يجري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، غداً الخميس، زيارة إلى اليونان، يلتقي خلالها رئيس الوزراء اليونان كرياكوس ميتسوتاكيس. ويتوقع أن تمثل هذه الزيارة صفحة جديدة في العلاقات التركية اليونانية، على الرغم من وجود خلافات.
وتدهورت العلاقات التركية اليونانية قبل نحو عامين، بسبب طلب رئيس الوزراء اليوناني من الكونغرس الأميركي عدم الموافقة على بيع تركيا مقاتلات إف 16، الأمر الذي أزعج تركيا وأدى إلى إلغاء لقاءات رفيعة بين البلدين.
ومع وقوع زلزال 6 فبراير/شباط الماضي في تركيا وسورية، شاركت فرق الإنقاذ اليونانية في عمليات انتشال العالقين من تحت الأنقاض، الأمر الذي فرض حالة إيجابية في علاقات البلدين وبدء زيارات رسمية واتصالات هاتفية ولقاءات بين أردوغان وميتشوتاكيس على هامش القمم الدولية.
وعملت أنقرة في السنوات الأخيرة على نهج سياسة جديدة تقوم على تطبيع وتحسين العلاقات مع دول المنطقة والإقليم في مسعى لتهدئة العلاقات الخارجية لتركيا، وتجاوبت اليونان مع المساعي التركية، مع الإعلان في يوليو/تموز الماضي عن إخلاء مخيم "لافريون" الواقع بالقرب من العاصمة أثينا، والذي تعتبره تركيا مقراً لحزب العمال الكردستاني وتنظيمات مسلحة محظورة.
أردوغان: لا توجد مشكلات غير قابلة للحل
وفي مقابلة مع صحيفة كاثيميريني اليونانية، نشرت اليوم الأربعاء، قال أردوغان إن بلاده "لم تنظر قط إلى جارتها اليونان على أنها عدو أو خصم، وإنه لا توجد مشكلات غير قابلة للحل مع جيرانها"، مؤكدا أن البلدين يدركان ذلك، ولكن السماح أو عدم السماح لهذه المشكلات بإثارة التوتر بين الحكومتين والشعبين هو بيد البلدين أيضًا.
وأوضح أنه تحدث مؤخراً عن "فتح صفحة جديدة" ومبدأ "رابح - رابح" في العلاقات بين تركيا واليونان، مؤكداً أن "معالجة الخلافات في العلاقات التركية اليونانية من خلال الحوار والالتقاء في أرضية مشتركة سيعود بالفائدة على الجميع، ويقع على عاتق الطرفين مسؤولية تعزيز هذا النهج وإضفاء الطابع المؤسسي عليه والارتقاء به أكثر".
وذكر أردوغان أن هذه النية المشتركة ستسجل بكل وضوح بفضل الإعلان المتعلق بالعلاقات الودية وحسن الجوار والمزمع توقيعه في أثينا الخميس. وفيما يخص الهجرة غير القانونية، أشار إلى ازدياد حركة الهجرة في العالم لأسباب عدة، أبرزها عدم الاستقرار السياسي".
هل تبدأ حقبة جديدة في العلاقات التركية اليونانية ؟
وقالت قناة "سي أن أن" التركية، اليوم الأربعاء، إنه، خلال زيارة أردوغان غداً، والتي تأتي بدعوة من رئيس الوزراء اليوناني "سيتم وضع خريطة طريق لوضع أساس للتعاون في مختلف المجالات وزيارة أردوغان تأتي بعد 6 سنوات للمشاركة في الاجتماع الخامس للجنة الاستراتيجية العليا".
وأضافت "الأجندة خلال اللقاء هي العلاقات الثنائية والمسائل الدولية والتطورات في قطاع غزة والتطورات في بحر إيجة والمتوسط، ومسألة اجتماعات تعزيز الثقة، ومسألة الهجرة غير النظامية والخطوات المشتركة، ورفع حجم التعاون من 5 مليارات دولار حاليا إلى 8 مليارات دولار، وسيعقد اجتماع منتدى الأعمال".
وذكرت قناة "تي آر تي" خبر الحكومية، اليوم الأربعاء، أن الأنظار كلها متجهة نحو زيارة الرئيس أردوغان إلى اليونان، مشيرة إلى أن من المتوقع أن تطرح على الطاولة القضايا التي تسببت في تدهور العلاقات بين البلدين.
