في ظل ما تشهده القدس من مواجهات مستمرة منذ عدة أيام، يعيش الفلسطينيون في مختلف أماكن وجودهم حالة من الترقب لما ستؤول إليه الأمور. وفي هذا السياق، تباينت آراء عدد من المحللين والمتابعين حول إمكانية اتساع دائرة الأحداث الحالية وتحولها إلى انتفاضة ثالثة، خاصة بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية سلسلة صواريخ تجاه المستوطنات الإسرائيلية.
مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، هنيدة غانم، تؤكد أن الأمور تتدحرج بسرعة وهناك توسع للمواجهة، إلا أن إسرائيل تتجنب خلق عدة جبهات للمواجهة، سواء في باقي مدن الضفة الغربية أو في قطاع غزة أو الداخل المحتل.
وأشارت هنيدة، لـ"العربي الجديد"، إلى أن اليمين الإسرائيلي المتمثل بنتنياهو يفقد فرص تشكيل الحكومة الإسرائيلية، لذا هو معني بتبني خطاب التصعيد والمواجهة، من دون الذهاب بعيدًا إلى انتفاضة شاملة، فيما سيذهب نتنياهو إلى تبني أسلوب حاسم لإنهاء الأحداث، أملًا في إجهاض فرص الخصوم في تشكيل الحكومة الإسرائيلية.
وتضيف: "ما يميز نتنياهو بالنسبة للإسرائيليين كان في الفترة الماضية هو تنفيذ الأجندة الإسرائيلية، بما فيها الاستيطان، وسط هدوء ميداني لتنفيذ كافة المخططات الاستيطانية. وهذا ما لا يمكن لنتنياهو التخلي عنه".
ويشير المحلل السياسي والمتابع للشأن الإسرائيلي عصمت منصور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن كافة عوامل التصعيد متوفرة، حيث القمع الإسرائيلي الوحشي والتهويد المتواصل بدعم الحومات اليمينية المتعاقبة، إضافة للفراغ السياسي الفلسطيني في ظل عدم حدوث انتخابات، تعتبر عوامل أساسية في إمكانية تفجر الأحداث وتحولها إلى انتفاضة شاملة.
ويضيف منصور: "هذه التطورات تبقى مرهونة بتوفير مظلة وطنية واجتماعية تقودها الفصائل والسلطة الفلسطينية، لتنتقل فيها إلى قيادة الهبة، لكن كل المؤشرات تفيد بمحاولات احتواء الأمور، والبحث عن حبال نجاة لإسرائيل".
ويتفق المحلل السياسي جهاد حرب معه على توفر كافة أسباب الانفجار، بما فيها الإحباط الداخلي لدى الفلسطيني جراء غياب الأفق السياسي، وهجمة الاحتلال الشرسة في الآونة الأخيرة، مضيفًا أن الفلسطينيين شهدوا في الأعوام الماضية موجات متتالية ومتنوعة من الهبات، لكنها لم تتحول إلى انتفاضة، إلا أن الظروف الحالية مهيأة أكثر.
ويؤكد أن "تخوف الفلسطينيين من الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي تشنها في القدس، بما فيها الإجلاء القسري لأهالي حي الشيخ جراح، يهيء لانتفاضة فلسطينية، لكن التنبؤ بشكلها وقدرتها ومداها يصعب توقعه خلال الفترة القادمة". إلا أنه يشير إلى تصاعد إمكانية اندلاع مواجهات في المناطق الريفية التي تخضع لتماس مباشر مع الاحتلال والمستوطنين.
وتوقع الصحافي محمد الشوبكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، زيادة حدة المواجهات في الأيام المقبلة في حال استمرار الاحتلال بسياسته في الشيخ جراح والأقصى، مؤكدًا أن "هذه الهبة قد تستمر لأيام من دون أن تمتد لوقت أطول، باعتبار أن الظروف غير مهيأة لاندلاع انتفاضة جديدة (..) ،كل هذا الصلف الإسرائيلي له علاقة بأزمة نتنياهو بشكل مباشر وعدم قدرته على تشكيل حكومة وزيادة احتمالية فقدانه لمنصب رئيس الوزراء".
وكان خطيب الأقصى الشيخ عكرمة صبري قد أكد أن اقتحامات الاحتلال واعتداءاته اليوم بحق الأقصى لم تحصل منذ عام 1967، معتبرًا أن هذه الاعتداءات هي جريمة نكراء لا يمكن السكوت عنها، ولا يمكن أن تحصل في أي مكان في العالم. ويضيف أن القوات الإسرائيلية المحتلة تقوم بأعمال إجرامية إرضاء لنتنياهو ضمن نهجه لاستقطاب المستوطنين المتطرفين والمحافظة على مكانته رئيساً للوزراء.
المحلل السياسي مخيمر أبو سعدة من غزة يستبعد فكرة اندلاع انتفاضة ثالثة في ظل الانقسام والفصل بين الضفة وغزة، مشيرًا إلى أن "الأحداث في القدس ستبقى على شاكلة الهبات السابقة التي اندلعت في الأعوام الماضية، كما أن الانتفاضة بحاجة إلى قيادة، وهذا مفقود في الأحداث الحالية".
ويضيف أبو سعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأمور تتجه إلى تصعيد في قطاع غزة، لكن من الصعب التنبؤ بمدى التصعيد وإمكانية اندلاع حرب جديدة. " كل ما سيحصل هو تصعيد ردًا على ضرب القدس بالصواريخ، لإعادة الاعتبار لها أمام المستوطنين".
وكان المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن "الكابينت" قرر شن حملة عسكرية في قطاع غزة ردًا على صواريخ المقاومة، وبالفعل استهدفت قوات الاحتلال عدة مناطق في القطاع، ما أسفر عن سقوط 20 شهيداً، بينهم 9 أطفال.