مشروعة لإحدى الدول".

وأكدت أن ذلك "يلحق ضرراً كبيراً بالعلاقات الجزائرية الفرنسية، باعتباره غير مقبول وغير مقيد"، على خلفية تدخل القنصلية الفرنسية في تونس لمنع ترحيل ناشطة جزائرية إلى الجزائر، ثم ترحيلها إلى فرنسا.

ويتعلق بقضية الناشطة أميرة بوراوي التي كانت قد تمكنت من الوصول إلى تونس قادمة من الجزائر، بطريقة غير قانونية، عبر مسالك التهريب على الحدود البرية، لكونها ممنوعة من مغادرة التراب الجزائري.

الجمعة الماضي، حاولت بوراوي صعود رحلة متوجهة إلى فرنسا، باستخدام جواز سفرها الفرنسي، (تحمل الجنسية الفرنسية منذ عام 2007)، لكن غياب ختم الدخول إلى تونس على جوازها (لكونها دخلت براً بطريقة غير قانونية)، دفع الشرطة التونسية إلى منعها من السفر وتوقيفها وإيداعها الحبس إلى غاية صباح أول من أمس الاثنين، حيث تم تحويلها إلى القضاء الذي قرر اخلاء سبيلها.
 
لكنها تعرضت لتوقيف ثان مباشرة بعد خروجها من المحكمة، وتم تحويلها إلى مطار تونس لترحيلها إلى الجزائر، غير أن تدخل القنصلية الفرنسية التي وضعتها تحت حمايتها لحملها جواز سفر فرنسيا، منع ترحيلها، ومكنتها القنصلية من السفر إلى ليون الفرنسية.