وتساءلت القناة "هل تبدأ حقبة جديدة في العلاقات بين أنقرة وأثينا؟". مبينة أن "تصرفات اليونان في بحر إيجة زادت التوتر، وممارسات الحكومة اليونانية غير العادلة تجاه الأتراك في إقليم تراكيا الغربي ومسائل الهجرة غير النظامية كلها فاقمت العلاقات الثنائية".
وأضافت "سيتوجه أردوغان إلى اليونان في إطار زيارة تستغرق يومًا واحدًا، ومن المقرر أن يلتقي برئيس الوزراء اليوناني، وخلال الزيارة ستتم مناقشة الخطوات التي سيتم اتخاذها بما يتماشى مع مبدأ رابح رابح في العلاقات الثنائية، ومسألة إبقاء قنوات الحوار مفتوحة حول القضايا المثيرة للجدل".
ومن بين الخلافات المسألة القبرصية وقضية اللاجئين والحدود البحرية شرق المتوسط وفي بحر إيجة، فضلاً عن حقوق الأقليات والأديان، وتسليح الجزر المتنازع عليها، وتقاسم ثروات شرق المتوسط، ودور أنقرة في ليبيا وترسيم الحدود البحرية بينهما.
فتح صفة جديدة في العلاقات التركية اليونانية
ويبدو أن العنوان لهذا اللقاء سيكون "فتح صفحة جديدة" بين البلدين لتناول الخلافات والبناء على المشتركات وتأجيل الخلافات للحوار فيما بينها، لكن ليس من الواضح إلى أي مدى سيتم تجاوز الخلافات التاريخية، وخاصة بالمسألة القبرصية وحقوق الأقليات ومسألة ترسيم الحدود البحرية، وتقاسم ثروات شرق المتوسط، ومسالة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي والهجرة غير النظامية.
الكاتب والباحث بالشؤون التركية طه عودة أوغلو قال لـ"العربي الجديد" إن الزيارة "تعد غاية في الأهمية بهذا الوقت بالذات. هناك تطورات مهمة وحتى هذه اللحظة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وحالياً الحرب في غزة تؤثر بشكل كبير على كثير من الدول ومنها تركيا واليونان، لذا أعتقد أن هناك لحظة محورية للبلدين للتقارب، وأعتقد أن تصريحات أنقرة الأخيرة كانت تحمل مؤشرات على فتح صفحة جديدة بين البلدين، ونظرة نحو المستقبل".
وأضاف "أعتقد أن الخطوة الأولى التي سوف يعمل عليها البلدان هو حصر العلاقة ما بين أنقرة وأثينا وعدم فتح المجال لأي طرف آخر. هذا ما تريده أنقرة، تريد أن تحل المشاكل مع اليونان على الطاولة وخلال التعاون الثنائي، والتركيز خلال المرحلة المقبلة على الجوانب الإيجابية في العلاقات ما بين البلدين، والتركيز على موضوع الهدوء في بحر إيجة خلال المرحلة القادمة".
وختم بالقول: "أعتقد أن نتائج هذه الزيارة سيتم البناء عليها خلال المرحلة المقبلة، وستبقى قنوات الاتصال مفتوحة، خاصة أن هناك جهود بناء ثقة متعلقة بالدرجة الأولى بالقضايا الأمنية والعسكرية وهي لا يمكن حلها خلال ساعة أو ساعتين، كما أن هناك أيضا صراعات تاريخية بين أنقرة واليونان، لكن في كل الأحوال هذه الخطوة تاريخية ومهمة لكلا البلدين".
من ناحيته، قال الصحفي يوسف سعيد أوغلو لـ"العربي الجديد"، إن "تركيا بحاجة للتوازنات في شرق المتوسط، تتقارب مع الدول وفق مصالح مستقبل الطاقة في المنطقة، ولا يمكن أن يتم تقاسم ثرواتها دون التوافق مع الدول المحورية في الإقليم مثل مصر واليونان وإسرائيل، ورغم تصريحات تركيا الأخيرة حول إسرائيل، إلا أن الجانبين من المؤكد عقب انتهاء الحرب على غزة سيعودان للحوار مجددا".
وأكد "زيارة أردوغان الخميس ستكون مهمة وتبعاتها تؤسس لمرحلة مقبلة من علاقات البلدية وخاصة على الصعيد الأوروبي، ومن المؤكد أنه سيتم ترحيل القضايا الخلافية والتركيز على التوافقات، وأتوقع أن تكون انعكاسات الزيارة إيجابية أوروبيا ودوليا، خاصة أن الدولتين حليفتان في الناتو وموقعهما الدولي مهم جدا".