تصدّرت تطورات الساعات الأخيرة في البرازيل عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية العالمية، التي طرحت تساؤلات حول دور الجيش في ما يُشبه الانقلاب الذي نفذه أنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو، والذي أتى بعد أسبوع من تنصيب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رئيساً للبرازيل للمرة الثالثة، بعدما أدى اليمين الدستورية أمام الكونغرس في برازيليا.
وأعاد اقتحام مئات من مناصري بولسونارو، الأحد، لمقرات السلطات الرئيسية في العاصمة برازيليا، إلى الأذهان قيام مناصري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حليف بولسونارو، باقتحام مبنى الكونغرس في واشطن في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، رفضاً لنتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها جو بايدن.
وفي هذا السياق، يشرح الخبير في السياسة البرازيلية في جامعة دنفر رافاييل يوريس في حديث لموقع "ذا كونفرسايشن"، اليوم الإثنين، معنى الهجوم، والتطورات التي يمكن أن تحصل لاحقاً. ويقول إنه على الرغم من أن بولسونارو لم يكن في العاصمة وقت حدوث الهجوم، فإنه المسؤول في النهاية عمّا حدث، فهو شجّع، عندما كان في السلطة، على عدم الثقة في المؤسسات السياسية، ودافع عن إغلاق الكونغرس ومهاجمة المحكمة العليا، وهما اثنتان من المؤسسات التي استهدفها المتظاهرون.
وفي وقت يتحدث عن مسؤولية آخرين أيضاً عمّا حدث، مثل الممولين الكبار للتظاهرات التي كانت تجري منذ أسابيع؛ يشير يوريس إلى دور الجيش، إذ كانت الشخصيات العسكرية البارزة داعمة لأجندة بولسونارو اليمينية المتطرفة لفترة طويلة، حتّى أنها أبدت في الآونة الأخيرة دعماً مباشراً للعديد من التظاهرات المؤيدة للانقلاب في أجزاء مختلفة من البلاد، في الفترة التي سبقت الهجوم الأخير على المؤسسات الرسمية.
ويلفت يوريس إلى الافتقار للأمن الذي يمنع اقتحام المؤسسات الرئيسية في العاصمة، متسائلاً عما إذا كان الأمر ناجماً عن إهمال أو تواطؤ. ويشرح أن أمن الشارع ليس من مسؤولية القوات المسلحة، لكن الدعم العسكري المستمرّ لأجندة بولسونارو ساعد، وفق رأيه، في توفير الشرعية لتبني مثل هذه الآراء بين أفراد الشرطة العسكرية التي تديرها الدولة، مذكراً بأن الشرطة العسكرية هي من كانت مكلّفة بمراقبة التظاهرات في برازيليا.
ويذكّر الخبير في السياسة البرازيلية بتاريخ الدولة اللاتينية الطويل في عدم قبول القوات المسلّحة بالحكم المدني، مشيراً إلى أن بولسونارو أقام علاقات وثيقة مع الجيش البرازيلي، من خلال نقل العسكريين الرئيسيين إلى مناصب حكومية، كما تشير التقديرات إلى أن زهاء 6 آلاف فرد من العسكريين العاملين حصلوا على وظائف في مناصب غير عسكرية في الحكومة في السنوات الثماني الماضية.
ويلفت إلى أن بعض الجنرالات في القوات البحرية والجوية خصوصاً دعموا الاحتجاجات، وأعلن بعضهم أن التظاهرات المطالبة بالتدخل العسكري كانت مشروعة، وعلى ذلك فإنه من المنصف القول إن قطاعات من الجيش البرازيلي كانت تشجّع ما حدث.
ويضيف: "لكن عندما حصل الأمر، التزمت القوات المسلحة الصمت. ربما يكون الجيش قد رعى الاحتجاج، لكن عندما وصل الأمر إلى فكرة الانقلاب التقليدي أي الدبابات في الشوارع، لم يحدث ذلك".
ورداً على سؤال حول ما إذا كان يمكن تصنيف ما حدث على أنه محاولة انقلاب، يلفت يوريس إلى أنه مع انتشار الأحداث في 8 يناير، بدا الأمر أشبه باحتجاج أصبح عنيفاً وخرج عن السيطرة، لكنّ هذا الأمر استغرق أسابيع، وتمّ تمويله جيداً، إذ تمّ دفع ثمن مئات الحافلات لإيصال أنصار بولسونارو إلى العاصمة، وكان الهدف المعلن للعديد من المتظاهرين هو التدخل العسكري، قائلاً: "بهذا المعنى، أقول إن ما حدث أقرب إلى محاولة انقلاب".
ويبدو أن الرئيس الحالي لولا دا سيلفا يسعى لتقليص دور القوات المسلحة في الحياة السياسية البرازيلية، وفق ما ذكرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في وقت سابق من الشهر الماضي، مع تعيينه مدنياً في منصب وزير الدفاع، وهو أول مدني يتولّى هذا المنصب منذ حوالي 5 سنوات.
ورأت الصحيفة في هذه الخطوة مؤشراً على نية لولا تقليص النفوذ السياسي الذي اكتسبه الجيش خلال عهد منافسه بولسونارو.